في أي قائمة لأكثر الأمراض المدمرة التي كافحتها البشرية على الإطلاق يأتي مرض الجدري في أعلى هذه القائمة.

سبب هذا المرض المعدي والذي قد يكون قاتلًا هو فيروس الجدري.

قتل هذا المرض ما يقارب 300 مليون شخص قبل أن تنتشر حملات اللقاح الجماعية الكبيرة التي جعلت من الجدري أول مرض معدي يتم استئصاله في العالم وذلك عام 1980.

ولكن هذا لا يعني بأن هذا الفيروس قد ذهب للأبد.

فقد أعلنت إدارة الغذاء والدواء الأمريكية في الثالث عشر من شهر تموز الماضي أنها وافقت وللمرة الأولى على دواء بإمكانه علاج الجدري وذلك في حال تم استخدامه كسلاح في هجوم إرهابي، وسمي هذا الدواء بـ(tecovirimat) أو اختصارًا (TPOXX).

وقال مفوض إدارة الغذاء والدواء الأمريكية سكوت غوتليب (Scott Gottlieb) في بيان: «من أجل التصدي لخطر الإرهاب الحيوي قام الكونغرس باتخاذ خطوات بهدف تمكين تطوير واعتماد تدابير مضادة للتصدي للعوامل المسببة للمرض التي من الممكن استخدامها كأسلحة».

وأضاف: «الموافقة على هذا الدواء توفر لنا حدثًا هامًا ضمن هذه الجهود، فهذا العلاج الجديد يمنحنا خيارًا إضافيًا في حال تم استخدام الجدري كسلاح حيوي».

إن الإطلاق المحتمل للجدري كسلاح هو سيناريو هام جدًا، والعديد من الخبراء يعتقدون أن الشكل المسلح من المرض هو واحد من أكبر المخاطر التي تواجهها البشرية.

العالم ليس جاهزًا بعد لإمكانية تحرر فيروس الجدري ولا مستعدًا للرد على تفشٍ وبائي لمرض معين يحدث بشكل طبيعي «دون استخدامه كسلاح»، وهذا يعني أنه من الممكن نظريًا أن ينتشر نوع من العوامل الذي يسبب الأمراض القاتلة «غالبًا الفيروسية» في جميع أنحاء العالم.

وكما صرح بيل جيتس في حديث أخير، فإن الحكومات العالمية غير مستعدة بشكل جيد لمثل هذه السيناريوهات قال بيل جيتس: «في حالة التهديدات البيولوجية، فإننا نفتقر للشعور بالإلحاح والعجلة، على العالم أن يستعد للأوبئة بنفس الجدية التي يستعد بها للحرب».

عودة الجدري:

هنالك أسباب وجيهة لكي تجعلنا  نقلق بشأن احتمال تحرير فيروس الجدري وعودته.

ونظريًا، فهنالك مختبران فقط في العالم مخولان لامتلاك فيروس الجدري، وهما مركز السيطرة على الأمراض CDC في أتلانتا ومركز الوطني لأبحاث علم الفيروسات والتكنولوجيا الحيوية في روسيا.

ولكن عينات أكثر من الفيروس من الممكن أن تكون خارج هذين المختبرين، ففي عام 2014 تم العثور زجاجة تحتوي على فيروس الجدري في غرفة التخزين المبردة لمخبر ال FDA في حرم المعهد العالي الوطني للصحة في ماريلاند.

احتمالية أن يحدث إطلاق غير مقصود لهذه العينات من الفيروس هو احتمال بعيد ولكنه موجود، والأمر الأكثر إثارةً للقلق هو حقيقة أن الباحثين يظنون أنه ليس صعبًا على فاعل ذي نوايا سيئة أن يقوم بإنشاء نسخة من فيروس الجدري في المختبر، ومن الممكن أن يُنشئ نسخة أكثر خطرًا من هذا الفيروس.

والأن وقد تم استئصال فيروس الجدري من العالم، فالعديد من الناس لا يتلقون لقاحات مما يعني أن الغالبية العظمى من العالم ستكون عرضة لتفشي الوباء.

كلفت وزارة الدفاع مؤخرًا الأكاديمية الوطنية للعلوم والهندسة والطب إعداد تقرير عن الدفاع ضد الأسلحة البيولوجية.

والتقرير الذي نُشر في حزيران قال إن إعادة إنشاء الفيروسات المسببة للمرض المعروفة مثل فيروس الجدري عبر استخدام تقنيات الاصطناع الحيوي يجب أن تكون «مصدر قلق كبير» بالنسبة للولايات المتحدة الأمريكية.

يقول مايكل إمبريال (Michael Imperiale) أستاذ علم الأحياء الدقيقة والمناعة في جامعة ميشيغن ورئيس اللجنة التي أعدت هذا التقرير في بيان صحفي: «يجب أن تولي حكومة الولايات المتحدة اهتمامًا كبيرًا لهذا المجال المتطور بسرعة، تمامًا كما فعلت من أجل التقدم والتطور في الفيزياء والكيمياء خلال حقبة الحرب الباردة».

في السنة الماضية، أظهر باحث كندي يدرس علم الصناعة البيولوجية أنه من الممكن إنشاء فيروسات تسبب المرض مرتبطة بفيروس الجدري من الصفر وذلك باستخدام مواد وراثية قام بشرائها عبر البريد.

ووفقًا لتقرير لمنظمة الصحة العالمية فإن القيام بذلك يكلف الباحث حوالي 100 ألف دولار أمريكي ولا يتطلب معرفة أو مهارات استثنائية في الكيمياء الحيوية أو أموالًا ووقتًا .

أمراض خطيرة أخرى:

إن سلاح الجدري ليس المرض الوحيد الذي يظن الباحثون أنه من الممكن أن يؤدي إلى تفشي وباء عالمي. فإذا انتشرت نسخة من فيروس الانفلونزا التي انتشرت عام 1918 فإنها قد تقتل حوالي 30 مليون شخص خلال 6 أشهر فقط.

ومن الممكن أن تنتشر نسخ مخيفة أكثر من الانفلونزا فقد أظهرت الدراسات في عام 2014 والتي تم استئنافها في السنة الماضية كيف تمكن العلماء من جعل فيروس الانفلونزا أكثر فتكًا، وأظهرت هذه الدراسات أيضًا أن الفيروسات القاتلة يمكن تصميمها لتصبح أكثر قابلية للعدوى.

يحتفظ الخبراء في مركز مكافحة الأمراض والوقاية منها ومنظمة الصحة العالمية بقوائم للأمراض الأكثر احتمالاً أن تتسبب بتفشي وباء قاتل.

هذه القوائم تتضمن عددًا من العوامل المسببة للمرض التي تحدث بشكل عادي «دون استخدامها كسلاح»، وتتضمن بعض العوامل التي قد تتحول إلى أسلحة بيولوجية مثل الإيبولا وفيروس ماربورغ والسارس والجمرة الخبيثة والمطثية الوشيقية والطاعون والتولاريميا والجدري.

وقد قام خبراء أيضًا بتصميم محاكاة لكي يروا كيف سوف يستجيب العالم للإطلاق المتعمد للمرض الوبائي، وكان الإجماع العام أن البشرية لن تنجح في التصدي.

في شهر مايو، قام مركز جون هوبكنز للأمن الصحي بإجراء عملية محاكاة وضحت ما الذي ممكن أن يحدث إذا ما قامت مجموعة مهمشة بإطلاق مرض معدل مرتبط بفيروس نيباه (NIPAH)

وأدى تفشي فيروس نيبا «غير المعروف بشكل جيد” في الهند في شهر أيار إلى إصابة 18 شخص على الأقل وقتل حوالي 17 منهم.

وفي محاكاة مركز جون هوبكنز الفيروس المعدل قتل أكثر من 150 شخصًا خلال عام واحد فقط.


  • ترجمة: أنس حاج حسن
  • تدقيق: جدل القاسم
  • تحرير: صهيب الأغبري
  • المصدر