عندما ينهار نجم ضخم مشكلًا ثقبًا أسود، يرسل إشارة رائعة في شكل زخات ساطعةً جدًا من أشعة غاما، وجد العلماء شيئًا غريبًا جدًا عن تلك الإشارات الغامضة، يبدو أن هذه الإشارات قادرة على عكس الزمن! حسنًا.. نوعًا ما.

وجدت دراسة جديدة، نُشرت في 13 أغسطس في مجلة The Astrophysical Journal:«رشقات أشعة غاما هذه يمكنها عكس الزمن، بمعنى أن الموجة الضوئية الرائعة تخرج باتجاه معين ثم تعود مرةً أخرى في الاتجاه المعاكس».

وقد صرح الباحثون إنهم لا يستطيعون تفسير هذه الظاهرة، لكنهم أضافوا أن الفيزياء التي تدرس الثقوب السوداء غريبةً إلى درجة أنه لا يمكن استبعاد أي شيء.

إن انفجارات أشعة غاما هي من أعلى الانفجارات التي تم رصدها على الإطلاق من حيث الطاقة التي تصدرها، كما أن وميضها أقوى بمليون تريليون مرةً من وميض الشمس.

ووفقًا لوكالة ناسا: «إن انفجارات أشعة غاما هي أكثر المصادر المضيئة المعروفة في الطبيعة، إنها تُنتج من الطاقة أكثر بكثير من أي شيء آخر يُصدر».

طبقًا لما صرح به جون هاكيللا “Jon Hakkila “، المتخصص في مجال الفيزياء الفلكية وعميد كلية الدراسات العليا بجامعة تشارلستون في جنوب كارولينا: «عندما تصطدم نجمتان نيوترونيتان، فإنهما يرسلان انفجارات أشعة غاما لوقت قصير مُشكلين بذلك ثقبًا أسود.

كما أن السوبرنوفا، أو الانفجارات النجمية، تُنتج انفجارات أشعة غاما لوقت أطول، بينما تنهار النجوم مشكلة ثقوبًا سوداء، وبالنسبة لكلا النوعين من انفجارات أشعة غاما: معظم طاقاتها تأتي في شكل نبضات».

عندما قام هاكيلا بإخراج القمة الرئيسية من الرسم البياني للإشارة الضوئية المنبعثة من الانفجار ليتضح له باقي أجزاءها، وجد أن القمم الجانبية الصغيرة في كل منها ثلاث ذروات متميزة حيث تزداد شدة الضوء ثم تخفت بضع مرات في كل نبضة.

وبينما كان العلماء ينظرون إلى تلك البيانات، وجدوا أن بنية هذه القمم تبدو وكأنها انعكاسات في مرآة؛ فقد كانت أجزاء النبضات التي ظهرت في مقدمة النبضات المبكرة عادت وظهرت في مؤخرة النبضات اللاحقة.

أطلال نجم منفجر:

في حين نظر الفريق إلى ستة من أشد انفجارات أشعة غاما تم رصدها من قبل مرصد كومتو لأشعة غاما NASA’s Compto Gamma Ray Observatory، التابع لوكالة ناسا، في تسعينات القرن الماضي، وجد الفريق أن هذه الانفجارات تحتوي على توقيعات ضوئية عكس الزمن.

وبعبارة أخرى، إنهم جميعًا لديهم هذا المنحى من السطوع الذي يتقلب ومن ثم يتحول وينعكس، تمامًا كما لو كانت تعود بالزمن الى الوراء.

وقد ذكر هاكيلا: «إن هذا ينطبق أيضًا على انفجارات أشعة غاما قصيرة الأمد أو طويلة الأمد.

واستمر في حديثه قائلًا، لنتصوّر هذا بشكل أفضل، تخيل لو قمت بتشغيل ثلاثة مفاتيح ضوئية: A، ثم B، ثم C، ثم أوقفت تشغيل C أولاً، ثم B، ثم A».

ولرؤية هذا بالفعل، أخذ الباحثون الإشارة بأكملها، ومدوها طويلًا تم طوّوها في منتصفها مثل قطعة من الورق! فعملية “الطي” هذه أظهرت تراصف صعود الإشارة ونزولها.

وأضاف هاكيلا: «إن انفجار أشعة غاما يمثل تشكّل ثقبًا أسود، وهناك كل أنواع الأشياء الغريبة التي تحدث في كل من المكان والزمان والعلاقة بينهما في المنطقة المجاورة لثقبٍ أسود.

على الرغم من أن الانفجار لا يعكس الزمن على الأرجح مع بعض آلية الإشعاع كما يحدث في أفلام الخيال العلمي، إلا أنه أكمل قائلًا: لن أستبعد أي شيءٍ غريب».

رغم ذلك، قد يأتي تفسير مرجح أكثر عبر النظر في كيفية انتقال موجة الانفجار من خلال المادة، فقد ذكر هاكيلا: «أنه عندما ينفجر نجم، يمكن لموجة الانفجار الكبيرة أن تتحرك للخارج من خلال المواد وتضيء أثناء سيرها؛ أولًا تضيء كتلة A، ثم كتلة B، ثم كتلة C، لتسبب إشارة عاكسة للزمن، سيكون على الموجة أن تعود بشكل أو بآخر عبر تلك الكتل في ترتيب معاكس».

وعلى هذا السياق، صرح هاكيلا قائلًا: «يمكنني فقط التفكير في طريقتين للقيام بذلك، يجب على الموجة أن تضرب نوعًا من السطح العاكس، مثل المرآة، التي تعكس موجة الانفجار إلى الخلف، أو يجب توزيع الكتل بطريقة غريبة لا يمكن تفسيرها بالفيزياء العادية».

وأضاف أنّ فهم هذه العملية يمكن أن يُلقي الضوء على كيفية موت النجوم، إذ ليس كل العلماء مقتنعين أن أفضل تفسير لهذه الإشارات هو أنها تعكس الزمن.

أمّا بنج تشان، أستاذ فيزياء الطاقة العالية (high energy physics) في جامعة نيفادا في لاس فيغاس -والذي لم يشارك في الدراسة- فقد صرح قائلًا: «إنني أقدر الجهود الكبيرة التي يبذلها الباحثون، إلا أن الركيزة التي بني عليها البحث قد تكون غير متينة».

يعتمد اكتشاف البُنى المرتدة زمنيًا على افتراض أن كل انفجار من أشعة غاما، يتكون من عدة نبضات واضحة المعالم، كل نبضة يعبر عنها بمعادلة رياضية.

ولكن شكل هذه النبضات وطبيعتها قد يكونان أكثر تعقيدًا من هذه المعادلات الرياضية، بحيث لا يكون لبقايا النبضات ثلاثية القمم أي وجود في الحقيقية.

وقال تشانغ لـ “لايف ساينس”: «ربما تكون فرضية المرآة صحيحة بعد كل شيء، لكن في الوقت الحالي، ليست هناك أي أدلة مباشرة تدعم هذه الفرضية».

في النهاية، جميعنا نتفق أنه دائمًا تصبح الصورة أكثر غرابةً كلما اقتربنا من ثقبٍ أسود.


  • ترجمة: أسامة أبو إبراهيم
  • تدقيق: منّة حمدي
  • تحرير: تسنيم المنجّد
  • المصدر