نحن البشر محترفون في التعلّم الفئوي، العملية التي نستخدمها لتصنيف الأشياء (سواء كانت جمادًا أو مفاهيم أو أحداثًا) داخل مجموعات تتشارك في صفاتٍ نستطيع تمييزها بصورةٍ مُعيّنةٍ.

نفعل ذلك عندما نُميز الأصدقاء عن الغرباء، وعندما نُقرّر ما إذا كنّا سنأكل تلك التوتة البرية أم لا، وحتّى عندما نتصفح الأحرف أثناء قراءتنا لمقالٍ عن التعلّم البصري.

بالنسبة للجزء الأكبر، يُعتبَر التعلّم الفئوي عمليّةً معرفيّةً عالية المستوى تعتمد على التمثيل الذهني المجرّد للمعلومات الحسيّة.

لكنّ الباحثين لوقا روسدال، وغريغوري آشبي وميغيل اكشتاين من جامعة كاليفورنيا في سانتا باربرا اكتشفوا شيئًا آخر.

وجدوا أنّ التعلم الفئوي يعتمد في بعض الأحيان على تمثيلاتٍ من أجزاءٍ أكثرَ بدائيّةً في القشرة البصرية في المخ. وتكون تلك الأجزاء حساسةً للموقع الدقيق الذي يتلقى التحفيز على الشبكيّة على عكس القشرة البصرية.

يقول لوقا روسدال، وهو باحثٌ في قسم علم النفس والدماغ بجامعة كاليفورنيا في سانتا باربرا والمؤلف الرئيسي لورقة الفريق “التعلم فئة محددة في شبكية العين” التي نُشرت في مجلة طبيعة السلوك البشري:

«هذا أمرٌ مهمٌ لأنّ نوع التعلّم الذي وجدنا أنّه مُعتمدٌ على المجال البصري، هو تقريبًا نوعٌ من التعلّم اللا واعي. على سبيل المثال، نوع التعلّم الذي يستخدمه أخصائيو الأشعة عندما ينظرون في تقرير الأشعة لتحديد ما إذا كان الذي يرونه ورمًا أم لا. أو من قِبل موظفي إدارة أمن المواصلات عندما ينظرون في الشاشة التي تمسح الحقائب محاولين العثور على أشياءٍ محظورةٍ؛ هذه أمثلة على التصنيف الضمني أو اللاواعي».

كما أوضح روسدال، يكتسب خبراء الأشعة وموظفي إدارة أمن المواصلات هؤلاء معرفتهم على مدار العديد من التجارب، لذا فإن قراراتهم في كثيرٍ من الأحيان ليست تحديدًا واعيًا، ولكنّها تأتي في شكل مشاعر وأحاسيس باطنية.

على حد تعبيره: «لم يستطيعوا دائمًا أن يقولوا سبب شعورهم بوجود ورمٍ في تلك البقعة، أو لماذا يشعرون أنّ الحقيبة في ذلك المسح تحتوي على شيءٍ محظورٍ، ولكنّهم يشعرون وينظرون عن كثب لمعرفة ما إذا كان الشعور صائبًا أم لا».

ومع ذلك، وجد روسدال وزملاؤه أنّ مكان الأشياء التي تظهر نسبة لمجال الرؤية، يمكن أن يُؤثّر على قدرة الشخص على تحديد ماهية الشيء.

وهكذا، فإنّ أخصائي الأشعة الذي اعتاد على رؤية الأورام على الجانب الأيمن من مجال رؤيته، قد لا يحظى بنفس مستوى النجاح إذا كان الورم موجودًا على اليسار.

وقد لا يكتشف الموظفون بجهاز أمن المواصلات الذين يمررون الحقائب في اتجاه واحد عن الأشياء المحظورة إذا انعكس الاتجاه. في الحقيقة، يطوّر هؤلاء ما يسمى ’’بنقاط التصنيف العمياء‘‘.

وللتحقّق من هذه الظاهرة، طوّر العلماء سلسلةً من التجارب التي تمّ فيها تدريب الأشخاص لتصنيف الأشياء التي تظهر على أحد جوانب مجالاتهم البصرية، بالتزامن مع تغطية عينٍ واحدةٍ.

ثمّ قاموا بإجراء التجربة مرة أخرى، ولكن مع تغطية العين الأخرى وقلب الجسم إلى الجانب المقابل للعين المدربة.

وقال روسدال: «وجدنا أنّ الأداء لا يقل عند التبديل بين العينين. ولكنّه قلّ عندما تحرّك الشيء إلى الجانب الآخر. وهذا يخبرنا عن شيئين. أولًا، أنّ المعرفة تُعمّم للعين الأخرى. ولكنّه أيضًا يخبرنا أنّ انخفاض الأداء في الجانب الآخر لم يكن بسبب أي تغيير في التجربة».

وفقًا لروسدال، تثبت هذه الظاهرة أنّ بعض أنواع التعليم الفئوي المرئي تعتمد على التمثيلات المرئية في القشرة البصرية الأولية، والتي تقع في مؤخرة الدماغ لدى الثدييات وتتخصص في التعرف على الأنماط. تحتوي هذه المنطقة من القشرة البصرية البدائية على خلايا عصبية تستجيب لأنماطٍ مُحدّدةٍ في مناطق معينةٍ من المجال البصري، في حين تستجيب الخلايا العصبية في القشور البصرية الأحدث للمثيرات في أي مكانٍ في المجال البصري.

قال: «إنّ هذا يبيّن لنا أنّ نظام التصنيف الضمني هذا يعتمد في الواقع على معلوماتٍ بصريّةٍ أقلّ بكثيرٍ ممّا كان يُعتقد من قبل.»

نتائج هذه الدراسة لها آثارٌ علينا جميعًا. نحن الذين نتعلّم التعرّف على أنماطٍ تظهر فقط في مناطق مُعيّنةٍ من مجالاتنا البصرية.

على سبيل المثال، بالنسبة لروسدال، وهو راكبُ أمواجٍ حديثٍ، يعني ذلك أنّه قد يضطر إلى العمل بجهدٍ أكبر للحكم على موجة أنّها جيدة عندما تتحرك مجموعة من الأمواج من الجانب الآخر من مجال رؤيته، ذلك الذي لم يعتاد عليه.

وقال: «هل هذه موجةٌ سأكون قادرًا على ركوبها أم لا؟ هذه عمليّة ضمنيّة. السؤال الأكبر الآن هو كيف نضع بروتوكولات للتدريب البصري بحيث لا تكون مُخصّصةً لشبكية العين؟ كيف سيكون لدينا نموذج تدريبٍ بحيث يتعلّم الناس عبر المجال البصري بأكمله؟».


  • ترجمة: كيرلس يوسف نجاح
  • تدقيق: حسام التهامي
  • تحرير: زيد أبو الرب

المصدر