الأشجار موجودةٌ في كل مكانٍ حول العالم، ويعلم الجميع أن الشجرة تنمو من بذرةٍ مزروعةٍ في الأرض، إنها حادثةٌ طبيعية.

ولكن من أجل أن يتم ذلك، فهي تحتاج إلى العمل ضد الجاذبية، اكتشف الباحثون الآن السرّ الذي يسمح لها بالقيام بذلك، شيء مفسدٌ للمتعة والتشويق: اللحاء!

هذا شيءٌ مثير للدهشة؛ لأن العلماء كانوا يعتقدون في السابق ولفترةٍ طويلة أن القوى الداخلية في خشب الشجرة هي التي تعمل على تعويض الجاذبية، وأن وظيفة اللحاء هي حماية النبات من التهديدات الخارجية فقط، بشكلٍ يشابه تمامًا ما يفعله الجلد.

لكي تنمو ضد الجاذبية، تحتاج النباتات إلى شيئين، الأول: النظام الهيكليّ؛ الذي يتمثّل في الجذع الصلب والقوي، ومع هذا يكون غير كافٍ.

وتحتاج أيضًا إلى النظام الحركيّ (العضليّ)؛ الذي يمكنه التحكّم في وضعية الشجرة وتصحيحها عن طريق تطبيق قوىً تعمل ضد قوى الجاذبية التي يمكن أن تمنعها من النمو بشكل مستقيمٍ وعموديّ.

على مرّ السنين، اقترحت العديد من الدراسات أن الوضعية الرأسية للأشجار يتم التحكّم بها بواسطة القوى الداخلية أثناء تشكيل الألياف في الخشب.

ومع ذلك، فقد وجدت دراساتٌ قليلةٌ أخرى أن اللحاء قد يلعب دورًا، وهذا ما شرع باحثون باكتشافه من المركز الوطني الفرنسي للبحث العلميّ.

كتب الباحثون في تقريرهم: «كان الهدف من الدراسة الحالية هو التحقيق في المساهمة الميكانيكية للّحاء في الحركة الصاعدة في أشجار الملوخية (Malvaceae)، وتوسيع نطاق الدراسة لتشمل العديد من العائلات النباتية الأخرى لتقييم مساهمة اللحاء في مجموعةٍ متنوعةٍ من التصاميم الحيوية».

تضمّن الاختبار تسعة أنواع من الأشجار الاستوائية هي:

(Cecropia palmata, Laetia procera, Pachira aquatica, Simarouba amara, Virola michelii, Cordia alliodora, Tarrietia utilis, Gossypium hirsutum, Theobroma cacao).

وتم اختيارها لأنها تمثّل مجموعةً متنوعةً من أنواع الخشب وتراكيب اللحاء.

زُرعت (من 8 إلى 12) نبتة من كل شجرة في مختبر؛ من بذرةٍ أو شتلة، وبعد السماح لها بالنموّ لمدةٍ تتراوح (من 3 إلى 10) أشهر، تمت إعادة زراعتها بزاوية 45 درجة وإسنادها إلى دعامات.

وعندما تمت إزالة الدعامات، وُجد أن الأشجار التي نمت على طول الدعامات، قد طوّرت المنحنى (القوس) أثناء تصحيح مسارها لتنمو بشكلٍ مستقيم عموديًا على الأرض.

ولكن عندما أُزيل اللحاء، فقدت خمسةٌ من الأنواع التسعة هذا المنحنى، ما أشار إلى أن اللحاء كان يلعب دورًا فعالًا في إبقاء اتجاه الشجرة نحو السماء.

كانت الخطوة التالية دراسة اللحاء نفسه لمعرفة كيف يتم ذلك، عندما درس الباحثون البنية الداخلية لكلٍّ من الجذع واللحاء، وجدوا أن الألياف في اللحاء كانت منظّمةً على شكلٍ يشبه إلى حدٍّ ما بنية التعريشة (أي كانت متشابكة).

مع نموّ الشجرة يزداد محيط اللحاء؛ وهذا يؤدي إلى توليد التعريشة قوىً على امتداد الجذع للحفاظ على النموّ بشكلٍ عموديّ.

في الصورتين 4-6، يمكن رؤية التعريشة، إنها أكثر تعقيدًا في الجانب العلويّ من الجذع المنحني.

عندما يميل الجذع، يحدث شيءٌ مثيرٌ للاهتمام، إذ يصبح النموّ أكثر سرعةً في الجانب العلويّ من الساق.

وهذا يؤدي إلى توليد التعريشة قوة غير متكافئة، والتي تسبّب لاحقًا الانحناء في الجذع (كالقارب عندما يدور ويغيّر اتجاهه بسبب التجديف بقوةٍ في جهةٍ واحدة أكثر من الأخرى) من أجل تعويض تأثير الجاذبية.

على الرغم من أن هذا لم يكن تأثيرًا عامًا، إلا أنه من الممكن -بناءً على ما يقوله الباحثون- أن يكون واسع الانتشار بين النباتات الوعائية.

يقول الباحثون: «من الجدير بالاهتمام أنه في الأنواع التي لا تعتمد على هذه الآلية، تكون الأنسجة التي تنتجها الخلايا الشقيقة على الجانب الخشبيّ وعلى جانب اللحاء في صراع، ما يدل على أنه في الطبيعة لا يستجيب التصميم فقط لأفضل حلٍّ هندسيّ لمشكلة تصميمةٍ معينة ولكن يأخذ بعين الاعتبار وظائف حيوية أخرى.

ومع ذلك، فإن الأنواع التي تم إبرازها في هذه الدراسة أظهرت أن التنظيم الهيكليّ المُصمّم بشكلٍ جيد قد يؤدي بالخلايا الشقيقة إلى العمل في تآزرٍ للتحكّم بالقوى».

نُشر البحث في صحيفة «The New Phytologist»


  • ترجمة: ليلى خالد.
  • تدقيق: تسنيم المنجّد.
  • تحرير: عيسى هزيم.
  • المصدر