الأبراج العملاقة والنُصب التذكاريّة والمباني العاليّة التي تراها أمامك في حياتك اليوميّة، تجدها في غالب الأحيان مُدعّمةً بطبقةٍ سميكةٍ من الخرسانة وممزوجةً معها حتّى الأساس.

في حقيقة الأمر إنّ الهدف من استخدام الخرسانة جليٌّ تمامًا؛ وهو يكمن في كون لا شي بإمكانه أن يوفّر الدعم الكافي والمحافظة على الاستقرار الدائم للمُنشآت كما توفّره الخرسانة، ولكن بالطبع من الناحية النظريّة، ستجد موادًا أخرى بإمكانها توفير أساسٍ أقوى لكنّها لن تكون اقتصاديّةً بقدر ما هي عليه الخرسانة.

لكن السؤال المطروح هنا:

إن كانت الخرسانة بكل هذه القوّة والتراص التي يُمكّنها من تحمّل الأطنان من الأحمال المُطبّقة عليها دون أن تتزحزح، فلماذا تتكسّر عند ضربها بالمطرقة؟

ألا ينبغي لمثل هذه الأنواع من المواد القويّة أن تصمد أمام بضع ضرباتٍ يقوم بها الإنسان؟

في الحقيقة، إنّ الأمر يتعلّق بشكلٍ أساسيٍّ بقدرة تحمّل الخرسانة.

مُقاومة الخرسانة على الضغط:

إنّ السبب الرئيسيّ في استخدام مادة الخرسانة لتكون الداعم الأكبر للمباني وباقي المُنشآت؛ هي قدرتها الكبيرة على تحمّل القوى الضاغظة، أي أنّها تتحمّل كميّاتٍ ضخمةً من الأحمال المُطبّقة عليها، ويعود السبب وراء قدرة التحمّل هذه إلى طريقة صنعها في المقام الأول؛ إذ أنّها تتكوّن من موادٍ رُكاميّةٍ -الأحجار المُفتتة- ومواد رابطة -وهو الاسمنت في هذه الحالة- الذي يقوم بتوفير الجودة في الالتصاق، حيث تملأ هذه الحجارة تلك الفراغات الصغيرة ضمن الهيكل الخرسانيّ، مما يُعطيها الجسم الصلب والمتين.

ولكن على الرغم من جميع تلك المتانة والقوّة التي تتحمّل القوى الضاغطة، إلا أنَّ الخرسانة بحد ذاتها هي مادة هشّة، ونستطيع القول بطريقةٍ أخرى بأنّ الخرسانة ذات مقاومةٍ ضعيغةٍ عند تعرّضها للقوى الشادّة.

قدرة تحمّل الخرسانة على الشد:

بشكّلٍ مُبسّطٍ فإن قوة الشد لأيّ مادةٍ هي قياس مقدار الإجهاد الذي تتعرّض له المّادة عند وصولها إلى نقطة الانهيار؛ التي تُفقدها تماسكها وتتحطم عندها، كما يمكننا القول أيضًا بأنّ قوّة الشد هي أقصى ما يُمكن أن تتحمّله المادة دون أن تنكسر.

وبما أنّ الحجارة الصغيرة تدخل في تركيب الخرسانة فهذا يعني أنّها تحوي في بُنيتها على شقوقٍ مجهريّةٍ دون أن يُسبب وجودها أيّ مُشكلةٍ عند تطبيق القوى الضاغطة، ولكن إذا ما تعرّضت الخرسانة إلى قوى شادّة، عندها ستبدأ تلك الشقوق المجهريّة بالتمدّد، وتأخذ بالاستمرار في تمدّدها طوال فترة تطبيق القوّة الشادّة على الخرسانة، إلى أن تصل في نهاية المطاف إلى التفكك.

تُوضّح الصورة مدى ضُعف الخرسانة على الشد

بالإضافة إلى ذلك، فإنّ الخرسانة ضعيفة في التعامل مع (الإجهادات القاصّة – Shear Stresses)، تلك القوى التي تميل لإحداث تشوّهاتٍ في المادّة ومرونتها ضعيفة، وهذا يعني عدم امتلاكها القدرة على امتصاص القوى عن طريق التمدد أو الانضغاط المؤقت -بمقياسٍ مجهريٍّ- كما هو الحال في الشريط المطّاطيّ أو الشريط النابض.

ولهذا السبب لا تتكسّر البلاطات الخرسانيّة بضربةٍ واحدةٍ من خلال المطرقة -قد يكون هذا مُمكنًا في حالة تكرار الهدم- ولكن بعد عدّة ضرباتٍ قويّةٍ، تُصبح الشقوق في البلاطة كبيرةً بما يكفي لتتحطّم البلاطة بأكملها.

إذًا، كيف يمكن زيادة قدرة تحمّل الخرسانة لتُقاوم القوى الشادّة؟

على الرغم من ضعف تحمّل الخرسانة على الشد، لكنّ هذا لا يعني أنّ ليس هناك أيّ حلٍّ لهذا المُشكلة، إذ يقوم المهندسون بإضافة القضبان الفولاذيّة للهيكل الخرسانيّ ويوزّعونه في مواقعٍ مُحددةٍ -التي تتعرّض إلى الإجهادات الشادّة- مما يجعل الهيكل الخرسانيّ مُقاومًا للضغط والشد في آنٍ واحدٍ.

تُظهر الصورة قدرة تحمل الخرسانة في المنطقة المضغوطة، في حين أنّها مُتقصّفة في المنطقة المشدودة

يُطلق على هذا النوع من الخرسانة المدعومة بالقضبان الفولاذيّة اسم (الخرسانة المُسلّحة – Reinforced Concrete)، حيث أنّ وجود الفولاذ لا يكتفي بإكسابها القوة والمتانة فقط بل يسمح لها بالانحناء بدرجةٍ بسيطةٍ دون أن تتكسّر.


  • ترجمة: رامي الحرك.
  • تدقيق: رند عصام.
  • تحرير: عيسى هزيم.
  • المصدر