حيّر برج بيزا المائل ومَيَلانه البالغ 5.5 درجاتٍ المهندسين لقرون عدّة.

بدأ برج الجرس القديم المشيّد جزئيًّا على تربة ناعمة بشكل غير متوقّع بالميلان قبل إنهائه، وهو الخطأ التاريخي الطائش الذي أصبح واحدًا من الغرائب التاريخية العالمية، وجعل من البرج موقعًا للتراث العالمي وفقًا لليونسكو.

كيف يمكن لشيءٍ يبدو سيّئًا من الناحية الهيكلية بشكلٍ ملحوظ أن يصمدَ في منطقة معرّضة للزلازل لمئات السنين؟

نجح البرج في شمال غرب إيطاليا في النجاة من حربين عالميّتين وملايين الزيارات للسائحين وما لا يقلّ عن أربعة زلازلَ قويّة ضربتِ المنطقة منذ عام 1280؛ كان أحد تلك الزلازل أشدّ من ستّ درجاتٍ على مقياس ريختر.

وجد ميلوناكيس Mylonakis، وهو أستاذ هندسة يدرس الجيوتقنية وتفاعل المباني مع التربة، وأكثر من 12 باحثًا إجابةً تتضمّن تلك التربة الناعمة الشهيرة ومصطلحًا تخصّصيًّا يُسمّى «التفاعل الديناميكي بين البناء والتربة».

أشار المهندسون إلى أنّ ارتفاع البرج وصلابته المجتمعتين مع نعومة تربة الأساسات تؤدّي إلى تعديل الخصائص الاهتزازية للهيكل إلى حدٍّ كبير بطريقة لا يتجاوب فيها البرج مع تواتر حركة الزلازل الأرضية بظاهرة الرنين.

لذا أثناء الزلزال، لا يهتزّ البرج بنفس قدر اهتزاز الأرض تحتَه، في تحدٍّ آخرَ للجاذبية.

ومن سخرية القدر، أنّ نفس التربة التي تسبّبت في الميلان غير المستقر وجلبت البرج إلى حافة الانهيار، يمكن أن يُنسبَ إليها الفضل في مساعدته على النجاة من هذه الزلازل، على حدّ قول ميلوناكيس.

أصدر الباحثون بعض النتائج التي توصّلوا إليها، ويتوقّعون نشر بقية النتائج هذا الشهر في المؤتمر الأوروبي حول هندسة الزلازل في اليونان.

إن انعزال البرج عن الزلازل لا يعني أنّه بإمكانه الاستهزاء بالمباني المجاورة التي دمّرها الزلزال، فقد أخذ بالاستقرار عبر تاريخه، وبحلول أوائل القرن العشرين كان في خطرٍ حقيقيٍّ للسقوط.

في عام 1990، أغلقتِ الحكومة الإيطالية البرج أمام الزوّار وبدأت مشروعًا لترميمه لمدّة عقدٍ واحدٍ.

وضع المرمّمون 900 طنٍّ من الرصاص كثقل توازن على الجانب الشمالي من البرج، في الوقت نفسه الذي توصّلوا فيه إلى خطّة أفضل لإبطاء نزوله.

تتضمّن الخطّة إنشاءَ هيكل إطاريّ ثابت على شكل حرف A في الجانب الشمالي، ومدّ كابلات منه إلى نوع من الحبال أو الكابلات حول جزئه المركزي.

كان هذا من أجل الحفاظ على الهيكل في مكانه بينما يبدأ الطاقم تدريجيًّا بإزالة كميات صغيرة من التربة من الجانب الشمالي المرتفع.

من المفترض أن يؤدّيَ هذا إلى أن يغوص ذلك الجزء من البرج أو يستقرّ، وأن يدور البرج باتجاه الشمال بمقدار نصف درجة تقريبًا.

ركّب المهندسون أيضًا المعدّاتِ التي تسمح لهم بإجراء تعديلات على ضغط المياه أسفل البرج، ما يؤدّي إلى مزيد من التحكّم بالميلان.

كلّ هذا قد قلّل الميلان قليلًا – من 5.5 درجة إلى 3.9 درجة – مساعدًا المبنى في الحفاظ على لقبه «المائل».

لكنّ الأهمّ من ذلك أنّ البرج لم يكن في خطر السقوط بسبب آثار الجاذبية وحدها.

قال جون بورلاند John Burland وهو أحد قادة مشروع الترميم: «إنّه من المستبعد للغاية أن تسقط أساسات البرج، وإذا كان هناك أيّ شيء سيتسبّب في انهيار البرج؛ فمن المرجّح أن يحصل ذلك بسبب زلزال شديدٍ للغاية».

ولمرّة أخرى، ربما لا!.


  • ترجمة: يوسف مصطفى.
  • تدقيق: سهى يازجي.
  • تحرير. عيسى هزيم.
  • المصدر