تباطأ كوكب المريخ وعكس مساره (دورته) في السماء في ليلة 28 يونيو، وهي خدعة في المنظور، بينما الكوكب الأحمر (المريخ) والأرض كلاهما يدور حول الشمس بنفس الاتجاه.

حسب: وكالة ناسا/ مركز لويس للأبحاث

انظر للأعلى وابحث لتلتقط كوكب «المريخ اللامع» بينما يبدأ انعطافًا متعرجًا عبر السماء.

خلال خمسة أسابيع ونصف، سوف يقوم كوكب المريخ بأقرب مقاربة له للأرض منذ شهر أغسطس 2003.

يمكننا رؤية الكوكب الأحمر مباشرةً قبل منتصف الليل، منخفضًا في السماء الشرقية والجنوبية الشرقية، يكاد يكون مشابهًا لكوكب المشتري في التألق والتوهج مثل جمرة برتقالية مصفرة.

ويواصل كوكب المريخ سطوعه بشكل ملحوظ مع مرور كل أسبوع.

(استعراض كوكب المريخ المدهش في عام 2018 باستخدام تطبيقات الجوال)

إذا كنت تتابع كوكب المريخ منذ أول يوم من السنة الجديدة، فإنك قد تتذكر أنه في ذلك الوقت، كان ساطعًا في الكوكبة البرجية (Libra)، الميزان. في ذلك الوقت، كان يبعد عن كوكب الأرض بمقدار 181 مليون ميل (292 مليون كيلومتر).

وفي المقابل، مع نهاية الأسبوع المقبل، المسافة بين كوكب المريخ وكوكب الأرض سوف تقل إلى 42.3 مليون ميل (68.2 مليون كيلومتر)؛ فهو الآن يسطع أكثر بـ 25 مرةً ما كان عليه في بداية هذا العام.

أيضًا منذ الأول من شهر يناير، تقدم كوكب المريخ على مسار شرقي عبر النجوم الخلفية للبروج.

وهو حاليًا يقيم في الكوكبة البرجية الجدي (Capricornus)، عنزة البحر.

ولكن منذ 28 من شهر يونيو، توقف ذلك المسار الشرقي الثابت (الدورة الثابتة نحو الشرق) .

في الحقيقة، منذ بداية شهر يونيو، بدا على كوكب المريخ التباطؤ في مساره نحو الشرق، بدا تقريبًا وكأنه يتذبذب، كما لو أنه أصبح مترددًا.

وأخيرًا في 28 من شهر يونيو، توقف سريعًا، ثم على مدى الشهرين التالين، سيستكمل انعكاس مساره في السماء ويبدو وكأنه يتراجع للخلف بشكل معاكس للخلفية النجمية، باتجاه الغرب.

وفي 28 من شهر أغسطس،سيتوقف الكوكب سريعًا مرةً أخرى قبل استئناف حركته الشرقية الطبيعية.

احتار اليونانيون؛ ولكن كوبرنيكوس لم يفعل

جميع الكواكب في نظامنا الشمسي تُظهر هذه «الحركة التراجعية» من وقت إلى آخر.

ولكن لفترة طويلة من الزمن، لم يتمكن علماء الفلك القدامى من التوصل إلى تفسير مرضٍ لهذه الظاهرة.

وذلك لشيء واحد؛ بينما كوكب المريخ يتصرف بهذه الطريقة الغريبة، سوف يبدو أيضًا كأنه ينحرف بشكل ملحوظ عن مساره الطبيعي، وسوف تظهر الحركة التراجعية لجعله أبعد بكثير عن مساره المداري المنتظم.

بعبارة أخرى، بالنسبة للبعض منا ممن يراقبون من كوكب الأرض، خلال فترة الشهرين تلك، يبدو كوكب المريخ وكأنه يسير في حلقة واسعة، بقياس 10 درجات طولية و 2.5 درجات عرضية.

رغم ذلك فإن اليونانيين القدامى اعتقدوا بقوة أن الشمس والقمر والكواكب جميعها قد تحركت حول كوكب الأرض في حلقات مثالية.

ولكن كان لديهم صعوبة كبيرة في تمثيل وحساب هذه الحلقة الغامضة، ولفترة طويلة من الزمن، لم يكن لديهم تفسير كافٍ لها.

كانت هناك مشكلة أخرى وهي محاولة شرح لماذا يرسم أحيانًا كوكب المريخ حلقةً وأحيانًا أخرى يرسم حركةً متعرجةً؛ ذهابًا وإيابًا، والتي هي مشابهة للحرف “Z” في طريقه عبر السماء.

في الحقيقة، هو قام بهذا فقط خلال ربيع عام 2016 وسوف يعيد الكرة في أواخر خريف عام 2022.

وأخيرًا اختلق اليونانيون الأعذار لهذه الحالات الشاذة بافتراض أن الكواكب تحركت حول كوكب الأرض بأفلاك دائرية أصغر؛ أي حلقات صغيرة تتحرك مراكزها على طول حلقاتها المدارية الرئيسية حول كوكب الأرض، مؤدية إلى نشوء أقواس معقدة حلزونية الشكل تقريبًا.

ولسوء الحظ، الملاحظات الفعلية للكواكب لم تكن لتتناسب مع هذه الآلية المدارية الغريبة، ما يجعل تفسير اليونانيين عديم الفائدة تمامًا في نهاية المطاف.

لم يكن حتى عام 1543، عندما نشر العالم الفلكي البولندي الرائع «نيكولاس كوبرنيكوس» (1473-1543) عمل حياته «الثورة»، والذي كشف أخيرًا سر الحلقات التراجعية الغريبة.

بإنزال كوكب الأرض من موقعه المقدس في مركز النظام الشمسي واستبداله بالشمس، فإن «كوبرنيكوس» كان قادرًا على شرح لغز «تأثير الحركة الخلفية (التراجعية)» الظاهرية للكواكب بانتصار.

(أروع العلماء الفلكيين في كل العصور)

كل هذا مجرد وهم

في الحقيقة، هو نفس التأثير الذي يحدث عندما تعبر سيارة أخرى الطريق السريع: فكلا السيارتين تسير في نفس الاتجاه، ولكن إحداهما تتحرك ببطء أكثر.

وأثناء عبورهما، ستبدو السيارة البطيئة وكأنها تتحرك إلى الخلف بالنسبة للسيارة الأسرع.

طبق «كوبرنيكوس» نفس التأثير على الكواكب في الفضاء.

في هذه الحالة، كلا الكوكبين، الأرض والمريخ، سوف يتحركان في نفس الاتجاه حول الشمس، ولكن يبدو أن البطيء، وهو المريخ، يتحرك إلى الخلف بالنسبة للأسرع، أي الأرض.

دعونا نؤكد على شيء واحد هنا: في الحقيقة كوكب المريخ لا يتوقف أو ينعكس مساره المداري في الفضاء!

بل إن ما نشهده هو مجرد وهم مستند إلى المنظور.

سوف يواصل كوكب المريخ التحرك في مداره الإهليلجي المنتظم حول الشمس.

وإن ما نراه، التوقف، عكس مساره في السماء والاستئناف النهائي لمساره المنتظم عبر السماء، مجرد عرض لكوكب المريخ من منظورنا الأرضي (تمامًا مثل رؤية السيارة الأبطأ من منظور السيارة الأسرع) كما لو سافرنا عبر الفضاء في مسارات مدارية بسرعات مختلفة حول الشمس.

بعد 28 من شهر أغسطس، سوف يلغي كوكبا الأرض والمريخ الحركة الظاهرية إلى الخلف.

بعد أن قضوا أكثر من نصف هذا العام في التلكؤ وملاحقة كوكب المريخ في النهاية (مثل سيارات السباق التي تقوم بالتفافات ساخنة حول بعضها البعض)، ومن ثم وأخيرًا سيترك كوكب الأرض المريخ بعيدًا خلفه.

إن الزيادة السريعة في السطوع بالنسبة لكوكب المريخ التي نراها الآن سوف تنعكس، وبالتالي سوف تتلاشى ويبهت بشكل سريع خلال الجزء الأخير من هذا العام.


  • ترجمة: ليلى خالد
  • تدقيق: أحلام مرشد
  • تحرير: حسام صفاء
  • المصدر