عند العكرماوي، وهو مطعم حمّص صغير لديه 65 سنةً خبرةً في بوابة دمشق في القدس، أراني الطباخ نادر طهراوي كيفية إعداد الحمّص.
وصفة (الحمّص بطحينة)، الطبق يسمى “حمّص” نسبةً إلى حبوب الحمص، التي تتكون من حب الحمص، الطحينة، الثوم، والليمون.
وكون الوصفة سهلة التحضير، فالاختلاف يكون بطريقة التقديم.
فهل يفضل أن يكون الحمّص ناعمًا أم خشنًا، غني بالطحينة أو بحب الحمّص، مزين بالفول أو بمزيد من حبوب الحمّص أو بالصنوبر أو بلحم العجل المفروم؟ وما المقبلات التي يفضل أن تقدم بجانبه؟ البطاطا المقلية؟ المخلل؟ الصوص الحار؟ الفلافل؟
يزيّن طهراوي كل طبق حمص بملعقة طحينة والقليل من زيت الزيتون.
ويستخدم استعارةً من الشرق الأوسط تقول: «الزيت جيد».
الحمّص هو كذلك مصطلح محلي: محبوب في كل العالم، ولكنه مع ذلك مصدر توتر آخر في المنطقة، هو سؤال عن حق الملكية.
من اخترع هذا الطبق؟ ومن الذي من حقه أن يطالب به؟
حاول الجميع، من لبنانيين وترك وسوريين ذلك. لكن لا يوجد سوى دلائل قليلة لكل نظرية من هذه النظريات.
أغلب المكونات كانت موجودةً منذ قرون: تاريخ حب الحمص يعود لأكثر من 10000 سنة في تركيا، حسب أنيسة حلو، كاتبة سورية لبنانية لكثير من كتب الطبخ : «هو واحد من أقدم البقول زراعةً على الإطلاق».
أما الطحينة، معجون السمسم والتي تعد مكونًا رئيسيًا للحمّص بطحينة، ذُكرت في كتب الطبخ العربي في القرن الثالث عشر.
ولكن فكرة خليط مكونات هذا الطبق الشهير مع بعضها هي ما يصعب تحديد أصله بدقة.
الحمّص هو كذلك مصطلح محلي: محبوب في كل العالم، و لكنه مع ذلك مصدر توتر آخر في المنطقة.
بعد عدة أيام قال لي الشيف توم كابالو من مطعم راك حمّص بالمستعمرة الإسرائيلية في الجولان: «إنه طعام يهودي، لقد تم ذكره بالتوراة منذ 3500 سنة مضت».
كنت في مطعمه لتناول طبق الثلاثاء الخاص.
ولأن الوقت كان في تشرين، الطبق الخاص كان (حمّص الهالويين) مزينًا باليقطين المبشور والطحينة السوداء.
لم يكن الوحيد الذي يخبرني بأن الحمّص ذكر بالتوراة.
كابالو والبقية يرجعون بذلك لنص من كتاب راث، قسم من الجزء الثالث والأخير من التوراة. ” Come hither, and eat of the bread, and dip thy morsel in the hometz.”
بالرغم من الشبه الكبير بين كلمة hummus و hometz (حمّص) هناك سبب وجيه لألّا يكون هذا صحيحًا: بالعبرية الحديثة hometz تعني الخل.
طبعًا “اغمس رغيفك بالخل” سيكون تعبيرًا غريبًا لضيافة شخص ما، وهنا يتعزز الشك بهذه القصة.
يقول أورين روزنفيلد، كاتب ومخرج فيلم “Hummus! The movie”: «لقد سمعت بعض الادعاءات التي تقول أنه قد زرع أولًا بشمال الهند أو النيبال». كما تقول ليودا غفيون، كاتبة “Beyond Hummus and Falafel: Social and Political Aspects of Palestinian Food in Israel”: «أظن أنه جدال قديم وغبي ليشغل تفكير المرء».
لكن للكثير، من أين أتى الحمّص هي مسألة وطنية ومسألة هوية.
“حرب الحمص” الحالية بدأت بعام 2008 عندما قام لبنان باتهام إسرائيل بالتعدي على ما يؤمنون بأنه تراث، ومال لبناني.
رئيس نقابة الصناع اللبنانيين كان قد شعر بالغضب لأن الحمّص قد عُرف وسوُّق له بالغرب على أنه طبق إسرائيلي، وقد قاضى إسرائيل للتعدي على قوانين حقوق امتلاك الطعام.
وقد التمست لبنان من المملكة المتحدة بأن تعترف بالحمّص كطبق لبناني.
ولكن هذه الجهود باءت بالفشل.
من أين أتى الحمّص؟، هي مسألة وطنية ومسألة هوية:
الاحتلال الحضاري موضوع شيق في عالم الطعام (فقط اسأل شعبي البيرو وتشيلي كمثال من يمتلك البيسكو، وسترى)، لذلك جدال الحمّص يمكن أن يولّد محادثةً شيقةً.
ولكن على عكس ذلك، القصة بأكملها انتقلت إلى نسخة مطبخية من “حرب الرقص”: في عام 2009، قرر فادي عبود وزير السياحة اللبناني، أن الطريقة لحل هذه المشكلة مرةً وإلى الأبد هو بأن تعد لبنان طبقًا من الحمص كبيرًا لدرجة أن يدخل بها كتاب غينيس.
وتحقق الهدف المرجو بالفعل، سجل الرقم القياسي لطبق حمّص يزن حوالي 2000 كغ.
وردًا على ذلك قام جودت إبراهيم صاحب مطعم صغير للحمّص عربي إسرائيلي مشهور في قرية أبو غوش، شمال غربي القدس بصنع طبق حمّص مقدم على صحن دش قطره 6.5 م (حوالي 4000 كغ من الحمّص) ثم عاد اللبنانيون للساحة ب 10452 كغ من الحمّص (عدد الكيلومترات المربعة لمساحة لبنان) وحافظوا على اللقب منذ عام 2010.
قال روزنفيلد: «الجهود اللبنانية كانت ممتعةً، لكن لا يمكن أن تؤخذ على محمل الجدية. الحمّص طعام شرق أوسطي يدعي الجميع أنه له ولكن لا أحد يستطيع امتلاكه».
أغلب الأشخاص الذين يتكلمون عن حرب الحمّص لديهم نفس وجهة نظر روزنفيلد الدبلوماسية.
لكن تشارلز بيري، عالم تاريخ الطعام الأميركي ورئيس علماء تاريخ الطبخ في غرب كاليفورنيا والخبير في الطعام العربي الشرق أوسطي، يعطي لبنان بعض الأحقية.
الحمّص طعام شرق أوسطي يدعي الجميع أنه له ولكن لا أحد يستطيع امتلاكه:
يقول بيري: «أنا أميل لآخذ ادعاء اللبنانيين نوعًا ما بجدية.
بيروت ستكون خياري الثاني للإجابة عن سؤال من اخترع الحمّص.
لقد برزت كمدينة مثيرة للاهتمام في فترة العصور الوسطى، واحدة من المدن التي لديها تراث مطبخي حيوي، ووفرة في الليمون».
لكنه يعتقد أن المرشح الأقوى هم أهالي دمشق، سورية.
قد شرح بأن الطريقة التقليدية لتقديم الحمّص بأغلب الشرق الأوسط تكون بزبدية من الفخار الأحمر بحافة مرتفعة.
يُخفق الحمص جيدًا بمدقة حتى يصبح لامعًا على الحافة.
هذه الطريقة لا تجعل الحمّص ملائمًا حتى يغمّس بالخبز فقط، بل تؤكد كذلك أن للحمّص قوام مناسب، لا هو رخو جدًا ولا هو قاسي.
يقول بيري معلّلًا خياره: «تقنية تغميس الحمّص من على جدار الزبدية تشير إلى نتاج عربي معقد، فهو ليس طبقًا شعبيًا. أنا أظن أن الحمّص قد تم تطويره من أجل الحاكم التركي في دمشق».
«لا يمكن لأحد أن يعلم من اخترع الحمّص ومتى أو حتى أين، خاصةً إذا أخذنا بالحسبان أن شعوب الشرق الأوسط تستعير أطباق بعضها.
لكن أنا أنسبها لدمشق في القرن الثامن عشر لأنها كانت أكبر مدينة بطبقة حاكمة منمقة».
هناك نظرية مشهورة أخرى تقول أن الحمّص ليس بيهودي ولا لبناني أو حتى سوري، لكن مصري.
يقول عالم تاريخ الشرق الأوسط آري آريال، الذي يدّرس التاريخ والدراسات الدولية في جامعة لوا: «أقدم وصفة قد رأيتها للحمّص تحتوي الطحينة هي في كتاب طبخ مصري».
كتب الطبخ من القاهرة في القرن الثالث عشر تصف طبقًا مكونًا من حبوب الحمص الباردة المهروسة، الخل، مخلل الليمون، والأعشاب والبهارات.
كثيرون يقولون أنه الحمص ذاته الذي نستمتع به اليوم.
لكن هل من العدل أن نعد هذه الوصفات هي نفسها الحمّص بطحينة الحالي حين أنه لا يوجد بها أي طحينة؟ أو ثوم؟ يقول بيري: «الأمر الذي يجب عليك أن تعرفه عن كتب الطبخ هو أنها تصف الأطباق الدارجة وهذه الأطباق في النهاية تصبح غير دارجة، لذلك الطبق الحديث الذي يشابه بشكل من الأشكال طبقًا قديمًا من الممكن ألا يكون بينهما ترابط تاريخي».
تابع كرد على النظرية المصرية: «تاريخيًا، مصر كانت غالبًا هي التي تتبنى الأطباق السورية وليس العكس».
عند عكرماوي، جلست على طاولة جماعية حيث قابلت نوام ياتسيف، دليل سياحي من المدينة الساحلية حيفا، الذي يأخذ الحمّص بكامل الجدية.
قال لي بأنه يأكل الحمص خمس مرات بالأسبوع ولديه كلب اسمه حمّص، وأن الحمّص قد أتى من سورية، لبنان، فلسطين. سألته: «جميعهم؟» استهجن ياتسيف.
وأخبرني أنه ليس من المهم من أين أتى الحمّص، الشيء المهم بالفعل هو الطريقة التي اختير فيها وتم بيعه تجاريًا بعلب بلاستيكية.
قال وهو يقضم قطعةً من خبز البيتا: «هذا ليس حمصًا! يجب أن توضع علامة على ذلك الحمّص كما يوجد على القريدس الحلال».
يجب أن يكتب عليه (حمص مزيّف) يجب أن يكون هناك قانون دولي.
أغلب العالم الذين تحدثت معهم لم يتفقوا على مكان واحد قد أتى منه الحمّص، أو حتى على درجة أهمية هذا الشيء.
قال كابالو أن أهم سؤال هو من يصنعه بشكل أفضل؟ وأضاف باسطًا ذراعيه: «ها أنت تنظر إلى الحمص الأفضل».
ولكن النقطة التي اتفق عليها جميع الذين قابلتهم خلال سفري والذين يعدون الحمص مصدرًا للعيش، من طهراوي إلى العائلة المارونية التي تدير مطعم أبو جورج للحمّص في المدينة القديمة في عكا Ha Hummus Shel T’china في حي ناشلاوت، الذين يقدمون كل ليلة بقايا الحمص للمشردين، كانت نتيجةً لسؤال مختلف تمامًا، فكلما سألت: «ما هو المكون السري لديك؟» يجيب الأغلبية: «الحب».
- ترجمة: شهد نداف
- تدقيق: أحلام مرشد
- تحرير: حسام صفاء
- المصدر