قد سبق لك وأن شهدت عاصفةً رعديّة، أو على الأقل سمعت صوتها الهائل، ولكن هل سبق لك وأن شَممتها؟

نعم، يبدو السؤال عجيبًا، لكن بالفعل للبرق عِطرٌ مُميّز، وعلى خلاف شدّة لمعان الصاعقة التي تعمي العيون، وهزيم رعدها الذي يصُمّ الآذان؛ فإن لتلك الصاعقة شذىً أكثر جمالًا ورقّة، ولربمّا كنت قد اختبرت هذه الرائحة من قبل.

من الناحية العلميّة، كلّما يضرب البرق؛ يسخُن الهواء في الجو حتى (30) ألف درجة مئويّة، ونتيجة لهذا التوسّع المفاجئ للهواء يصدر هذا الصوت المهول الذي تسمعه على هيئة رعد، وبكل الأحوال، يمكن للتغيرات الكيميائيّة على (المقياس الجزيئي – molecular scale) أن تُبدّل الجو على مستوىً محلّي جدًا، تاركةً وراءها عبيرًا مميّزًا.

يتكوّن الهواء من (78%) نتروجين، ونسبة أكسجين تكاد تصل لـ (20%)، ولا يوجد أيٌّ منهما في الغلاف الجويّ بصيغته العنصريّة، وبدلًا من ذلك ترتبط كل ذرتين معًا مثل (N2) أو (O2).

عندما يسخن الهواء، تتفكك الروابط بينهما وتبدأ كلٌّ من ذرات الأكسجين والنتروجين العشوائيّة بالتنقّل، وما إن يبرد الهواء حتى تعود معظم الذرّات لتكوِّن أزواجًا مرّة أخرى، ولكن مع بعض التعديلات، إذ تتّحد بعض ذرّات O مع ذرّتي أوكسجين O2 لينتج الأوزون O3، ومن غير المُعتاد الحصول على أوزون بتراكيز عالية وبرائحة مميّزة، والتي يمكن ملاحظتها بعد أن يضرب البرق مباشرةً.

(رايان لونج – Ryan Long) شابٌ يبلغ من العمر 20 عامًا، كان قد اختبر هذا الأمر بنفسه في أكسفورد بولاية ألباما إذ قال: «كنت أعمل في مبنى قديم يقع على تلّة مقبرة، وفجأة ضرب البرق شرارةً بيضاء شديدة اللمعان بعيدًا لمئات الأمتار، وما إن رفعتُ يدي حتّى بدأت أشتم رائحة حرقٍ لشيء غير عضويّ، كرائحة البلاستيك أو الأسلاك».

قارن البعض الآخر من الناس تلك الرائحة برائحة الكلور أو مواد التنظيف، وبلا شك رائحة الشرارات الكهربائيّة أيضًا، وأشارت الاحتمالات إلى أنهم قد شموا رائحة الأوزون الناتج عن البرق من قبل، تلك الرائحة الواضحة والنقية التي تسبق المطر في فصل الربيع.

وحتى لو بالكاد ضرب البرق، فإن هناك كميّاتٍ ضئيلة متناثرة في الجو من الأوزون وثنائي أكسيد النتروجين الناتجين عن العاصفة، وعندما يهطل المطر بعدها بإمكانك أن تشمّها قبل أن تتسرب إلى الأرض.

يستطيع أنف الإنسان أن يُميّز الأوزون وبتراكيز تصل إلى عشرة أجزاء في البليون (ما مقداره ثلاث ملاعق صغيرة من الماء الذي يملأ حوض السباحة الأولمبي)، تستطيع أيضًا أن تشمّ الرائحة عند غسل الملابس، عندما تنتج الشرارات الساكنة الصغيرة بين الملابس الخارجة من آلة تجفيف الملابس كصواعق صغيرة، تُنتج كميّة من الأوزون تكفيك للحصول على نفحة من رائحتها.

لذا في المرة القادمة التي تشهد فيها عاصفة رعديّة وبرقًا، خذ نفسًا عميقًا، فقد تكون على موعدٍ مع تجربة رائحة البرق.


  • ترجمة: رامي الحرك
  • تدقيق وتحرير: تسنيم المنجّد
  • المصدر