كيف أصبحت الجزيئات كائنات حية؟

لقد تطورت جميع أشكال الحياة على الأرض من سلف مشترك، وهو جزيء نسخ أولي (initial replicator) أو نظام مكوّن من عدة جزيئات.

بمجرد أن يكون لديك جزيء ذاتي التكرار، فإنه يستمر في عمل نسخ من نفسه.

لأنه يمتلك الخصائص الجزيئية التي تجذب العناصر الأساسية في البيئة وتجمعها بروابط كيميائية بطريقة تؤدي في النهاية إلى بناء نسخة مطابقة للجزيء الأصلي.

قد تحدث بعض الأخطاء بين الحين والآخر أثناء عملية النسخ تؤدي إلى تكوين أنواع جزيئات جديدة.

ولكن العديد من هذه الجزيئات يفتقر إلى خاصية التكرار الذاتي، لأنك إذا قمت بإجراء تغييرات صغيرة على شيء معقد، فمن الأرجح إن ذلك سيحطمه بدلًا من أن يحسنه.

ومع ذلك، تؤدي أخطاء النسخ هذه في بعض الأحيان إلى زيادة ثبات الجزيء أو معدل نسخه لنفسه.

وعندما يحدث ذلك، سينتشر الشكل الجديد بسرعة أكبر ويصبح التغيير سائدًا في الأجيال القادمة المتماثلة من النسخ.

التطور عملية تراكمية، ما يعني أن الأجيال الجديدة لا يجب أن تبدأ العملية من الصفر.

بدلًا من ذلك فإنها تستفيد من العمل الضمني الذي قام به الانتقاء الطبيعي في الماضي.

إن هذا المبدأ الخاص بالتغير التدريجي المتراكم عبر الأجيال قوي بشكل ملحوظ.

إنه بشكل رئيسي أساس كل التنوع الذي نراه في العالم الطبيعي اليوم.

كانت النسخ المتماثلة بسيطةً وكان تكرارها بسيطًا في البداية.

ولكن مع مرور الوقت تطورت طرق أكثر تعقيدًا للنسخ الذاتي.

على سبيل المثال، بدلًا من انتظار أن تأتي العناصر البنائية الصحيحة لها، ستطور الكائنات الحية الأولى طرقًا للحركة وزيادة فرصها في العثور على العناصر الغذائية، أيضًا سيطورون أغشيةً واقيةً لزيادة ثباتهم الداخلي، وبعض الكائنات الحية المفترسة ستبدأ في تفكيك الكائنات الحية الأخرى من أجل استخدام مواردها لأنفسها.

إن الحدود بين الكيمياء والبيولوجيا، أو بين الحياة وعدم حياة غامضة حتى الآن.

حيث أنه عندما تصبح الجزيئات ذاتية التكرار (كائنات غير حية بالمسمى التقليدي) أكثر تعقيدًا وأسرع في نسخ نفسها وتكييفها بشكل أفضل لتبقى مستقرةً في بيئتها، فإنها تبدأ في تحقيق المزيد والمزيد من الخصائص التي يربطها البيولوجيون بالكائنات الحية.

لكن الطريقة التي يربط بها علماء الأحياء صفات معينة بالكائنات الحية هو مجرد اتفاقية، أو طريقة ملائمة لتصنيف الأشياء المتشابهة إلى فئة عقلية.

ببساطة، يحدث هذا التصنيف في أذهاننا فقط، وليس في العالم الحقيقي نفسه.

في العالم توجد أشياء فقط، جسيمات مرتبطة معًا وتتحرك بطرق معينة.

على الرغم من أن السؤال “ما هي الحياة؟” قد يبدو مثيرًا للاهتمام، إلا أنه في الواقع سؤال ممل للغاية عن التعريفات.

يمكننا أن نقرر بشكل تعسفي معايير محددة لما يمكن وصفه بالحياة من أجل الدقة

يمكننا إذا أردنا رسم خط فاصل بين الحياة وعدم الحياة، لكننا لن نتعلم بذلك أي شيء جديد.

سنقوم فقط بتوضيح مفرداتنا.

إذا لم يوافق أي شخص على التصنيف الناتج من هذه المحاولات، فإن خلافنا سيكون مجرد خلاف لفظي.

من أين أتى أول جزيء نسخ أولي؟

تحدث عملية التطور فقط بعدما يكون هناك جزيء نسخ أولي بالفعل.

ويتشكل الجزيء هنا تلقائيًا من خلال عمليات فيزيائية.

هذا التشكل الذي لا يزال إلى حد ما لغزًا علميًا يسمى التولد الإحيائي “abiogenesis”.

بما أن الحمض النووي جزيء ضخم جدًا ومن غير المحتمل أن يكون قد تشكل عن طريق الصدفة، يظن العلماء أن الحمض النووي تطور من جزيئات أصغر، على الأرجح من الحمض النووي الريبي(RNA).

لكن هذا فقط يؤجل السؤال.

من أين أتت أول نسخة متكاثرة تلقائيًا من الحمض النووي الريبي؟

يفترض بعض العلماء أن بلورات الطين كانت بمثابة قوالب في الدورات الأولى من النسخ المتماثل، ولكن هذا لا يزال ضمن إطار التكهنات.

وبرغم كون الحمض النووي الريبيRNA أقل تعقيدًا من الحمض النووي الريبوزيDNA، إلا أن التكوين التلقائي بالصدفة من العناصر الأبسط هو أمر بعيد الاحتمال.

على الرغم من أنه من المستبعد جدًا حدوث هذا التكوين الأولي بالصدفة، إلا أنه لا يعني ضمنًا أن هناك حاجةً إلى معجزة.

نحن نجد أنفسنا في وضع خاص جدًا عند دراسة احتمالات نشأة الحياة على الأرض، نظرًا لأننا كمراقبين أحياء، قد تطورنا هنا.

إذا لم يكن قد تشكل أي جزيء نسخ أولي على الأرض منذ زمن بعيد، لما كنا هنا الآن بالأصل لنفكر في هذه المسألة.

ويعرف تأثير اختيار المراقبين هذا “بالمبدأ الأنثروبي”: فالمراقبون لا يجدون أنفسهم إلا على كواكب تطورت الحياة فيها.

إذا لم يكن هناك سوى كوكب واحد في الكون كله عليه حياة، فإن كوكبًا واحدًا فقط في كل المئات من المجرات (التي تحتوي كل منها على عشرات المليارات من النجوم التي تدور حولها الكواكب)، فإننا بطبيعة الحال كمراقبين سنجد أنفسنا على هذا الكوكب.

إذًا ليست هناك مشكلة في كون حدوث عملية التولد الأحيائي على أي كوكب معين بصورة عشوائية أمرًا مستبعدًا.

فنحن متفقون أن الأرض بعيدة عن اختيارها عشوائيًا، لأنه لا يمكن ملاحظتها واختيارها إلا بعد فوز اليانصيب بالفعل.

تبسيطًا لآخر فقرة، نحن جميعًا متفقون أن نشأة الحياة بغتة من العدم، عن طريق تكوين جزيء النسخ الأولي، ثم تكوين الحمض النووي الريبيRNA، وانتهاءً بالحمض النووي الريبوزي منقوص الأكسجين (DNA)، هو أمر مستبعد واحتمالاته واهية للغاية.

ولكن داوكينز يشرح أن ندرة هذا الاحتمال، لا يجعلنا بالضرورة مضطرين إلى القيام بقفزة فكرية والإيمان بنظريات أخرى غير علمية قبل التأكد من انتفاء هذا الاحتمال.

بل أننا كمراقبين لا نجد أنفسنا إلا على الكوكب سعيد الحظ الذي توافرت عليه عوامل قيام الحياة، وحدثت فيه الصدفة التي أدت إلى تكوين أول حمض نووي.


  • ترجمة: أحمد حسين إبراهيم.
  • تدقيق: أحلام مرشد.
  • تحرير: سهى يازجي.
  • المصدر