قد تتعدى مقولة الإغريق القدامى «اعرف نفسك» بُعدها الفسلفي لتشمل معرفة تركيبة أجسادنا، فلطالما تعجّبنا من كيفية تجعّد أصابع الأيدي والأقدام عند الاستحمام، والزائدة المتدلية في خلفية الحلق، وسمعنا عن استئصال الزائدة الدودية أو قد خضع البعض له، فقيل لنا أن ذلك عادي لأنها عديمة الفائدة.

في الحقيقة تعدّ أجسادنا مذهلة، ورغم أننا لسنا بحاجة إلى بعض ميزاتها بعد الآن، إلا أن قلة قليلة منها فقط تعتبر دون فائدة على الإطلاق، وتدل الأجزاء التي لم نعد بحاجتها على أننا قد تطورنا ولا زلنا نتطوّر حتى اليوم، ونذكر من الأجزاء التي بدت عديمة الفائدة:

الزائدة الدودية (appendix):

كان من المعتقد أن هذه البنية الغريبة الملتصقة بالقولون ليس لديها أي وظيفة تُذكر سوى أنها قد تلتهب أحيانًا، ولكن تبيّن في الحقيقة أنها ليست مجرد أثر تطوري لا وظيفي، فقد اكتشفت أبحاث حديثة عليها أنها تلعب دورًا أساسيًا في جهاز المناعة من خلال تخزين الجراثيم النافعة التي تساعد في مقاومة العدوى!

الفتحة الأذنية الزائدة:

إذا أمعنت النظر في أذنيك، قد تلاحظ وجود فتحة إضافية صغيرة في مكان اتصال الأذن (أو حتار الأذن الخارجي) بجانب الرأس، وتسمى هذه الفتحة بالجيب أمام صيوان الأذن (preauricular sinus)، وتوجد لدى نسبة محدودة من الأشخاص.

وتعتبر في الحقيقة عيبًا خَلقيًا نادرًا تم تحديده لأول مرة من قبل فان هويزينغر (Van Heusinger) عام 1864، ومع أننا لا نعلم تمامًا سبب وجودها، فقد افترض اختصاصي البيولوجيا التطورية نيل شوبن (Neil Shubin)، من جامعة شيكاغو والمتحف الميداني للتاريخ الطبيعي، أنها البقايا التطورية لغلاصم الأسماك.

الأصابع المتجعدة:

إذا أمضيت وقتًا طويلًا في بركة السباحة، ستلاحظ تجعّد أصابعك ليصبح شكلها أشبه بالزبيب، وقد لا يكون ذلك بلا جدوى، إذ أشارت دراسة منشورة في دورية (Biology Letters) عام 2013 إمكانية التحكم بالأجسام تحت الماء ببراعة أكبر بواسطة الأصابع المتجعدة، مقارنة بغير المتجعدة، ما يقترح وجود هذه الميزة لتحسين قدرتنا على المشي والتعامل مع الأشياء ضمن الأوساط الرطبة.

الحمض النووي (DNA) عديم الجدوى (Junk DNA):

نمتلك في أجسامنا الكثير من الحمض النووي (DNA) الذي لم يبدُ -حتى وقت قريب- بأنه يقوم بأي وظيفة حقًا، فهو لا يصنّع البروتينات، وقد يتسبب بجعلنا أكثر عرضة للأذى والمرض، ولكنه يشكل قسمًا كبيرًا من الجينوم، فإذا لم يكن مفيدًا بطريقة ما، كان من المفترض أن ينسحب تدريجيًا أثناء التطور، ولكن ذلك لم يحدث.

ومن المحتمل أن تكون وظيفته قد اكتُشفت مؤخرًا، إذ تبين أنه ضروري لتماسك الجينوم، فيضمن تحزّم الصبيغيات (الكروموزومات) بالشكل الصحيح ضمن نوى الخلايا، وبدون هذه الوظيفة تموت الخلايا، فيبدو أن هذا الـ(DNA) لم يكن عديم الجدوى في النهاية.

الخلايا المناعية عديمة الفائدة:

توجد في أجسامنا خلايا مناعية لم يستطع أحد معرفة سبب وجودها، وقد شكلت هذه الخلايا اللمفاوية الصامتة مصدرًا للحيرة، لكونها تتواجد بأعداد كبيرة، وتوَضَّح أنها تظهر فقط لتهاجم الجسم في الأمراض المناعية الذاتية، فقد تبدو بذلك كعبء على الجسم، أليس كذلك؟

كلا، إذ تبين أن تقدم نمطًا جديدًا من المناعة لم نكن نعرفه سابقًا، فهي تهاجم العداوى الخطيرة التي تتمكن -لولاها- من تفادي الجهاز المناعي بتمويه ذاتها كجزء طبيعي من الجسم، أي أن هذه الخلايا تشكل خطًا دفاعيًا مفيدًا.

الجراثيم الحشوية (Gut bacteria):

هناك سبب لاقتراح الباحثين بأن نبدأ بالدلالة لأنفسنا بصيغة الجمع المَلكية، ففي السنوات الأخيرة، أظهرت دراسات أن الكائنات الدقيقة التي تعيش داخل أجسامنا، وخصوصًا في الأمعاء، متعايشة معنا، وتمتلك تأثيرًا أكبر على حيواتنا مما نعرفه.
فتبين أنها تلعب دورًا بأمراض كالتصلب العصيدي، وداء باركنسون، والسرطان، ومتلازمة التعب المزمن، ما يعني أنها قد تكون مهمة بحق، كما أنها تساهم في تنظيم أشياء أخرى، كالشهية والمزاج.

النسيج الخلالي (Interstitium):

لقد تبين أننا قد نتملك عضوًا محيطًا بأعضائنا الأخرى، وكان مختبئًا عن العين المجردة طوال هذا الوقت، ويسمى هذا العضو المصنَّف الجديد بالنسيج الخلالي، واعتقد العلماء سابقًا بأنه نسيج غير جدير بالملاحظة إلى حدّ ما، وصلب نسبيًا، يملأ الفراغ بين الأعضاء ببساطة.

ولكنه في الحقيقة يمتلئ بالسوائل، ويتم دعمه بواسطة شبكة من الكولاجين، ويساعد في حماية الأعضاء من الصدمات الخارجية بينما نتحرك، أي أنه يعمل كوسائد هوائية ضمن أحذية الركض.

الجزء الوردي في العين:

إذا نظرت في المرآة، ستلاحظ جزءًا ورديًا صغيرًا من نسيج الملتحمة في زاوية عينك، يسمى بالثنية الهلالية (plica semilunaris)، وتتلخص وظيفتها الأساسية في الوقت الحالي بالمساهمة في تصريف الدمع وحركة العين.

ولكنها كانت في أحد الأيام غشاءً رماشًا (nictitating membrane)، أو ما ندعوه بالجفن الثالث، وهو جفن شفاف ينسدل فوق العين لإبقائها رطبة ومحمية أثناء استغراق النظر لفترة محددة.

إذا كان لديك قطة أو كلب، لربما لاحظت الجفن الثالث لديهما أثناء نومهما، ولكن البشر ومعظم الرئيسيات الأخرى لم تعد تحتاج لهذه الميزة، فتطورت لتتلاشى منذ زمن طويل، ولكننا ما زلنا نحتفظ بكتلة باقية من هذا النسيج.

وفي عام 2017، أبلغ أطباء عن الحالة المعروفة الثانية لامتلاك إنسان للغشاء الرماش، كانت فتاة في التاسعة من عمرها، إذ امتلكت غشاءً مستمرًا غير قابل للتراجع على طول عينها اليسرى، وقد تمت إزالته جراحيًا، وكانت تلك العين تحته سليمة.


  • ترجمة: سارة وقاف
  • تدقيق: دانه أبو فرحة
  • تحرير: ندى ياغي
  • المصدر