يمكن لتجاربنا الحياتية أن تنتقل إلى أبنائنا وأحفادنا، وتبين للعلماء أنه من الممكن تفعيل أو إيقاف ذلك.

يدرس علم التخلق التغيرات الموروثة في التعبير الجيني، دون أن تكون متأصلة في الحمض الريبوزي (DNA) خاصتنا، بمعنى أنه يمكن لأطفالنا أن يرثوا تجاربنا الحياتية، والتي لا يتم الترميز لها في الحمض الريبوزي (DNA) البشري بشكل مباشر، فقد أشارت دراسات بأن الناجين من الحوادث والصدمات قد يخلّفون آثارًا في الأجيال اللاحقة.

ويكمُن السؤال بالطبع في كيفية توريث تلك الذكريات الجينية؟

وهو ما حاول باحثون الإجابة عنه عندما أبلغوا عن اكتشافهم لآلية تتيح التحكم في تفعيل انتقال التأثيرات البيئية، فحسب دراستهم، تتبع الاستجابات التخليقية الموروثة عملية فعالة أثناء انتقالها عبر الأجيال، وليس كما افتُرض سابقًا بأنها تتراجع بشكل غير فاعل.

إذ انشغل العلماء لعدة سنوات سابقة بكيفية انتقال تأثيرات القلق، والتعرضات البيئية الأخرى من جيل لآخر، وتعتبر قطع الحمض (RNA) الصغيرة – وهي تسلسلات قصيرة من الـ(RNA) تنظم التعبير الجيني – عوامل رئيسية تتوسط هذا النوع من الوراثة.

فقد تبين مسبقًا وراثة ديدان مدروسة لقطع صغيرة من الحمض (RNA) بعد تعرض آبائها لمجاعة أو إصابات فيروسية، وقد ساعدت قطع الحمض (RNA) هذه في استعداد النسل لمواجهة حالات معاناة مشابهة.

كما تم تحديد آلية تضخم قطع الحمض (RNA) الصغيرة الموروثة عبر الأجيال، حتى لا تضعف الاستجابة، فتبين أن إنزيمات (RNA) بوليميراز المعتمدة على الحمض (RNA)، أو اختصارًا (RdRP) ضرورية لإعادة تصنيع قطع الحمض (RNA) الصغيرة للمحافظة على الاستجابة في الأجيال اللاحقة.

وقد وُجد أن معظم الاستجابات التخلقية القابلة للتوريث لدى ديدان الربداء الرشيقة (C.elegans) قد استمرت لبضعة أجيال فقط، وهو ما ولّد اعتقادًا بأن التأثيرات التخلقية تتلاشى ببساطة مع الزمن.

ولكن تجاهل هذا الاعتقاد احتمالية خضوع هذه العملية للتنظيم عوضًا عن التلاشي، فبتجربة عالجت الديدان المذكورة بقطع حمض (RNA) صغيرة استهدفت البروتين التألقي الأخضر (GFP) – وهو جينة مُخبرة تُستخدم عادة في التجارب البيولوجية – وأصمتت التعبير عنه، ظهرت آلية وراثية فعالة يمكن ضبطها، أي تفعليها وإطفاؤها.

ومن خلال ما سبق، تمكن الباحثون من تحديد جينات معينة، سمّوها الحرائك التخلقية المعدلة المنتقلة عبر الأجيال، أو اختصارًا (MOTEK)، وهي متورطة في تفعيل الانتقال التخلقي وإيقافه، وتعتمد هذه الآلية على التفاعلات الارتجاعية بين قطع الحمض (RNA) الموروثة وجينات (MOTEK) الضرورية لصناعة وانتقال الحمض (RNA) عبر كل جيل.

أجريت الدراسة الحالية على الديدان، ولكنها ستساهم في معرفة مبادئ عملية انتقال المعلومات التخلقية في بناء نظرية وراثية مفهومة أكثر، وخصوصًا لدى البشر.