كان سطح المريخ موضوع اهتمام العديدين عبر القرون.

ومنذ أن أعلن جيوفاني شياباريلي (Giovanni Schiaparelli) لأول مرة اكتشافه لبعض القنوات على سطح المريخ، ما يزال الكوكب الأحمر مصدرًا للعديد من التكهّنات والتخمينات.

وحتى اليوم وبالرغم من دقة ووضوح الصور التي ترسلها المستكشفات الآلية من سطح الكوكب مباشرة فإن تلك الصور يرى فيها البعض صورًا لأشكال مألوفة فيما يعرف بالـ “باريدوليا”.

أقوى مثال لتلك الظاهرة كان من نصيب منطقة سيدونيا.

تُعرف تلك المنطقة الواقعة في النصف الشمالي من الكوكب بتشكيلات سطحها المميزة.

وربما أهم تلك الأشكال ما يُعرف بـ “وجه المريخ”، والذي جذب فضول كثير من العلماء والعامة على حد سواء.

الموقع:

تقع المنطقة المسمّاة سيدونيا في النصف الشمالي للمريخ، يحدّها من الجنوب المنطقة ذات فوهات التصادم الكثيرة والمعروفة باسم مرتفعات أرض العرب (Arabia Terra highlands) ومن الشمال منطقة سهل أسيداليا (Acidalia Planitia) وهي منطقة ناعمة منبسطة.

تضم سيدونيا مناطق مختلفة منها سيدونيا مينسي (Cydonia Mensae) التي تشتهر بوجود ما يشبه الهضاب بقممها المسطحة، ومنطقة سيدونيا كولز (Cydonia Colles) التي تشتهر بالتلال والجبال الصغيرة، ومنطقة سيدونيا لابيرينسوث (Cydonia Labyrinthus) المعروفة بوديانها المتقاطعة.

بسبب موقعها الجغرافي، ربما كانت سيدونيا يومًا ما منطقة سهول ساحلية.

ويظن العلماء أن نصف الكرة الشمالي للمريخ كان مغطّى بالمياه منذ مليارات السنين.

تعود تسمية سيدونيا، مثل العديد من العلامات المميزة للمريخ، إلى الكلاسيكيات الأثرية.

وفي هذه الحالة اسم سيدونيا مستوحى من مدينة كيدونيا التاريخية في جزيرة كريت.

الاستكشاف:

تم تصوير سيدونيا بواسطة المركبتين فايكينج 1 و 2.

جمعت المركبتان معًا ثماني عشرة صورة للمنطقة، كانت كلها ذات دقة منخفضة.

خمس صور منها فقط يمكن الاعتماد عليها في دراسة سمات سطح المريخ.

ونظرًا لسوء جودة الصور، بدت واحدة محددة من الهضاب الصغيرة وكأنها تشبه وجهًا بشريًّا.

استغرق الأمر عشرين عامًا قبل أن تقوم مركبة فضائية أخرى بتصوير المنطقة أثناء دراسة الكوكب.

تضمّنت بعثات الاستكشاف المهمات التالية: ماسح المريخ العالمي (Mars Global Surveyor) التابع لناسا والذي دار حول المريخ منذ عام 1997 وحتى عام 2006، مهمة “مسبار المريخ الاستطلاعي” (Mars Reconnaissance Orbiter) التابع لناسا والذي يدور حول المريخ منذ عام 2006 وحتى الآن، وكذلك مهمة مسبار المريخ السريع (Mars Express probe) التابع لوكالة الفضاء الأوروبية والذي يدور حول المريخ منذ عام 2003.

وفّرت كل من تلك المهمات العديد من الصور عالية الجودة والتي تدحض فكرة أن يكون معلم “وجه المريخ” مصطنعًا.

بعد مراجعة الصور الواردة من مهمة ماسح المريخ العالمي أعلنت ناسا: “كشف تحليل دقيق لصور متعددة لذلك المعلم أنه مجرّد تل مريخي معتاد، ولكن عند النظر بزاوية محددة وعند زاوية إضاءة محددة يبدو لنا بصورة مخادعة كوجه بشري”.

جزء من منطقة سيدونيا، مصورة بواسطة المركبة فايكينج 1 ونشرت في 25 يوليو 1976

علامات مميزة:

كما أشرنا من قبل، يُعدّ “وجه المريخ” أبرز علامات سيدونيا وأكثرها شهرة.

تلك الهضبة الصغيرة بطول 2 كيلومتر، والتي صوّرتها المركبة فايكينج 1 في 25 يوليو 1976، وبدت في البداية كوجه بشري.

في وقتها اعتبر فريق ناسا العلمي أنها مجرد خدعة من الضوء والظلال، ولكن صورة التُقطت بعد خمسة وثلاثين دورة حول الكوكب من زاوية مختلفة أكّدت وجود هذا الوجه.

اكتشف مهندسا الكومبيوتر فنسنت دي بيترو (Vincent DiPietro) وجريجوري مولنار (Gregory Molenaar)، العاملان في مركز جودارد للسفر الفضائي التابع لناسا، تلك الصورة كل منهما بشكل منفصل أثناء بحثهما في أرشيف ناسا.

ومنذ عام 1982 وحتى الآن أدت تلك الصور لانتشار التخمينات حول ما قد تسبب في هذا الوجه، وهو ما زاد الاهتمام بحضارة قديمة محتملة على المريخ.

كما لاحظ دي بيترو ومولنار كذلك بعض الجبال القريبة من الوجه لها قمم ذات زوايا سمّوها بالأهرامات.

أحد تلك الأهرامات كان جبلًا على بعد 500 متر في الجنوب الغربي من الوجه، وكان له شكل هندسي.

وهو ما جعل ريتشارد هوجلاند (Richard Hoagland)، أحد المشهورين بوضع نظريات المؤامرة، يسمّي ذلك الشكل “هرم دي و إم” تكريمًا لـ (دي بيترو ومولنار).

وأخيرًا وليس آخرًا، هناك المنطقة الواقعة شمال “الوجه” والتي يطلق عليها “المدينة”، لوجود الكثير من العلامات والآثار فيها، تمثّلت في مجموعة من “الأهرامات” المرتبة على شكل دائري حول أحجار أصغر أطلق عليها اسم “مركز المدينة”.

صورة تركيبية من مجموعة صور التقطتها المركبة فايكينج، تظهر العديد من العلامات المميزة لسيدونيا وعليها أسماؤها الشهيرة غير الرسمية

أظهرت الصور الأحدث التي وفّرتها المهمات التالية كل تلك العلامات والآثار بصورة عالية الدقة، مظهرة أنها مجرد علامات طبيعية ولا وجود لأي أثر بناء أو تلاعب.

ولكن على كل حال، وضّح علماء النفس أن الميل لأن نرى أشكالًا مألوفة لنا هو حالة تسمى باريدوليا.

عمومًا، لم تكن تلك آخر مرة تحدث فيها تلك الحالة مع علامات مريخية.

كما أن للجنس البشري تاريخًا طويلًا في رؤية أشكال وتسلسلات في نظامنا الشمسي والكون ككل.

فهناك “رجل على القمر” وسديم “الفراشة”، و”ميكي ماوس” على كوكب عطارد.

أما بالنسبة لمنطقة سيدونيا، ربما تتجه بعض المهمات على سطح المريخ لاستكشافها بصورة أفضل.

ولكن سيكون هدف المهمة هو فهم أفضل لماضي المنطقة ومعرفة إن كانت بالفعل منطقة ساحلية قديمة.

لن يكون هناك أي بحث عن علامات لوجود أي حضارة مريخية مفقودة.


  • ترجمة: جورج فام
  • تدقيق: رزان حميدة
  • تحرير: يمام اليوسف
  • المصدر