متلازمة المبيض متعدد الكيسات «PCOS» شائعة حول العالم وتعتبر السبب الرئيسي للعقم عند النساء، وبالرغم من عدد الأبحاث والتخمينات حولها لكن لم يُعرف بعد كيف تبدأ هذه المتلازمة، ولكن قد أُحرِز مؤخرًا تقدمٌ مثيرٌ فيما يخص هذه الحالة.

وقد كانت جميع الأبحاث لسنين عديدة مبنية على أساس أن هذه المتلازمة تبدأ في المبيضين، لكن هناك بحث حديث قدَّم أدلة تقترح أن المتلازمة تبدأ في الدماغ.

وقامت دراسة جديدة بإحداث توازنٍ بين الفرضيتين مُقترحةً أن مسار هذه المتلازمة قد يكون مُعدًّا حتى قبل ولادة الأنثى.

كما توصَّل فريق من الباحثين في جامعة ليل الفرنسية إلى عددٍ من النتائج المحيرة، إذ اقترحوا أن متلازمة المبيض متعدد الكيسات تبدأ بالتطور عندما تتفاعل الهرمونات التي يُنتجها المبيضان مع مجموعة من الخلايا العصبية في دماغ الأم.

ويمكن لهذا التفاعل أن يُطلِق شرارة البدء لسلسلة من التأثيرات المتعاقبة، بدءًا من تعطيل إنزيماتٍ في المشيمة وانتهاءً بالتسبب بأعراض المبيض متعدد الكيسات عند الأجنة الإناث، ونظرًا لأن هذه المتلازمة تميل لأن تكون موروثة في العائلات، فإن هذا التفسير يُعدّ منطقيًا جدًا.

متلازمة المبيض متعدد الكيسات هي مجموعة من الأعراض تتعلق بتوازن الهرمونات والتي ليس لها تعريف عالمي حتى الآن. ويمكن أن تُعاني النساء المصابات بهذه المتلازمة من الأعراض التالية: زيادة في الوزن، كيسات مبيضية كبيرة، صعوبة في الإباضة، حب شباب، ظهور الشعر في الوجه، اكتئاب، آلام وعدم انتظام الدورة الشهرية.

وبعد تشخيص المرأة بالمتلازمة -وقد يستغرق الأمر سنوات لتأكيد التشخيص- فإن خيارات العلاج تكون محدودة للغاية ومن ضمنها المعالجة الهرمونية على أمل التخفيف من الأعراض. وحتى مع وجود العلاج، فإن هذه المتلازمة قد تؤدي على المدى الطويل إلى شذوذاتٍ استقلابية كمرض السكري من النمط الثاني، أمراض القلب والأوعية الدموية، وحتى العقم.

لكن بإمكان النتائج التي توصلت لها الدراسة الجديدة أن تُغيِّر طريقة النظر إلى هذه الحالة، والتي تُصيب واحدة من كل 10 إناث حول العالم.

وركَّزت الأبحاث الأخيرة على هرمون (AMH – Anti mullerian hormone)، وهو هرمون يُنتَج من جُريباتٍ تتوَّضع خارج المبيض.

وكشف البحث السابق أن بإمكان هرمون «AMH» أن يتفاعل مع الخلايا العصبية في الدماغ  ما يُحفِّز بدوره الغدة النخامية على إفراز الهرمون المُلوتن «LH» -وهو نفس الهرمون الذي يرتفع مستواه في أوقات محددة من الشهر ليُحفِّز بدء الإباضة-. ولدى النساء المصابات بمتلازمة المبيض متعدد الكيسات مستويات عالية وثابتة من الهرمون المُلوتن «LH»، ما يثبط الإباضة ويزيد إفراز هرمون التستوستيرون، وهاتان العلامتان تُنبهان إلى وجود المتلازمة.

وللبحث أكثر في دور هرمون «AMH»، حلَّل الباحثون عينات دموية لدى أربع مجموعات من النساء في الثلث الثاني من حملهن، وشملت هذه المجموعات نساءً بدينات وغير بدينات، ونساءً مصابات بالمتلازمة وأُخَرُ غير مصابات.

وكان ما وجده الفريق مثيرًا للدهشة، إذ كانت مستويات هرمون «AMH» عند النساء غير البدينات والمصابات بالمتلازمة أعلى بحوالي ضعفين إلى ثلاثة أضعاف من بقية المجموعات.

وللاستقصاء بسهولة أكبر حول تأثير ارتفاع مستوى الهرمونات على الأجنة الإناث، قام الباحثون باختبارٍ على الفئران، حيث حقنوا فأرة حاملًا بهرمون «AMH» وذلك لمحاكاة خلل توازن الهرمونات الذي وجدوه عند النساء المصابات بالمتلازمة.

وكما كان متوقعًا، فقد تطور لدى الجيل التالي من الفئران الإناث أعراض مشابهة جدًا لأعراض المتلازمة كارتفاع مستويات هرمون التستوستيرون واضطرابات في الإباضة.

ما السبب وراء كل ما يحصل؟

يعتقد الفريق أن ارتفاع مستوى هرمون «AMH» قد يثبط إنزيمًا في المشيمة يدعى (الأروماتاز- Aromatase)، وهذا الإنزيم يعمل على تحويل التستوستيرون إلى إستروجين. وإن لم يحدث هذا التحويل بالكفاءة المطلوبة، فسيتعرض الجنين داخل الرحم لكمية أعلى من الطبيعية من التستوستيرون والذي سيؤدي بدوره لتغيرات هرمونية في المستقبل.

وبالرغم من أن الفرضية تبدو قوية، لكن الباحثين بحاجة للاستمرار بالعمل والبحث للتأكد فيما إذا كانت هذه الملاحظات عند الفئران تنطبق على النساء أيضًا.

وقال (جيفري تشانغ- Jeffrey Chang)، أخصائي علم الغدد التناسلي بجامعة كاليفورنيا في سان دييغو، لمجلة «science»: «لا نعلم فيما إذا كانت هذه الأشياء تحدث عند البشر».

ويعد الاختلاف الرئيسي في حالتنا هذه بين النموذجين الحيواني والبشري هو أن المشيمة عند الإنسان تحوي إنزيم الأروماتاز بكمية أكبر بكثير، ومعنى هذا الاختلاف أنه قد يكون من الصعب على هرمون التستوستيرون عند البشر التغلب على الفعالية الإنزيمية.

ومع ذلك فإن أغلب الباحثين يتفقون على أن مستويات التستوستيرون -والتي تتأثر مباشرة بهرمون «AMH»- تلعب الدور الرئيسي في تطور متلازمة المبيض المتعدد الكيسات.

وقد علقت (سو موينتر- Sue Moenter)، عالمة وظائف الأعضاء في جامعة ميتشيغان للعلوم: «تقترح الدراسة أن الهرمونات مثل التستوستيرون تُمَّهد الطريق لظهور المتلازمة عند الأجنة، وأرى هذه الدراسة بمثابة لبنةٍ أخرى تُضاف للجدار».

ويُخطِّط الباحثون الآن للبحث في كيفية تأثر النسل في حال تنظيم هرمونات مثل التستوستيرون أثناء الحمل.


  • ترجمة: عمر إسماعيل
  • تدقيق: هبة فارس
  • تحرير: زيد أبو الرب

المصدر