أظهرت اكتشافات جديدة لأدوات حجرية أن الهومينين -أقرباء أسلافنا- كانوا في جنوب شرق آسيا قبل مئات الآلاف من السنين مما كنا نعتقد.

وجد علماء الآثار في الفلبين 57 أداة حجرية، وهيكلًا عظميًا مكتملًا تقريبًا لوحيد قرن يحمل علامات تدل على ذبحه، يعود تاريخها لـ 709 آلاف عام.

في السابق، كان الدليل الأقدم على استيطان الهومينين موجودًا في سهل الفيضان في جزيرة لوزون الشمالية. حيث تمكن العلماء من العثور على عظم قدم صغير في كهف كالاو. ويبلغ عمره 67 ألف عام.

تتكون الأدوات المكتشفة من 49 رقاقة حجرية حادة، وستة قوالب حجرية -الأحجار التي حصلوا منها على الرقائق- ومن المحتمل مطرقتين حجريتين. بالإضافة إلى ذلك، احتوى الموقع على مجموعة من الهياكل العظمية: الستيغودون، الغزال البني، سلحفاة المياه العذبة، وحيوان الوَرَل.

بدا الهيكل العظمي لوحيد القرن مثيرًا للاهتمام، إذ احتوت العديد من عظامه على آثار كسر وتقطيع مرتبطة بذبح الحيوان، ويبدو أن عظم العضد قد ضُرِبَ بقوة بمطرقة حجرية، ربما بهدف الوصول إلى المادة الغنية داخلً النخاع.

لم تُصنع هذه الأدوات بواسطة البشر -أقدم دليل لدينا على الهومو سبيان يعود لـ 300 ألف عام- ولكن من سلف قريب. ووجود هذه الأدوات يعني أننا يجب أن نعيد النظر في طريقة انتشار الإنسان والهومينين في منطقة جنوب شرق آسيا.

يقول عالم الآثار بجامعة وولونغوغ في أستراليا غيريت فان دين بيرغ (Gerrit van den Bergh) إن الهومينين – على الأرجح – انتشروا في المنطقة في موجات عديدة على مدار آلاف السنين.

ويعتقد أيضًا أنهم هاجروا من الشمال إلى الجنوب، أي من الصين إلى تايوان، بدلًا من هجرتهم من الغرب إلى الشرق، أي من بالاوان بماليزيا عبر إندونيسيا مستخدمين موجات المحيط ومستقرين حيثما يصلون.

وفي النهاية، ربما انتهى المطاف بهذه الهجرة في جزيرة فلوريس الإندونيسية لينشأ بعد ذلك الهومو فلوريس، والمعروف أيضًا باسم الهوبيت لقصر قامته.

عُثِر على أدلة بخصوص الهومينين يعود تاريخها إلى 700 ألف عام في جزيرة جاوا الإندونيسية. بالإضافة إلى ذلك، عُثِر في نفس الحقبة الزمنية على أدلة على الهومو فلوريس. تتفق هذه الاكتشافات مع فرضية الهجرة الجديدة.

كان يُعتقد في السابق أن الهومينين لم يملكوا قوارب، ولهذا لم يتمكنوا من السفر عبر الماء للوصول إلى جزيرة لوزون والجزر الأخرى، وهي مجموعة من الجزر المنفصلة عن اليابسة الرئيسية لآسيا وأستراليا بمحيطات شاسعة.

ولكن فرضية الهجرة من الشمال إلى الجنوب مدعومة بسجل أحفوري آخر، وهو الحيوانات.

يقول فان دين بيرغ: «إذا نظرت إلى السجلات الأحفورية والحيوانات الموجودة في هذه المنطقة ستلاحظ حدوث إفقار (نقص) عند حركتك من الشمال إلى الجنوب. ستجد في جزيرة لوزون متحجرات لستيغودون، فيلة، فئران عملاقة، وحيد قرن، غزلان، زواحف كبيرة، ونوع من جاموس الماء».

ويضيف: «في سولاوسي، المتحجرات الحيوانية فقيرة بالفعل؛ لا توجد هناك أدلة على أي وجود لوحيد قرن أو غزال في المنطقة. أما في فلوريس، فلا يوجد غير الستيغادون، تنين كومودو، بشر وفئران عملاقة فقط. إذا كانت هذه الحيوانات قد وصلت إلى هذه الجزر بالصدفة، عن طريق دخولهم للبحر واتباعهم للموجات جنوبًا، إذن ستتوقع أنه كلما ذهبت جنوبًا ستقِلّ الأنواع التي ستجدها، وهذا هو الحال بالفعل».

إذا لم يكن لدى الحيوانات قوارب، فلا حاجة للبشر أيضًا. مع ذلك، من الممكن أن يكون لديهم عوامات استخدموها للصيد، وقد يكونوا انتقلوا عن طريق التسونامي، وهي شائعة في هذه المنطقة.

لم يعلم أحد مَن كان الهومينين، وقد يبقون مجهولين دون وجود عظامهم لتتم دراستها. من الممكن أن يكونوا أسلاف مَن امتلكوا عظم القدم بعد مئات آلاف السنين؛ أو قد يكونوا نسخة للهومو فلوريس خاصة بجزيرة لوزون؛ أو قد يكونوا مجموعة أخرى، وربما حتى الدينيسوفان الغامض.

وقد حمّس هذا الاكتشاف علماء الآثار ليستمروا بالبحث أكثر لمعرفة ما الذي قد يكتشفونه أيضًا.

يقول فان دين بيرغ: «هناك تركيز كبير على الجزر في جنوب شرق آسيا لأنها أماكن تتوفر بها تجارب طبيعية على تطور الهومينين. هذا ما يجعل فلوريس مميزة. والآن، جزيرة لوزون هي الآخرى مكان نستطيع أن نبحث فيه عن أدلة أحفورية».

واستطرد: «نظرًا إلى الأدوات الحجرية في فلوريس، نحن متأكدون أنهم قد وصلوا قبل حوالي مليون عام، ولكننا لا نعلم متى وصل الهومينين إلى لوزون. سوف نبحث الآن في طبقات أقدم بهدف العثور على أدوات أكثر، أو دلائل أحفورية أفضل».


  • ترجمة: سنان حربة
  • تدقيق: وائل مكرم
  • تحرير: رؤى درخباني
  • المصدر