لقد وجدنا نوعًا جديدًا من المناعة، إنّ فئةً من الخلايا المناعية ذاتيةُ التّفاعل والتي طالما اعتُبرت عديمة الفائدة أو حتى خطرة على صحّتنا، يمكن أن تكون في الواقع نوعًا من الأسلحة السّرّية داخل أجسامنا لمحاربة الأمراض الخطيرة.

باستخدام الفئران، اكتشف الباحثون في أستراليا أن الخلايا البائية المزعومة-الخلايا اللمفاوية التي تبدو نائمة، ولكن عندما تُنشّط؛ يمكن أن تضرّ أجسادنا في حالات المناعة الذاتية- يمكن استردادها لمهاجمة الميكروبات الضارّة التي تعاني أنظمتنا المناعية من محاربتها.

إنّ السُّؤال الكبير حول هذه الخلايا هو سبب وجودها على الإطلاق، وبأعدادٍ كبيرةٍ كهذه.

يشرح الباحث في علم المناعة كريس جودنو من معهد غارفان للأبحاث الطبية لماذا يحتفظ الجسم بهذه الخلايا التي تكوّن أجسامًا مضادةً ذاتيّة الارتباط وتشكل خطرًا حقيقيًّا على الصحة، بدلاً من تدميرها تمامًا، كما كنا نعتقد في السابق.

الشيء المُثير هنا هو أن التكيُّف يمثّل في الأساس نوعًا جديدًا من الحصانة التي لم نعرفها أبدًا، هذه النتيجة يمكن أن تمهّد الطريق لاكتشاف لقاحات جديدة لمكافحة العدوى مثل فيروس نقص المناعة البشرية وcampylobacter التي تختبئ من أنظمتنا المناعية من خلال محاكاة موادنا البيولوجية الخاصة.

«هذا يغير بالكامل تفكير الجميع حول كيفية عمل نظام المناعة وهو يحل هذه المشكلة في معرفة الفرق بين الغزاة والنفس»، حسب ما قال جودنو في مجلة Australian Financial Review.

الفكرة القائلة أنّه بإمكانك البدء بأجسام مضادة سيئة وجعلها جيدة لم تكن في قاموس أي شخص.
تُظهِر النتائج، التي أُثبِتت حتى الآن في نموذج الفئران، كيف أنّ طفرات DNA من جينات الجسم المضاد في المراكز الجرثومية – حيث تَنشط الخلايا البائية أثناء الاستجابة المناعية – تعيدُ برمجةَ هذه الأجسام المضادة ذاتية التفاعل، مما يجعلها تتوقف عن الارتباط بأنسجة الفأر، وتتزايد قدرتها على الارتباط بالغزاة الأجانب بنسبةٍ تصل إلى 5000 مرة.

يقول المؤلِّف الأوّل للدراسة ديبورا بورنيت في نشرةٍ صحفيّة: «لقد أظهرنا أن هذه الخلايا المُسكتة لها هدف حاسم».

بعيدًا عن سدّ النظام المناعي بدون سبب وجيه، فهم يقدمون الأسلحة لمحاربة الغزاة الذين تُجعل تكتيكاتهم (الذئب في ملابس الأغنام) من المستحيل تقريبًا على الخلايا الأخرى في الجهاز المناعي مكافحتها.

والآن بعد أن عرفنا كيف يمكن أن يحدث هذا التحوّل المفرط في المركز الجرثومي، يأمل الباحثون أن يؤدي يومًا ما إلى أنواع جديدة من العلاجات للعدوى البشرية الخطيرة والقادرة على التّهرُّب من الاستجابات المناعيّة التقليدية في أجسادنا.

إنّ فكرة أنّ الخلايا ذاتية التفاعل يمكن أن تسهم في المناعة من خلال التعويض في مركز جرثومي قد تكون ذات أهمية خاصّة في الاستجابة لمسببات الأمراض التي تحمي نفسها من المستضدات المضيفة لتجنب الحصانة.

يشرح علماء المناعة إرفين كارا وميشيل سي نوزنزويج من جامعة روكفلر في تعليق على النتائج:
«فيروس HIV-1 هو أحد العوامل الممرضة».

إنّه تحوّل لافت للنظر لفئة من الخلايا المناعية اعتُقِد لفترةٍ طويلةٍ بأنها عديمة الفائدة وخطيرة، و تبيَّن لنا أيضًا أنّه لا يزال يتعين علينا أن نتعلم الكثير حول ما يمكن أن يفعله الجهاز المناعي لنا، وكيف يمكن الاستفادة من آلياته غير الواضحة تمامًا.

«نحن نعلم الآن أن كل خلية مناعية هي ثمينة عندما يتعلق الأمر بمحاربة الميكروبات الغازِية»، كما يقول جودنو، «وقد تعلّمنا أنّ الجهاز المناعي يعيد تدوير، ويحفظ، ويصقل تفاحاته السّيئة بدلاً من رميها بعيدًا».


  • ترجمة: نور مساد
  • تدقيق: ماجدة زيدان
  • تحرير: أحمد عزب
  • المصدر