بينما يستعد سكان النصف الشمالي من الكرة الأرضية للانقلاب الصيفي، يخشى الكثير منا خسارة ساعةٍ من النوم بسبب تحريك عقارب ساعاتنا إلى الأمام.

وبالنسبة إلى لملايين، فإنّ هذه الخسارة ستزيد الأذى الناتج عن نقص معدّل النوم الذي يحصلون عليه يوميًا.

أظهرت دراسة استقصائية أنّ 40 بالمئة من الأمريكيين البالغين لا يحصلون على الحد الأدنى من النوم الليلي والذي يبلغ 7 ساعات حسب توصيات الأكاديمية الأمريكية لطب النوم ومؤسسة النوم العالمية.

تقدر المعاهد الصحية القومية أن ما بين 50 و 70 مليون شخص لا يحصلون على قسط كافي من النوم.

تستند هذه التوصيات الخاصة بالحد الأدنى من النوم على مراجعات للعديد من الدراسات العلمية التي تبين تأثير النوم على أجسامنا وآثار الحرمان من النوم على قدرة أجسامنا على العمل في أفضل مستوياتها.

قام الدكتور مايكلس جافي؛ الأخصائي في علم الأعصاب في جامعة فلوريدا، بدراسة آثار إصابات الدماغ، واكتشف آثار الحرمان من النوم والمضاعفات الخطيرة التي من الممكن أن تسببها.

وفقًا لمؤسسة النوم الوطنية، يبلغ متوسط نوم البالغين في الولايات المتحدة في الوقت الحالي 6,9 ساعة في الليل مقارنةً بفترة الأربعينات من القرن العشرين، عندما كان معدل النوم في الليلة الواحدة 7,9 ساعة.

في حقيقة الأمر، في عام 1942، حصل 84 بالمئة من الأمريكيين على السبع إلى تسع ساعات الموصى بها، أما في عام 2013، فقد انخفضت النسبة إلى 59 بالمئة.

أفاد المشاركون في استطلاع الرأي نفسه الذي أجرته مؤسسة (غالوب -Gallup) أنهم شعروا بحاجتهم إلى 7,3 ساعات من النوم كمتوسط كل ليلة، لكنهم لم يحصلوا على ما يكفي، مما أدى إلى ازدياد معدل ديون النوم ليبلغ 24 دقيقة تقريبًا كل يوم.

أعلنت شركة Fitbit نتائج دراستها التي أجرتها على طوال 6 مليارات ليلة نوم على زبائنها وأفادت بأنّ الرجال يحصلون على ساعات نوم أقل من النساء بالفعل، والتي بلغت حوالي 6,5 ساعة.

لماذا يُعتبر النوم أمرًا مهمًّا؟

إن المشاكل الناجمة عن قلة النوم تتجاوز التعب بكثير.

ففي السنوات الأخيرة، أظهرت الدراسات أنّ البالغين الذين يعانون من قلة النوم، أو هؤلاء الذين يحصلون على أقل من 7 ساعات نوم خلال اليوم، كانوا أكثر عرضة للإصابة بأمراض صحية مزمنة، بما في ذلك أمراض القلب، والسكري، والسمنة، والربو والاكتئاب، مقارنةً بأولئك الذين حصلوا على قسط كافٍ من النوم، أي سبع ساعات أو أكثر خلال 24 ساعة.

وهنالك تحدٍّ أكبر للأطفال، لأنّ لديهم حاجة أكبر للنوم مقارنةً بالبالغين.

توصي الأكاديمية الأمريكية لطب النوم بأن يحصل الأطفال من عمر 6 إلى 12 عامًا على 9 إلى 12 ساعة من النوم يوميًّا وأن يحصل المراهقين من عمر 13 إلى 18 عامًا على 8 إلى 10 ساعات بشكل منتظم.

وجد استطلاع قامت به مؤسسة النوم على الآباء بأنّ أطفالهم يحصلون على ساعة نوم واحدة أو أكثر في الليلة أقل مما تتطلبه أجسامهم وأدمغتهم.

كما وجد الباحثون أن الحرمان من النوم لمدة ساعة واحدة يمكن أن يكون له تأثيرًا ضارًّا على الدماغ النامي للطفل.

قد يؤثر النوم غير الكافي على (المطاوعة المشبكية -synaptic plasticity) والذاكرة، ومن الممكن أن يؤدي إلى عدم الانتباه في الفصل الدراسي.

إذْ تتأثر جميع أنظمتنا البيولوجية بالنوم.

فعندما لا ننام طويلًا بما فيه الكفاية أو عندما تكون نوعية النوم سيئة، ستكون هنالك عواقب بيولوجية خطيرة.

وعندما نحرم من النوم، تصبح أجسادنا أكثر إثارة من خلال الجهاز العصبي الودي.

وبالتالي هنالك احتمال أكبر لزيادة ضغط الدم وأمراض القلب التاجيّة.

وستطلق الغدد الصماء المزيد من هرمون الكورتيزول، والمسمى بهرمون القلق.

كما سيصبح تحمل الجسم للجلوكوز أقل وستزداد مقاومة الإنسولين، مما قد يؤدي على المدى البعيد إلى زيادة خطر الإصابة بمرض السكري من النوع الثاني.

و قد يؤدي الحرمان من النوم إلى انخفاضٍ في هرمون النمو، وانخفاض إفراز هرمون اللبتين، وزيادة إفراز هرمون الجريلين، والذي يمكن أن يرتبط بزيادة الشهية والوزن.

يعتمد جسم الإنسان على النوم في تعزيز الجهاز المناعي، كما نعتمد أيضًا على النوم للحفاظ على فعالياتنا الاستقلابية.

ويرتبط حرمان النوم بزيادة الالتهاب وانخفاض مستويات الأجسام المضادة للإنفلونزا وانخفاض المقاومة للعدوى.

ويكون لعدم كفاية النوم تأثير سلبي على المزاج، ويؤدي أيضًا إلى انخفاض الانتباه وإلى مشاكل في الذاكرة.

بالإضافة إلى ذلك، من الممكن أن يعاني الشخص المحروم النوم من انخفاض في قدرة تحمل الألم وقد يؤثر على أوقات رد الفعل.

وقد ربطت دراسات أخرى الحرمانَ من النوم بانخفاض الأداء، وازدياد حوادث السيارات، وازدياد أيام التغيب عن العمل.

دور الدماغ:

وجد الباحثون أن صحة الدماغ تشكل جانبًا مهمًا من جوانب النوم.

والجدير بالذكر أن للنوم دورًا كبيرًا في تكوين الذاكرة والتعلم.

وقد وجد بحث جديد جانبًا مهمًا آخر للنوم في ما يخص الدماغ: فهنالك نظام للقضاء على البروتينات الضارة مثل الأنواع غير الطبيعية للأميلويد.

وتعتمد عملية إزالة النفايات هذه، التي تستخدم (النظام الغليمفاوي-glymphatic system)، على النوم في القضاء على هذه البروتينات من الدماغ بشكل فعال.

وهي نفسها البروتينات التي تكون مرتفعة في مرض الزهايمر.

تشير الدراسات إلى أن كبار السن الذين لا يحصلون على نوم كافٍ لديهم تراكمات أكبر من هذه البروتينات في أدمغتهم.

يتم تنظيم دورة النوم والاستيقاظ من خلال (النظام اليوماوي-(circadian system، الذي يساعد على توجيه الدماغ إلى النوم عن طريق إفراز هرمون الميلاتونين الطبيعي.

وقد تبين أن نظام أجسامنا في تنظيم الميلاتونين وجدول النوم يتم التحكم بهما بقوة عن طريق الضوء.

هنالك خلايا في شبكية العين تتصل مباشرة بمُنَظّمات الساعة البيولوجية في الدماغ الموجودة في الغدة النخامية وهي تتأثر بصورة كبيرة بالضوء.

وقد وجد العلماء أن الخلايا العصبية هذه تتأثر بصورة كبيرة بموجات الضوء من الطيف الأزرق أو الضوء الأزرق.

وهذا هو نوع الضوء الأبرز في أجهزة الكمبيوتر والهواتف الذكية.

كما من الممكن أن يؤثر هذا الأمر سلبًا على دورة النوم والاستيقاظ الطبيعية.

وهنالك عوامل أخرى من الممكن أن تؤثر على النوم مثل الألم، والأدوية، وازدياد متطلبات وترابط المجتمع الحديث.

وبينما نستعد للانقلاب الصيفي، يمكننا أن نضع في اعتبارنا أنّ العديد من الرياضيين قد قاموا بإضافة ساعات إضافية للنوم ضمن جدولهم لتحسين أدائهم، وأنّ العديد من الفرق الرياضية المحترفة قد تعاقدت مع مستشاريّ نوم لضمان حصول أعضاء الفريق على ما يكفي من النوم.


  • ترجمة: سنان حربة.
  • تدقيق: سهى يازجي.
  • تحرير: عيسى هزيم.
  • المصدر