«الأشعة فوق البنفسجية – (UV) Ultraviolet» هي نوع من الإشعاعات الكهرومغناطيسية تجعل صور الضوء الأسود تتوهج، وهي مسؤولة عن الاسمرار في الصيف والحروق الشمسية. التعرض الشديد للأشعة فوق البنفسجية يعتبر مضرًا للأنسجة الحية.

تأتي الإشعاعات الكهرومغناطيسية من الشمس وتنتقل عبر موجاتٍ أو جسيماتٍ بطولٍ موجيٍّ وتردداتٍ مختلفة. النطاق الواسع في الطول الموجي هذا يعرف باسم «طيف الكهرومغناطيسي – (EM) Electromagnetic Spectrum». يقسم الطيف عادةً إلى سبعة مناطق من أجل الخفض من الطول الموجي أو الرفع من الطاقة أو التردد. أبرز التسميات شيوعًا هي «الموجات الراديوية – Radio waves»، «الموجات الصُغْرِيّة (ميكروويف) – Microwave»،

«الأشعة تحت الحمراء – (IR) Infrared»، الضوء المرئي، الأشعة فوق البنفسجية، «الأشعة السينية – X-rays» و«أشعة غاما – Gamma Ray».

تتموضع الأشعة فوق البنفسجية (UV) في الطيف الكهرومغناطيسي بين الضوء المرئي والأشعة السينية. وتملك ترددات من 8 × 1014 إلى 3 × 1016 دورة في الثانية، أو هرتز (Hz)، وطول موجي من 380 نانومتر (1.5 × 10−5 إنش) إلى حوالي 10 نانو متر (4 × 10−7 إنش).

وطبقًا لدليل الإشعاعات فوق البنفسجية للبحرية الأمريكية، تنقسم هذه الإشاعات إلى ثلاثة أنماط ثانوية عامةً:

  • الإشعاعات فوق البنفسجية القريبة أو UVA (315-400 نانومتر)؛
  • الإشعاعات فوق البنفسجية المتوسطة أو UVB (280-315 نانومتر)؛
  • الإشعاعات فوق البنفسجية البعيدة أو UVC (180-280 نانومتر)

يستمر الدليل ليضيف: «يشار إلى الإشعاعات التي تقع في طول موجي بين 10 إلى 180 نانومتر عادةً باسم «الإشعاعات فوق البنفسجية القصوى أو الفراغية – Extreme or Vacuum UV»». تلك الإشعاعات يتم توقيفها من طرف الهواء، ولا تنتقل سوى في الفراغ.

«التَأَيُّن – Ionization»:

تملك الأشعة فوق البنفسجية طاقةً كافيةً لكسر الروابط الكيميائية. وبفضل ذلك، قد تتسبب فوتونات الأشعة فوق البنفسجية في التأين؛ أي أن الإلكترونات تنفصل عن الذرات. الناتج عن ذلك يؤثر في الخواص الكيميائية للذرات ويتسبب في إجبارها على صنع أو كسر روابط كيميائية، ولا يمكن للذرة أن تفعل ذلك بشكلٍ طبيعي. قد يكون ذلك مفيدًا في المعالجات الكيميائية.

كما قد يكون مضرًا للمواد والأنسجة الحية. وقد يكون ذلك الضرر بدوره مفيدًا، مثل تعقيم الأسطح، لكنه قد يكون مضرًا كذلك، خصوصًا للجلد والعينين، اللذان يتضرران بشكل أكبر عن التعرض لإشعاعات UVB وUVC.

آثار الأشعة فوق البنفسجية:

معظم الأشعة فوق البنفسجية التي يتعرض لها البشر تأتي من الشمس. رغم ذلك، حوالي 10% فقط من ضوء الشمس هو عبارة عن أشعة فوق البنفسجية، وحوالي الثلث من ذلك الإجمالي بإمكانه العبور عبر الغلاف الجوي للوصول إلى الأرض، وذلك حسب «البرنامج الوطني لعلم السموم – (NTP) National Toxicology Program».

من بين الأشعة فوق البنفسجية الشمسية لتي تصل إلى خط الاستواء، 95% منها هو عبارة عن UVA بينما 5% هو عبارة عن UVB. لم يتم قياس أشعة فوق بنفسجية من نوع UVC قادمة من الشمس على سطح الأرض، لأن الأوزون، الأكسجين الجزيئي وبخار الماء الموجودين في الغلاف الجوي العلوي يمتصون الأشعة فوق البنفسجية ذات الطول الموجي القصير بشكلٍ كامل.

لكن، وحسب البرنامج الوطني لعلم السموم: «تبقى الأشعة من نوع UVA وUVB الأكثر قوةً وضررًا على الكائنات الحية».

الحروق الشمسية:

يعتبر الاسمرار نتيجةً للتعرض لأشعة UVB الضارة. بشكل أساسي، يعتبر الاسمرار كنتيجة لآلية الجسم الدفاعية. ويحتوي ذلك على صبغة تدعى «الميلانين – Melanin»، والتي يقوم نوع من الخلايا بإنتاجها في الجلد ويطلق عليها إسم «الخلايا الميلانينية – Melanocytes».

يمتص الميلانين الأشعة فوق البنفسجية ويحولها إلى حرارة. عندما يشعر الجسم بضرر الشمس، يرسل الميلانين حول الخلايا لمحاولة حمايتها من تلقي المزيد من الضرر. تلك الصبغة تتسبب في اسمرار الجسم.

في هذا الشأن يقول «غاري شوانغ – Gary Chuang» البروفيسور المساعد في علم الجلد بجامعة «توفتس – Tufts»: «الميلانين هو واقٍ طبيعي من الشمس».

لكن، التعرض المتواصل للأشعة فوق البنفسجية قد يتغلب على دفاعات الجسم. عندما يحدث ذلك، يحدث تفاعل سام، ينتج عنه حروق شمسية. الأشعة فوق البنفسجية بإمكانها إلحاق الضرر بالحمض النووي في خلايا الجسم. عند شعور الجسم بذلك التدمير يرسل كميات أكبر من الدم إلى المنطقة للمساعدة في عملية الشفاء.

الالتهابات الموجعة تحدث كذلك. عادةً، نصف نهارٍ من التعرض المفرط للشمس كافٍ للتسبب في حدوث الحروق الشمسية.

في بعض الأحيان، تصبح الخلايا التي تحولت خلاياها بسبب أشعة الشمس إلى خلايا طافرة لا تموت بل تستمر في التكاثر كالسرطان.

يقول «شوانغ»: «تسبب الأشعة فوق البنفسجية أضرارًا عشوائيةً على مستوى الحمض النووي، وعملية إصلاح هذا الأخير تتطلب اكتساب القدرة على تفادي الموت».

النتيجة ستكون سرطان الجلد، أكثر أنواع السرطان انتشارًا في الولايات المتحدة. الأشخاص الذين يتعرضون إلى أشعة الشمس بشكلٍ متكرر هم أكثر عرضةً لذلك. خطر التعرض لسرطانِ جلدٍ قاتلٍ يتضاعف بالنسبة لشخصٍ قد تعرض إلى خمسة حروق شمسية أو أكثر، حسب «مؤسسة سرطان الجلد – Skin Cancer Foundation».

المصادر الأخرى للأشعة فوق البنفسجية:

تم تحديد عددٍ من المصادر الاصطناعية المنتجة للأشعة فوق البنفسجية. وحسب «جمعية الفيزياء الصحية» فإن: «المصادر الاصطناعية تتضمن الأضواء السوداء، مصابيح المعالجة، المصابيح المبيدة للجراثيم، مصابيح بخار الزئبق، الأضواء الهالوجينية، مصابيح التفريغ عالية الكثافة، المصابيح الفلورية المتوهجة، وبعض أنواع أشعة الليزر».

من أكثر الطرق شهرة لإنتاج الأشعة فوق البنفسجية هي تمرير تيار كهربائي عبر زئبق متبخر أو بعض أنواع أخرى من الغازات. هذا النوع من المصابيح يستخدم بكثرة في الدباغة وفي تطهير الأسطح. تستخدم المصابيح أيضًا في الأضواء السوداء التي تسبب في توهج الأصباغ والدهانات الفلوريّة.

«الصمامات الثنائية الباعثة للضوء – (LED) Light-emitting diodes»، الليزر و«المصابيح القوسية – Arc Lamp» هي كذلك متوفرة كمصدر للأشعة فوق البنفسجية بأطوال موجية مختلفة من أجل غايات صناعية، طبية والتطبيقات البحثية.

«الفلوريّة – Fluorescence»:

العديد من المواد ــ من بينها المعادن، النباتات، الفطريات والميكروبات، كما هو الأمر مع المواد الكيميائية العضوية وغير العضوية ــ بإمكانها امتصاص إشعاعات الأشعة فوق البنفسجية.

يتسبب الامتصاص في قفز الإلكترونات في المواد إلى أعلى مستوى طاقي. بإمكان هذه الإلكترونات أن تعود إلى مستوى طاقي أدنى من خلال سلسلة من الخطوات الأصغر، مصدرةً جزءًا من الطاقة الممتصة كضوء مرئي.

المواد المستخدمة كأصباغ في الدهانات التي تتعرض لمثل هذه الفلوريَّة تبدو أكثر بريقًا تحت أشعة الشمس لأنها تمتص الأشعة فوق البنفسجية الغير مرئية لتقوم بإعادة بعثها ضمن نطاق الأطوال الموجية المرئية. لهذا السبب، هي مستخدمة بشكلٍ شائع في علامات التشوير الطرقي، سترات السلامة والتطبيقات الأخرى التي تستوجب رؤية واضحة.

قد تستخدم الفلوريَّة كذلك لتحديد بعض المعادن والمواد العضوية. فحسب شركة «ثيرمو فيشر ساينتيفيك – Thermo Fisher Scientific»: «تمكن المجسَّات الفلوريَّة الباحثين من تحديد مكونات معينة للجزيئات البيولوجية، مثل الخلايا الحية، بحساسية وانتقائية رائعتين».

في الأنابيب الفلورية المستخدمة للإنارة، «تنتج الأشعة فوق البنفسجية بطولٍ موجي يصل إلى 254 نانومتر مع الضوء الأزرق الصادر من خلال مرور التيار الكهربائي عبر بخار الزئبق»، حسب ما نشرته جامعة نبراسكا. هذه الأشعة فوق البنفسجية غير مرئية لكنها تحتوي على طاقة أكبر من الضوء المرئي الصادر. تمتص الطاقة الصادرة عن ضوء الأشعة فوق البنفسجية عبر الطلاء الفلوري داخل المصباح الفلوري ليعاد إصداره كضوءٍ مرئي».

الأنابيب المشابهة بدون الطلاء الفلوري ذاته تطلق ضوءًا للأشعة فوق البنفسجية يمكن استخدامه لتعقيم الأسطح، لأن التأيين الذي يتسبب فيه إشعاع الأشعة فوق البنفسجية بإمكانه قتل معظم أنواع البكتيريا.

تستخدم أنابيب الضوء الأسود، عامةً، بخار الزئبق لإنتاج ضوء الأشعة فوق البنفسجية طويل الموجات، مما يتسبب بتفلور بعض الأصباغ. الأنبوب الزجاجي المطلي بمصفاة بنفسجية-غامقة يستخدم لصد معظم الضوء المرئي، جاعلًا من توهج الفلورية أكثر بروزًا. هذه التصفية ليست ضرورية لتطبيقات مثل التعقيم.

علم فلك الأشعة فوق البنفسجية:

بالإضافة إلى الشمس، نجد العديد من الأجرام السماوية كمصدر للأشعة فوق البنفسجية. النجوم الناشئة الكبيرة جدًا تشع في معظم ضوئها بأشعة فوق بنفسجية، وذلك حسب وكالة ناسا.

وبسبب صد الغلاف الجوي للأرض لمعظم الإشعاعات فوق البنفسجية، خصوصًا ذات الطول الموجي القصير، تقتصر المراقبات الفضائية على استخدام بالونات وأقمار اصطناعية على مدار الأرض مجهزة بمستشعرات مخصصة للتصوير ومرشحات لالتقاط منطقة الأشعة فوق البنفسجية للطيف الكهرومغناطيسي.

وحسب «روبرت باترسون – Robert Patterson» بروفيسور علم الفلك بجامعة ولاية ميسوري، فمعظم المراقبات تتم باستخدام «أجهزة اقتران الشحنة – (CCD) Charge-Coupled-Device»، وهي كاشفات مصممة لتكون حساسة اتجاه الفوتونات ذات الطول الموجي القصير. هذه المراقبات بإمكانها تحديد درجة حرارة أكثر النجوم حرارةً والكشف عن وجود سحب غاز متدخلة بين الأرض و«النجوم الزائفة – Quasars».

معالجة السرطان:

عند التعرض لها، قد تتسبب الأشعة فوق البنفسجية بالإصابة بالسرطان، بعض الحالات الجلدية يمكن علاجها باستخدام الأشعة فوق البنفسجية كذلك، وذلك حسب بحوث السرطان بالمملكة المتحدة.

في عملية تدعى «العلاج عن طريق السورالين – (PUVA) Psoralen UltraViolet Light Treatment»؛ يأخذ المريض دواءً أو يقوم بتطبيق مرهم لجعل جلده حساسًا للضوء، ليتم تسليط أشعة فوق بنفسجية على البشرة. يتم استخدام هذه الطريقة لمعالجة سرطان الغدد الليمفاوية، الإكزيما، الصدفية والبهاق.

قد يبدو من الغريب أن نعالج سرطان الجلد باستخدام نفس الشيء الذي تسبب في حدوثه، لكن طريقة «PUVA» بإمكانها أن تكون مجدية بفضل تأثير ضوء الأشعة فوق البنفسجية على إنتاج خلايا الجلد. حيث يبطئ من نموها الذي يلعب دورًا جوهريًا في تطور المرض.

مفتاح لمصدر الحياة؟

بحوث جديدة اقترحت أن ضوء الأشعة فوق البنفسجية يلعب دورًا جوهريًا في بداية الحياة على الأرض، خصوصًا أصل «الحمض النووي الريبوزي – RNA))Ribonucleic Acid ».

في سنة 2017، نُشِر مقالٌ في الدورية العلمية «Astrophysics Journal»، حيث أشار المشاركون في الدراسة إلى أن ضوء الأشعة فوق البنفسجية الصادر من «النجوم القزمة الحمراء – Red Dwarf Stars» قد لا تكون كافية للتسبب في بدأ العملية البيولوجية اللازمة لتكوين الحمض النووي الريبي، الضروري لكل أشكال الحياة على الأرض.

كما تقترح الدراسة كذلك أن هذا الاكتشاف بإمكانه المساعدة في البحث عن الحياة في أماكن أخرى خارج الأرض.


  • ترجمة: وليد سايس
  • تدقيق: المهدي الماكي
  • تحرير: رؤى درخباني

المصدر