تتفاعل النظم البيولوجية بتعقيدٍ مدهشٍ لخلق نسيجٍ من المعلومات المحتواة في الجينات، مما يحير العقل ويحرك عمل علماء الطب الحيويِّ في جميع أنحاء العالم.

ويهدف نموذجٌ جديدٌ إلى الجمع بين جمال الرياضيات مع البيولوجيا لتمهيد الطريق لاكتشافاتٍ مستقبلية.

قدم زوجٌ من علماء الرياضيات طريقةً جديدةً للتفكير في هذه المفاهيم التي تساعد على فهمٍ أفضلَ لأجسادنا والأحياء الأخرى.

نأمل أن نخلق نماذج من النظم البيولوجية باستخدام الرياضيات المتقدمة لتوسع فهمنا للتنمية الطبيعية والأمراض.
-جامعة ميشيغان-

ما الذي يجعل عنقودًا من الخلايا يصبح كبدًا أو عضلة؟، كيف تصبح جيناتنا بروتينات، وبروتيناتنا خلايا، وخلايانا أنسجةً وأعضاء؟

يُفزع التعقيدُ الرائع وتفاعل هذه النظم البيولوجية العقلَ، ويحرك عمل علماء الطب الحيوي في جميع أنحاء العالم.

أدخلَ عددٌ من علماء الرياضيات طريقةً جديدةً للتفكير في هذه المفاهيم التي قد تساعد في فهمٍ أفضل لأجسادنا والأشياء الحية الأخرى.

استنادًا لوقائع الأكاديمية الوطنية للعلوم، قدمَ عالمان من كلية الطب بجامعة ميشيغان وجامعة كاليفورنيا في بيركلي، بيئةَ عملٍ لاستخدام الرياضيات لفهم كيفية تفاعل المعلومات الوراثية بين الخلايا لتؤدي الوظيفة الفعلية لنوعٍ معينٍ من الأنسجة.

وهما يعلمان أنها بيئةٌ مثاليةٌ للغاية، ولا تأخذ بعين الاعتبار كل تفاصيل هذه العملية وتُسمى (ظهور الوظيفة-emergence of function).

لكن بالعودة إلى الوراء وابتكار نموذجٍ رياضيٍّ مبسط، نأمل خلق أساسٍ للعلماء لفهم التغيرات التي تحدث على مر الزمن بين الخلايا والأنسجة الحية، وللمساعدة أيضًا في فهم كيفية نشوء أمراضٍ مثل السرطان.

الجمال مجتمعًا:

عمل الباحثان من كلية الطب في ميشيغان، الدكتور إنديكا راجاباكس (الأستاذ المساعد بالطب الحاسوبي)، والدكتور ستيفن سمالي (أستاذ بيركلي) على المفاهيم لعدة سنوات.

يقول راجاباكس: «في كل وقتٍ تحدث هذه العملية في أجسادنا، إذ تموت الخلايا وتنشأ، ومع ذلك تحافظ على وظيفة الأنسجة، ونحن بحاجةٍ إلى استخدام الرياضيات وعلم الأحياء معًا لفهم جمال الأنسجة».

للقيام بهذا العمل الجديد عادوا مرةً أخرى إلى عمل ألان تورينج (عالم الرياضيات البريطاني الشهير) وجهازه (آلة تورينج)، الذي حلَّ رموز النازية خلال الحرب العالمية الثانية.

بدأ تورينج في نهاية حياته النظر في الأسس الرياضية للتشكل، والعملية التي تسمح للأنماط الطبيعية – كخطوط الحمار الوحشي مثلًا – بالتطور كشيءٍ حيٍّ ينمو مع الكائن من جنينٍ إلى بالغ.

يقول راجاباكس، الذي يقود مختبر الجينوم (U-M +4D) في قسم الطب الحاسوبي والمعلوماتية الحيوية: « يتبنى نهجنا تقنية تورينج، ويجمع بين ديناميكية الجينوم داخل الخلية، وديناميكية الانتشار بين الخلايا« .

ويقوم فريق تورينج من علماء الأحياء والمهندسين بإجراء التجارب التي تصور ديناميكية الجينوم البشري في ثلاثة أبعاد باستخدام الأساليب البيوكيميائية، والتصوير عالي الدقة.

راجاباكس أيضًا معينٌ في قسم الرياضيات بجامعة ميشيغان وهي جزءٌ من كلية الأدب والعلوم والفنون.

الرياضيات والجينوم معًا:

تقاعد سمالي من بيركلي، لكنه لا يزال نشطًا في مجال البحوث، ويُعتبر رائدًا لنمذجة النظم الديناميكية – المتغيرة في الزمان والمكان – وحصل على أعلى جائزةٍ في الرياضيات (The Fields Medal) عام 1966.

قبل عدة سنوات، اقترب راجاباكس من سمالي خلال زيارةٍ إلى جامعة ميشيغان حيث حصل الأخير على درجة البكالوريوس والدراسات العليا، وبدأا استكشاف كيفية دراسة الجينوم البشري (مجموعة من الجينات في الحمض النووي للكائن الحي) كنظامٍ ديناميكيّ.

لقد بنَيا عملهما على أنَّ جينات الكائن الحي تبقى كما هي طوال حياته، فكيف تتغير الخلايا؟

في الربيع الماضي، نشرا بحثًا يضع الأساس الرياضي لتنظيم الجينات (العملية التي تحكم كيف ومتى تحصل الجينات على قراءةٍ من قبل الخلايا من أجل صنع البروتينات(.

يقول راجباكس: « لم يكن تورينغ وستيف سمالي يعلمون عن الجينوم عندما بدأنا عملنا، كونهما رياضيين مدربين تدريبًا كلاسيكيًا.

لكننا باستخدام التقنيات الرياضية يمكننا دراسة الديناميكية الطبيعية للجينوم من مجموعاتٍ من الخلايا؛ لأنها تتطور وتتفاعل مع بعضها البعض لتشكل شبكات ».

فبدلًا من أن تكون عقد تلك الشبكات ثابتة – كما افترض تورينج- فإن العمل الجديد يعتبرها أنظمةً ديناميكية.

يمكن أن تكون الجينات محكمة الربط في الخلية، ولكن كيف يُعبَّرُ عنها في هذه العوامل كعلاماتٍ جينيةٍ مضافة نتيجةً للعوامل البيئية؟

الخطوات التالية:

نتيجةً لعمله مع سمالي، يملك راجاباكس تمويلًا من وكالة مشاريع بحوث الدفاع المتقدمة ( DARPA) لمتابعة اكتشاف مسألة ظهور الوظيفة، بما في ذلك ما يحدث عندما تتغير العملية.

السرطان -على سبيل المثال- ينشأ من تطور الخلية عندما لا تسير دورة الانقسام كما يُفترض، والعملية التي تُصنع بها الخلايا الجذعية المحفزة في المختبر تعود أساسًا إلى نوع الخلية، بحيث تستعيد القدرة لتصبح أنواع خلايا أخرى.

ويهدف راجاباكس لاستخدام البيانات من التجارب في العالم الحقيقي للجينوم وبيولوجيا الخلية في مختبره، ليُلهمَ العمل المستقبلي الذي يركز على السرطان وإعادة برمجة الخلايا.

وسيشمل هذا العمل أيضًا التعاون مع زملائه في برنامج الأورام بجامعة ميشيغان وتوماس ريد في المعهد الوطنيّ للسرطان، بهدف استخدام الرياضيات للبحث في أحدث نتائج البحوث الأساسية على السرطان.

كما أنه ينظم مجموعةً من علماء الرياضيات من جميع أنحاء العالم للبحث في البيولوجيا الحسابية والجينوم هذا الصيف في برشلونة.

يقول راجباكس: « دورة الخلية هي الأكثر دقة، والشيء الجميل هو امتلاكنا فهمًا رياضيًا واضحًا بحيث يمكننا إنشاء نماذج الكمبيوتر، ومواصلة استكشاف جمالنا كبشر، موضحًا من خلال الرياضيات«.


  • ترجمة: دلال مطر
  • تدقيق: تسنيم المنجّد
  • تحرير: ناجية الأحمد
  • المصدر