فوستوك، بحيرة تحت الجليد


تعد بحيرة فوستوك (Vostok) الغامضة، العميقة والمظلمة واحدةً من أكبر البحيرات تحت الجليد في العالم، ما كانت بحيرةً سطحيةً كبيرةً شرقي القارة القطبية الجنوبية دُفنت اليوم تحت ميلين (3.7 كيلومتر) من الجليد بالقرب من محطة أبحاث فوستوك الروسية، مغطاةٌ بالثلج لآلاف السنين ومعزولةٌ عن الضوء وعن الغلاف الجوي، أصبحت فوستوك واحدةً من البيئات الأكثر تطرفًا وقسوةً على سطح الأرض، يقول برنت كريستنر (Brent Christner) عالم الأحياء في جامعة ولاية لويزيانا (Louisiana) والذي فحص عمق الجليد القابع فوق البحيرة: >>دُفنت البحيرة تحت الثلج لمدة لا تقل عن 15 مليون عام<<.

أسفل السطح

بحيرة فوستوك هي واحدةٌ من أكبر البحيرات في العالم من حيث الحجم والكمية (كمية المياه) منافسةً بحيرة أونتاريو (Ontario) في كندا بطول 143 ميلًا (230 كم) وعرض 31 ميلًا (50 كم) وعمق 2625 قدم (800 متر) بالقرب من القطب الجنوبي، اقتُرح وجودها في ستينات القرن الماضي من قبل عالم جغرافيا وطيار روسي، بسبب السطح الجليدي الأملس الذي صقله الهواء، وأكدت التجارب الرادارية الجوية من قبل الباحثين البريطانيين والروس عام 1996 اكتشاف بحيرة غير عادية.

يقول كريستنر: >>كانت من أسهل عمليات الاكتشاف بسبب حجمها، ومع ذلك أعتقد أن معظم أسرارها ما تزال قائمة، إمدادها الوحيد من المياه هو الجليد الذي يذوب من الطبقة الثلجية التي تغطيها، وعلى حد علمي لا يوجد دليلٌ على تدفق المياه منها<<، هذا التجدد المستمر الذي يسببه ذوبان الجليد يعني أن الماء السائل ليس قديمًا جدًا وعمره ربما بضعة آلافٍ من السنين وفقًا للدراسات، ولكن عمر البحيرة بالكامل يبقى مجهولًا.

رسم العلماء شكل البحيرة بتقنيات الاستشعار عن بعد مثل السبر الزلزالي (seismic soundings) ورادار اختراق الجليد، البحيرة ضحلة من طرفٍ أكثر من الآخر ويفصل الحوضين سلسلة تلال يعتقد العلماء أنها من الممكن أن تكون فتحاتً حراريةً مائية مماثلة لفتحات الدخان السوداء في قاع المحيط والتي تنتج الديدان الأنبوبية (وهي أحياء لافقارية من فصيلة الديدان المقسمة تستطيع العيش في وسط غني بكبريتيد الهيدروجين، يصل طولها إلى حوالي 2.4 متر وقطر جسمها الأنبوبي حوالي 4 سنتيمتر)، تقع البحيرة الضيقة الطويلة أحيانًا في وادي متصدّع على غرار بحيرة بايكال (Baikal) في روسيا.

تحافظ الطاقة الحرارية الأرضية على حرارة المياه (حوالي 27 درجة فهرنهايت\3- درجات مئوية)، ويعتقد العلماء أن الضغط العالي لجليد البحيرة يحافظ على الماء سائلًا على الرغم من درجة حرارة التجمد.

الحياة ستجد طريقًا

في التسعينات، كان كريستنر جزءًا من فريقٍ دوليٍ اكتشف ميكروبات في مياه البحيرة المتجمدة التي تم جمعها فوق سطح فوستيك السائل (الجليد المتراكم) ويعتقد العلماء أن النصف إنش العلوي من سطح البحيرة يتجمد على الصفيحة الجليدية المتدفقة فوق البحيرة، ويشير تحليل أشكال الحياة أن البحيرة ربما تأوي نظامٍ بيئيٍ فريدٍ من نوعه يعتمد على المواد الكيميائية في الصخور بدلًا من أشعة الشمس، هذا النظام يعيش في عزلةٍ لمئات الآلاف من السنين، يقول كريستنر: >>تقترح أنواع الكائنات التي وجدناها أنها تستمد طاقتها من المعادن الموجودة في البحيرة بالإضافة لمصادر من الصخور الأساسية<<.

كشفت الدراسات الحديثة عن المواد الوراثية في الجليد المتراكم من فوستوك بقايا من الحمض النووي لمجموعة واسعة من الكائنات الحية ذات الصلة بمخلوقاتٍ وحيدة الخلية كانت وجدت سابقًا في البحيرات والمحيطات والجداول، هذه الأنواع يمكن أن تحاكي الحياة على الأقمار والكواكب الأخرى مثل القمر الجليدي للمشتري يوروبا (Europa)، قام الباحثون بقيادة الدكتور سكوت روجرز (Scott Rogers) أستاذ العلوم البيولوجية في جامعة بولينغ غرين (Bowling Green) في بحث نشر في 26 حزيران 2013 في دورية (PLOS ONE) بمناقشة الآلاف من الأنواع التي حددوها في بحيرة فوستوك من خلال تسلسل الحمض النووي (DNA) و الحمض النووي الريبوزي  (RNA)، حيث أخذوا عينات من منطقتين من البحيرة: الحوض الجنوبي وقرب السد على الطرف الجنوبي الغربي، وقال روجرز في بيان صحفي أنه من خلال هذا التسلسل اكتشف الفريق تعقيدًا أكثر مما يعتقده أي إنسان، وأضاف: >>يظهر ذلك حقًا عناد الحياة وكيف يمكن للكائنات الحية الاستمرار في مناطق لم نكن نتخيلها قبل بضعة عشراتٍ من السنين<<.

بالإضافة للفطريات ونوعين من الطحالب (الكائنات الحية وحيدة الخلية التي تميل للعيش في بيئات قاسية) حدد الباحثون آلاف الأنواع من البكتريا بما فيها تلك التي توجد عادةً في النظم الهضمية للأسماك والقشريات والديدان الأنيلية وكائنات أخرى تعيش في البرد القارس وأنواع أخرى محبة للحرارة ما يؤكد وجود الفتحات الحرارية في عمق البحيرة، يقول روجرز: >>العديد من هذه الأنواع هي ما نتوقع أن نجده في بحيرة ومعظمها كائنات مائية (المياه العذبة) والكثير منها أنواع تعيش عادةً في رواسب المحيطات أو البحيرات<<، وهنا يلاحظ أن وجود هذا التنوع يدعم النظرية التي تقول بأن البحيرة كانت متصلةً بالمحيط يومًا ما وأن المياه العذبة تم توفيرها عن طريق التجمد.

بعد عامين من التحليلات الحاسوبية، كشفت النتائج النهائية أن بحيرة فوستوك تحوي العديد من الميكروبات فضلًا عن بعض الكائنات متعددة الخلايا، ويؤكد روجرز أن الفريق أخطأ بشدة أثناء الإبلاغ عن النتائج حيث اختار فقط السلالات التي جاءت من الجليد المتراكم ولذلك يعتقد أنه هناك على الأرجح العديد من الأنواع الأخرى، ما يفتح الباب لمزيد من البحث.


  • ترجمة: أسامة ونوس.
  • تدقيق: م. قيس شعبية.
  • تحرير: زيد أبو الرب.

المصدر