عاشت إيمي نويثر مُنذ عام 1882 حتى 1935.

كتب ألبرت أينشتاين في خطاب لصحيفة New York Times، فورًا بعد موتها: »كانت آنسة نويثر أهم عبقرية رياضيات إبداعية خرجت مُنذ بدء التعليم العالي للنساء .

«ولم يكُن هو الشخص الوحيد من يُشِد بها، ففي الحقيقة، يظُن الكثير من الناس بأنّها كانت واحدة من أعظم عُلماء الرياضيات في وقتها.

لكن ما كان قصد أينشتاين بجملة »عبقرية رياضيات مُبدِعة«؟ عملت نويثر عامًة في تخصُص الجبر، الذي يتمثّل في إعطاء رموز للمواضيع الرياضية، مثل الأرقام.

فالجبر أداة مُفيدة لوصف العلاقات بين الأشياء مثل هذه.

تحتوي العلاقات على أنماط وتركيبات يستطيع أن يشعر بها ويفهمها الرياضي الجيّد، تمامًا كما يشعر الموسيقي بالإيقاعات والتركيبات في معزوفة موسيقية.

وكما يجب على الموسيقي الالتزام بقواعد مُعيّنة أثناء كتابة قطعة موسيقية (وإلا ستُصبِح مُروعة)، أيضًا يكون الرياضي تابِعًا لقواعد المنطق عند اكتشاف مُعادلات جديدة.

في الواقع، أطلق ألبرت أينشتاين على الرياضيات الصريحة لقب (شِعر الأفكار المنطقية).

مِثال على كيفية وصف الجبر العلاقات بين الأنماط، على سبيل المِثال بين الأرقام، فكِّر في العلاقتين
2x=10
و
3x=9
بدلًا من اعتبارهم كأشياء مُختلِفة تمامًا، يُمكنك استنباط بأنّهما ينتميان إلى عائِلة مع المُعادلات تأخذ الشكل
ax=b
فعندما يكون كلًا من a و b أرقامًا، يُمكنك الآن إخراج حل عام:
x=b/a
والذي يعمل لكل مُعادلة من تِلك العائلة.

كل ما عليك هو إعطاء قِيَم مُناسبة لكل من a و b.

ربط الجبر بالفيزياء

فِهم نويثر العميق للجبر قادها إلى نتيجة مُهمة في الفيزياء حقيقًة.

كما سوف تتعلّم في فيزياء الثانوية العامة، بعض الأشياء تظل كما هي.

مثل الطاقة: لا تنشأ الطاقة من العدم، كما أنّها لا يُمكن أن تتلاشى فجأةً.

فعندما تركِل كرة القدم، لا تتلاشى طاقة قدمك بعد الركلة، في الواقع لقد انتقلت إلى الكُرة، لِذا فإنّ إجمالي كمية الطاقة يظل كما هو.

نحن نقول »الطاقة محفوظة«.

توجد كمية محفوظة أُخرى وهي الزخم أو كمية الحركة، وهي مُرتبِطة بسُرعة وكُتلة الجسم (والتي تتحدث عن مدى صعوبة إيقاف هذا الجسم في مساره).

فعندما تركل كرة القدم، قد تخسر قدمك زخمها بعد الركلة، لكن لم يتلاشى الزخم: لقد انتقل إلى الكرة، وإجمالي كمية الزخم يظل كما هو.

باتّساع بصيرة نويثر، اكتشفت كيف تنعكِس قوانين بقاء الطاقة هذه على المُعادلات الرياضية التي تُوصِف الفيزياء.

فعلى سبيل المثال، حِفظ الزخم مُرتبط بحقيقة أنّ المُعادلات تبدو كما هي بغض النظر عن مكانك في الفضاء، فإنّك تستخدم نفس المُعادلات سواء كنت في لندن، نيويورك أو على القمر.

وبقاء الطاقة مُرتبط بحقيقة أنّ المُعادلات تبدو كما هي بغض النظر عن موقعك في الزمن، سواء قُمت بتطبيقها اليوم، غدًا أو بعد عشرة أعوام.

عندما يظل جسم غير مُتغيرًا كما هو حتى عند تأثيرك عليه، تقول الرياضيات أنّ هذا الجسم مُتماثِل أو مُتناظِر.

فعلى سبيل المِثال، لدى صورة الفراشة تماثُل مُتطابِق لأنّك تستطيع إيجاد انعكاس لها على طول خط رأسي في مُنتصفِها بدون تغيير في شكلها.

تظل المُعادلات التي تحدّثنا عنها غير مُتغيّرة عند تحريكها في الزمن والمكان، لذا فهي أيضًا مُتماثِلة على هذا النحو.

بالتالي، تربط نتيجة نويثر قوانين بقاء الطاقة الفيزيائية بمفهوم قد يبدو للوهلة الأولى أنّه لا يمت لها بصِلة: التماثُل.

في مواجهة النزاعات

لماذا ذكر أينشتاين تعليم النساء في ثنائِه لنويثر؟ لأنّ نويثر اضطرّت إلى مواجهة كل خطوة في الطريق ليُسمح لها أن تتبع شغفها بالرياضيات.

فعندما قرّرت دخول الجامعة عام 1900، كان مازال غير مسموحًا للنساء للحصول على درجة جامعية.

كان مسموحًا لهُنَّ بحضور المُحاضرات، لكن فقط إن كان لديهن إذن الأستاذ الجامعي.

بينما كان والِد نويثر، ماكس نويثر، عالِم رياضيات بجامعة إرلنغن الألمانية، فقد كان أساتِذة الجامِعة أصدقاء العائلة، وبالتالي كانت نويثر قادِرة على كسب قبولهم.

في عام 1904، بعد أربعة أعوام من دراسة غير رسمية، أصبحت القوانين مُتهاوِنة وأخيرًا كان مسموحًا لنويثر الالتحاق بالجامِعة.

فمَضَت قُدُمًا لإكمال درجة امتياز عام 1907، التي جعلتها تحصُل على شهادة الدكتوراه.

لكن في ذلك الوقت لم يكن مسموحًا فيه للنساء الحصول على وظائِف في الجامعة، لذا قَضَت نويثر أعوامًا تعمل بدون أجر وبدون منصِب رسمي.

قام عديد من عُلماء الرياضيات والعُلماء بدعم نويثر (بما فيهم أينشتاين)، لكن لم يستمر ذلك بحلول العشرينات (1920) عند حصولها على وظيفة ذات راتِب بجامِعة غوتينغن.

كان الراتِب ضئيلًا، لكنّها استطاعت بالكاد استكمال حياتها به.

عندما تزعّم النازيون السُلطة في الثلاثينات، كانت نويثر واحدة من الأساتِذة الجامعيين الستّة الذين طُردوا من جامعة غوتينغن لأنّها كانت يهودية وليبرالية من الناحية السياسية.

بدأ أصدقاء نويثر عملية بحث حماسية لإيجاد منصب جامعي لها في الخارج.

في النهاية، مُنِحت منصب مؤقّت لمدة سنة واحدة براتِب مُتواضِع في كلية صغيرة للنساء تُدعى (برين مور – Bryn Mawr) بالولايات المُتحدة.

بحلول عام 1935، جُمع مبلغ كافي من المال بشَق الأنفُس لدعم نويثر براتِب مُنخفِض لمدة عامين آخرين.

للأسف، ماتت إيمي نويثر في عُمر صغير نسبيًّا.

في عام 1935، ذهبت إلى مُستشفى لإجراء عملية استئصال ورم كبير.

في غضون أيام كان قد اختفى حيث تمّت العملية بنجاح لكن ماتت فجأةً بعدها.

كانت في بدايات الخمسينات من عُمرِها في عِز إبداعها وقوّتِها.

لكن مازال إرثها حيًّا.

مازالت تُعتَبر واحدة من أفضل عُلماء الرياضيات أبدًا.


  • ترجمة: بسام محمد عبد الفتاح.
  • تدقيق: رؤى درخباني.
  • تحرير: عيسى هزيم.
  • المصدر