هل يمكن لركلة جزاء أن تصيب وتخطئ الهدف في نفس الوقت؟

على الأقل هذا ممكن للأجسام الصغيرة جداً.

بحسب توقعات ميكانيكا الكم، يمكن للأجسام المجهرية أن تتخذ مسارات مختلفة في نفس الوقت.

عالم الأشياء العينية (أي التي يمكن رؤيتها بالعين المجردة) له قواعد مختلفة: فكرة القدم تتخذ دائمًا مسارًا محددًا.

لكن هل هذا صحيح دائمًا؟

قام الفيزيائيون في جامعة بون (University of Bonn) بتجربة ربما يمكنها أن تثبت خطأ هذه الفرضية.

تجربتهم الأولى تظهر أن ذرات السيزيوم يمكن لها حقا أخذ مسارين في نفس الوقت.

قبل 100 عام تقريبا، أنشأ الفيزيائيون فيرنر هايزنبيرج (Werner Heisenberg) وماكس بورن (Max Born) و إرفين شرودنجر (Erwin Schrödinger) فرعاً جديداً من الفيزياء: ميكانيكا الكم.

الأجسام في عالم الكم – بحسب نظرية الكم – لا تتحرك في مسار واحد محدد بل يمكن لها أن تتخذ مسارات مختلفة وتنتهي في أماكن مختلفة في نفس الوقت.

تحدث الفيزيائيون عن تراكب(*) كمي لمسارات مختلفة.

على مستوى الذرات، يبدو الأمر وكأن الأجسام تتبع حقاً قواعد ميكانيكا الكم.

على مدار سنوات، أثبتت تجارب عديدة صحة توقعات ميكانيكا الكم.

لكن في عالمنا العيني اليومي، نحن نرى دائمًا كرة القدم تطير في مسار واحد محدد بدقة؛ هي لا تصيب وتخطئ الهدف في نفس الوقت أبدًا.

لكن لماذا؟

يقول الدكتور أندريا ألبيرتي (Andrea Alberti) من معهد الفيزياء التطبيقية في جامعة بون: “هناك تفسيران، ميكانيكا الكم تسمح بحالات تراكبية للأجسام العينية الكبيرة.

لكن هذه الحالات تزول بسرعة جداً.

مجرد تتبع الكرة بالعين كافٍ جداً لدحض التراكب وجعلها تتبع مسارًا محددًا.”

لكن هل تلعب الأجسام “الكبيرة” بقوانين مختلفة؟

يواصل الدكتور ألبيرتي شرحه: “لكن من الممكن أيضًا أن تتبع الكرة قواعد مختلفة تمامًا عن التي تتبعها الذرات المفردة.

دعونا نتحدث عن الرؤية الواقعية للعالم العيني.

بحسب هذا التفسير، الكرة تتحرك دائمًا في مسار محدد، وبغض النظر عن ملاحظاتنا، وبعكس الذرة.”

لكن أي التفسيرين صحيح؟

هل تتحرك الأجسام “الكبيرة” بطريقة مختلفة عن الأجسام الصغيرة؟

بالتعاون مع الدكتور كلايف إيماري (Clive Emary) من جامعة هال بالمملكة المتحدة (University of Hull in the U.K) استطاع فريق جامعة بون أن يبتكر تجربة يمكنها المساعدة في إجابة هذا السؤال.

يضيف الدكتور ألبيرتي: “كان التحدي هو تطوير طريقة قياس لمكان الذرات وهو ما يسمح بتكذيب النظريات الواقعية العينية”.

وصف الفيزيائيون بحثهم في الدورية العلمية (Physical Review X): باستخدام ملقاطين بصريين، قاموا بأخذ ذرة سيزيوم مفردة وشدها في اتجاهين متضادين.

بحسب العالم الواقعي العيني، الذرة ستنتهي في أحد المكانين.

لكن بميكانيكا الكم، الذرة ستنتهي في مكان هو عبارة عن مركبة المكانين.

يقول طالب الدكتوراة كارستن روبينز (Carsten Robens): “قمنا الآن باستخدام قياسات غير مباشرة لتحديد مكان الذرة بأكثر الطرق لطفًا”.

لكن حتى القياسات غير المباشرة (انظر الشكل التوضيحي) يمكنها التأثير بشدة على نتائج التجربة.

هذه النتيجة تستثني – أو بدقة أكثر، تكذب، كما يقول كارل بوبر (Karl Popper) – احتمال أن تكون ذرة السيزيوم تتبع النظرية الواقعية العينية.

نتائج تجربة فريق جامعة بون تناسب جدا تفسيرًا مبنيًا على حالات تراكبية زالت بسبب القياسات غير المباشرة.

كل ما يمكننا فعله هو قبول أن الذرة أخذت حقًا مسارات مختلفة في نفس الوقت.

يحذر ألبيرتي: “هذا ليس دليلًا بعد على أن ميكانيكا الكم صحيحة مع الأجسام الكبيرة، الخطوة التالية ستكون فصل المكانين الخاصين بذرة السيزيوم عدة مليمترات.

إذا وجدنا مكانًا تراكبيًا في التجربة، فإن النظرية الواقعية العينية ستعاني انتكاسة أخرى.

“شرح الشكل التوضيحي: قام فريق جامعة بون بتطوير طريقة قياس يمكنها حساب مكان ذرة بطريقة غير مباشرة بالنظر حيث لا توجد ذرة السيزيوم.

الشكل التوضيحي يوضح هذه الطريقة.

لنفترض أن الوعائين موجودان أمامنا والقطة مختبئة تحت أحدهما (شكل – أ)، لكننا لا نعرف تحت أيهما.

قمنا بتردد برفع الوعاء الأيمن (شكل – ب) ووجدناه فارغًا.

نحن إذن نستنتج أن القطة بالتأكيد تحت الوعاء الأيسر دون أن نقوم بإزعاجها.

أما إذا كنا قد رفعنا الوعاء الأيسر فنحن قد أزعجنا القطة (شكل – جـ) ويجب عدم الأخذ بنتيجة هذا القياس. في العالم الواقعي العيني، طريقة القياس هذه ليس لها أي تأثير على حالة القطة التي لن تنزعج طول الوقت.

لكن في العالم الكمي، فإن حتى قياس سلبي كاشف لمكان القطة كما في (شكل – ب) هو كافٍ لتدمير المكان المركب وللتأثير على نتائج التجربة.

أندريا ألبيرتي / www.warrenphotographic.co.uk&gt

(*) توضيح من المترجم: مبدأ التراكب في الفيزياء أو الرياضيات ينص على أنه في الدوال الخطية يكون محصلة تأثيرين أو أكثر عبارة عن مجموع التأثيرين.

أي إذا كان التأثير (أ) يعطي النتيجة (س) والتأثير (ب) يعطي النتيجة (ص).

فيكون وجود التأثيرين معا (أ + ب) يعطي النتيجة (س + ص).

بصيغة رياضية: د(أ + ب) = د(أ) + د(ب).


المصدر