تمّ إنضاج بويضات بشرية من مرحلتها الأولية إلى أكثر مراحلها تطورًا في المختبر لأوّل مرة في تاريخ البشرية.

البويضات الناتجة جاهزة للتخصيب وإذا كانت سليمة، فإنه يمكنها نظريًا أن تُستخدَم في تحسين علاجات التلقيح الاصطناعي IVF وكذلك مساعدة النساء اللاتي أُصبن بالسرطان عندما كنّ صغيرات.

يقول مايكل داهان من المركز الصحي بجامعة ماك جيل في مونتريال بكندا، والذي لم يشارك في العمل: «إنّه أمرٌ مثيرٌ حقًا، لأنّ هذه التقنية قادرة على تحسين العلاج».

كان العلماء قد حاولوا لسنوات أن يطوروا بويضات وحيوانات منوية بشرية في المختبر، وذلك من أجل فهمٍ أفضل لكيفيّة عمل هذه الخلايا وتحسين العلاجات لعددٍ متزايدٍ من الأزواج والأشخاص المصابين بالعقم، ولكنّ حتى الآن، تمكنّوا فقط من إجراء هذه التجارب على الحيوانات كالفئران.

تقول إيفلين تيلفر من جامعة إدنبرة، والتي قادت البحث الجديد: «إن العمل مع أنسجة الفأر أمرٌ سهلٌ للغاية، لكنّ تركيبة الأنسجة البشريّة دقيقةٌ ومختلفةٌ تمامًا، ويَرجِع ذلك جزئيًا إلى وجود جزيئات داعمة مُتعدّدة تحيط بالبويضات، ممّا يزيد من صعوبة الوصول إليها والعمل عليها»

وقد تغلّب فريق تيلفر على هذه العقبة من خلال المثابرة على تطوير تقنياتهم  لسنوات، وإضافة التعديلات باستمرار للحصول على الشروط المناسبة لنمو البويضات.

وتقول تيلفر: «لقد كنّا متفائلين. وكان الإجراء بقطع أجزاءٍ صغيرةٍ من أنسجة المبيض، مأخوذةً من عشرِ متطوعاتٍ أثناء عمليّة الولادة القيصرية».

ثم بحث الفريق عن ما يسمى «الجريبات الابتدائية primordial follicles»، وهي عبارةٌ عن بنى صغيرة لكلّ منها القدرة على إطلاق بويضة.

ويُعتقَد أنّ المرأة وُلِدت بعددٍ محدود من الجريبات، تبقى معظمها غير نشطة خلال حياتها، ولكنّ بعضها يبدأ في النمو من أجل إطلاق بويضة خلال كل مرحلة إباضة. وتقول تيلفر: «في أنثى البشر، يبدأ إنتاج البويضات عند البلوغ وينتهي بحدود سن الأربعين».

ناضجة تمامًا

تضيف تيلفر: «ثم يتمّ وضع الجريبات الابتدائية في السائل الغني بالمغذيات، حيث تبدأ في النمو.

ولا يوجد أيّ عنصر مُعيّن ينشّط عمليّة النمو»، فهي تعتقد أنّ تقطيع المبيض يكفي لإطلاق عمليّة النمو، وهذا ما ينسجم مع النتائج التي توصلت إليها مجموعة يابانية قامت بقطع المضغة من مبايض النساء ومن ثمّ إعادة زرعها لتحسين خصوبتها.

أزالت  تيلفر وزملائها البويضات بمفردها من كل جريب، وركزت على جعلها تنمو من تلقاء نفسها لحجم البويضة التي تشاهد في مرحلة الإباضة.

وعلى الرغم من أنّ بعض البويضات فشلت في جميع المراحل، فإن هنالك قسمًا منها تابع تطوّره إلى الحالة الناضجة تمامًا.

ويمكن القول أنّ هذه البويضات جاهزة للتخصيب لأنّها اجتازت مرحلة رئيسيّة من انقسام الخلية، إذ عدد الصبغيات (الكروموسومات) هو النصف.

وكانت النتيجة النهائية خلية بيضية كبيرة تحتوي على 23 صبغيًا غير متزاوج جاهزة لتندمج مع خلية الحيوان المنوية، بالإضافة إلى جسيم كروي أصغر بكثير من السيتوبلازم يحتوي على الصبغيات الأخرى، والذي يُعرف باسم الجسم القطبي، وهو يميل إلى أن يتحلل في جسم المرأة.

 

 

من أصل 310 جريب ابتدائي بدأ الفريق العمل عليه، نجا فقط 87 جريبًا من المرحلة الأولى من التجربة.

ومن بين هؤلاء، تمكّن الفريق من الحصول على 32 بويضة ناضجة تمامًا. وقد استغرقت العمليّة برمتها بين 21 و 22 يومًا.

البويضات الناتجة جاهزة تقنيًا لتصبح مُخصّبة مع الحيوانات المنوية، إلّا أنّ الفريق ليس لديه حتّى الآن ترخيص للقيام بذلك، ولكنّه تقدم بطلب للحصول على واحد.

فإذا ثبت أنها يمكن أن تنتج أجنة سليمة، سيمكن استخدام هذه التقنية في مجال علاجات الخصوبة.

غالبًا ما يتم إزالة المبيض عند الفتيات الصغيرات المُصابات بسرطانات في أجزاء من مبايضهنّ قبل أن يتلقّين علاجات يمكن أن تُلحق الضرر بآلية تجهيز البويضات، ليقوموا بعد ذلك بإعادة زرع الأنسجة عندما تصبح الفتيات أكبر سنًا وعلى استعداد لتكوين أسرة.

ولكن في بعض الأحيان لا يكون ذلك مثاليًا لأن الأنسجة قد تحتوي، على سبيل المثال، على خلايا سرطانيّة مُتبقّية.

تقنية أطفال الأنابيب أفضل

يمكن لتقنية تيلفر أن توفّر بديلًا. إذا كان يمكن تطوير بويضات ناضجة من الأنسجة المبيضية في المختبر، فيمكن أن يتم تخصيبها كجزء من عملية التلقيح الاصطناعي، وغرس الأجنة الناتجة فقط في الرحم.

ومن الناحية النظرية، يمكن أيضًا أن تستخدم هذه التقنية لتحسين تقنية أطفال الأنابيب.

حاليًا يتم إعطاء النساء اللواتي يخترن التلقيح الاصطناعي في كثير من الأحيان العلاجات الهرمونية الشاقة، والتي تؤدي إلى إطلاق عدد من البويضات في الوقت نفسه، ثم يتمّ جمعها وتخصيبها مع الحيوانات المنوية في المختبر.

وفي بعض الأحيان قد تكون البويضات غير ناضجة تمامًا للاستخدام.

في هذه الحالات، هناك فرصة أنّ تعطينا هذه التقنية الجديدة نتائج مُرْضِيَة، وأن تزيد من العدد الإجمالي المتاح لأطفال الأنابيب، وبالتالي زيادة احتمالات حدوث الحمل.

يقول داهان: «يمكننا استخدام ذلك في المساعدة على تطوير البويضات، فقد كنّا نتجاهل ذلك في الماضي».

هناك فوائد أخرى محتملة لتقنيّة الإخصاب في المختبر

فإذا كنا قادرين على استخدام الأنسجة المبيضية للحصول على خلايا البويضات الناضجة في المختبر، فلماذا إذن لا نتجنب العلاجات الهرمونية ونستخلص البويضات كليًا؟

الخضوع لجراحة إزالة قطعة من المبيض هي جراحة باضعة لن يكون لمخاطرها ما يبرره في معظم الحالات، ولكن بالنسبة للنساء اللواتي قد خضعن بالفعل لجراحة، مثل حالة الانْتِباذٌ البِطَانِيٌّ الرَحِمِيّ ‎endometriosis- وهي سبب شائع لعقم الأنثى- يمكن أن يكون ذلك خيارًا في المستقبل.

وعلى أي حال قبل أن يتم ذلك، سيكون على الفريق التأكّد من أنّ البيوض سليمة.

فعلى الرغم من أنّها نضجت تمامًا، فهي ليست مُطابقة لتلك التي أُطلقت من المبيضين، وعلى وجه الخصوص، فإنّ الأجسام القطبيّة التي تنتجها أكبر بكثير من المعتاد، على الأقل ضعف حجمها الطبيعي.

قد يكون هذا غير ضار، إذ يتم تجاهل الأجسام القطبيّة على أي حال، ولكن إذا كانت البويضات تفقد سيتوبلازم ذا قيمة، يحتوي على حجيرات توفير الطاقة، فإنّها قد تنتهي إلى أسوأ نتيجة ممكنة.

وفي هذه الأثناء، تأمل تيلفر أنّ هذه التقنية سوف تساعدها والآخرين على فهم المزيد عن كيفية تطوّر البويضات، وما يحدث على نحو خاطئ في اضطرابات الخصوبة التي تؤدي إلى نقص البويضات، والمعروفة باسم قصور المبيض الأولي primary ovarian insufficiency.

وتقول تيلفر: «هناك العديد من الحالات التي تفقد فيها النساء البويضات في وقتٍ مبكرٍ من الحياة، أو أنّها لا تنمو من الأساس.

وإذا استطعنا فهم هذه العملية، يمكننا تطوير العلاجات لذلك».


  • تدقيق: هدى جمال عبد الناصر
  • تحرير: بشار الحجي
  • المصدر