في عام 2000 أعلن معهد كلاي للرياضيات عن جائزة الألفية لحل المسائل الرياضية. وكانت عبارةً عن مجموعةٍ مكوَّنةٍ من سبعةٍ من أهم المسائل الرياضية التي لا تزال دون حلٍ حتى الآن.

عرض المعهد جائزةً قدرها مليون دولارٍ لأي شخصٍ يستطيع أن يضع حلًا صحيحًا تتم مراجعته لأيٍ من المسائل السبعة، يعكس ذلك أيضًا الأهمية القُصوى لإيجاد حلولٍ لتلك المسائل الرياضية.

في حين أن أحد تلك المسائل كانت (حدسيَّة بوانكاريه)، التي تم وضع حلٍّ نهائيٍّ لها في عام 2006 عن طريق عالم الرياضيات المشهور (جريجوري بيريلمان) والذي رفض جائزة المليون دولار ورفض أيضًا وسام فيلدز (Fields Medal – وهي أعلى جائزة تقدم في الرياضيات وتعادل جائزة نوبل) ، إلا أنَّ باقي المسائل تبقى دون حلٍّ حتى الآن. ها هي المسائل الرياضية الستّة الباقية والتي يساوي حل أي منها مليون دولار.

المجموعات كثيرة الحدود والمجموعات كثيرة الحدود الغير قطعية

بعض المسائل الرياضية يكون حلها سهلًا، والبعض الآخر يكون حلها صعبًا. في عالم الرياضيات وعلوم الحاسب الآلي، هناك العديد من المسائل التي نعلم كيفية برمجة الحاسب الآلي لحلها سريعًا مثل العمليات الحسابية الأساسية وترتيب عناصر المجموعات والبحث في جداول البيانات.

هذه المسائل يُمكن حلها في (وقتٍ متعدد الحدود) يُمكن اختصاره بالحرف (P).

وهو يعني عدد الخطوات التي يتطلبها جمع رقمين أو ترتيب مجموعةٍ من العناصر في قائمة، يزداد عدد تلك الخطوات مع زيادة الأرقام المطلوب جمعها أو العناصر في القائمة المطلوب ترتيبها.

في حين أن هناك مجموعةً أخرى من المسائل الرياضية والتي يمكن التأكد من صحة أي حلٍ وُضع لها، ولكن توجد طريقةٌ ما لإيجاد الحلول لها.

إيجاد العوامل الأوليَّة لرقمٍ كبيرٍ هي مسألةٌ رياضيةٌ ينطبق عليها المثل السابق، إذا كانت لديَّ قائمةٌ من الأرقام المُحتمل أن تكون عوامل أوليَّةً للرقم الكبير فيُمكنني إيجاد حاصل ضربهم معًا جميعًا ثم يمكنني التأكد من أنَّ الناتج هو الرقم الأصلي الكبير.

ولكن ليس هناك طريقةً معروفةً حتى الآن لإيجاد العوامل الأوليَّة لرقمٍ عشوائيٍ كبير.

في الواقع، تأمين شبكة الانترنت يعتمد على تلك الحقيقة. لأسبابٍ تاريخيةٍ وتقنية، فإن المسائل التي يُمكننا التحقق من مدى صحة حلولها الممكنة بسهولةٍ يُقال أنها يُمكن حلها في (وقت متعدد الحدود غير قطعيّ) ويُرمز لها بالرمز (NP).

أي مسألةٍ تحت تصنيف (P) تنتقل بشكل تلقائي لتصنيف (NP) فبما إنه يمكنني حلها سريعًا، فيُمكنني بنفس السرعة التحقق من صحة الحلول المقترحة ببساطةٍ عن طريق حل المسألة والتحقق من أن الإجابات تتطابق مع الحلول المقترحة.

تتلخص أهمية السؤال حول مجموعات المسائل تحت تصنيف (P) و (NP) في أنه كون العكس صحيحًا أم لا، إذا كان يُمكنني التحقق من صحة الحلول الممكنة لمسألةٍ ما بسهولةٍ فهل يُمكنني إكتشاف طريقةٍ لوضع تلك الحلول الممكنة بسهولةٍ أيضًا؟ مُعظم علماء الرياضيات والحاسب الآلي يؤمنون بأنَّ الإجابة هي (لا).

إذا وُجدت خوارزميةٌ ما لحل المسائل الرياضية تحت تصنيف (NP) في وقتٍ متعدد الحدود ستكون لها آثارٌ صادمةٌ للعقل من الناحية الرياضية والعلمية والتكنولوجية، وهذه الآثار يُستبعد أن تكون موجودةً في عالمنا تمامًا، مما يجعلنا نشك في إمكانية ذلك فعليًا.

وبكل تأكيدٍ فإن إثبات عدم وجود خوارزمياتٍ لحل مثل ذلك النوع من المسائل مهمةٌ شاقةٌ تكاد تكون مستحيلة. إذ يتطلب الأمر فهمًا أعمق لطبيعة تلك المعلومات والحسابات لنتمكن من وضع بيانٍ واضحٍ حول تلك الأنواع من المسائل. وبكل تأكيدٍ سنحصل على نتائج أبعد وأكثر عمقًا.

معادلات نافييه – ستوكس

إنه لأمرٌ مُفاجئٌ حينما نكتشف صعوبة تفسير ما يحدث حينما تَصُب اللبن على قهوتك الساخنة صباحًا. معادلات نافييه – ستوكس هي نسخة قوانين نيوتن الثلاثة للحركة ولكن الخاصة بديناميكا الموائع.

فهي تصف تَشكُّل وحركة الموائع سوائل كانت أم غازات تحت الظروف المُختلفة.

قانون نيوتن الثاني يُعطي وصفًا دقيقًا لمدى تغير سرعة الأجسام تحت تأثير القوى الخارجية، في حين أنَّ معادلات نافييه – ستوكس تصف التغير الحادث لسرعة تدفق الموائع المُختلفة تحت تأثير القوى الداخلية مثل الضغط واللزوجة بالإضافة إلى القوى الخارجية مثل الجاذبية.

تُعتبرمعادلات نافييه – ستوكس نظامًا من المعادلات التفاضلية، وتستطيع المعادلات التفاضلية أن تصف مدى التغير الحادث لكميةٍ معينةٍ بالنسبة إلى الوقت، عند توفر قيم المتغيرات في نقطة البداية، فهي تصلح لوصف مُختلف الأنظمة الفيزيائية.

في حالة معادلات نافييه – ستوكس، يُمكننا البدء بتدفقٍ لمائعٍ ما، ومعادلاتٍ تفاضليةٍ تصف كيف يتشكل هذا التدفق ويتطور تدريجيًا.

حل تلك المعادلات التفاضلية يعني إيجاد صيغةٍ رياضيةٍ لتحديد التغير الطارئ لكميةٍ معينةٍ عند وقتٍ محدد، مُعتمدين على المُعادلات التي تصف كيفية تغير تلك الكمية.

هناك العديد من الأنظمة الفيزيائية التي يتم وصفها عن طريق المعادلات التفاضلية، مثل اهتزاز أوتار الجيتار، أو تدفق الحرارة من شيءٍ ساخنٍ إلى شيءٍ بارد، وهناك العديد من الحلول المعروفة لتلك المعادلات المختلفة.

بالرغم من ذلك، فإن معادلات نافييه – ستوكس أكثر صعوبة. رياضيًا، إن الأدوات التي تُستخدم لحل باقي المعادلات التفاضلية لم يتم اثبات فعاليتها في حل معادلات نافييه – ستوكس. فيزيائيًا، تتصرف الموائع بصورةٍ عشوائيةٍ يغلب عليها الاضطراب.

مثل الدخان المُتصاعد من شمعةٍ أو من السجائر يميل في البداية للتدفق بسلاسةٍ ويُسرٍ بصورةٍ مُتوقعة، ولكن سرعان ما يتغير كل ذلك ويتحول السريان لدواماتٍ والتواءاتٍ غير متوقعةٍ وعشوائية.

من الممكن أن نقول أن تلك الأنواع من الاضطرابات والعشوائية تعني أنَّ معادلات نافييه – ستوكس لا يُمكن إيجاد حلولٍ لها في جميع الحالات. قد يكون من الممكن تكوين بعض الموائع الرياضية المثالية التي تتبع المعالات الرياضية، ولكنها في النهاية تضطرب بشكلٍ لانهائي.

أي شخصٍ يُمكنه إيجاد طريقةٍ لحل معادلات نافييه – ستوكس في جميع الحالات، أو إيجاد حلٍ لها في إحدى تلك الحالات التي لا يُمكن إيجاد حلٍ لها، سيربح جائزة الألفية لتلك المسألة الرياضية.

نظرية يانج – ميلز ومسألة وعجز الكتلة الكمومية

الرياضيات والفيزياء دائمًا ما تشتركان في كثيرٍ من العلاقات النفعية. فالتطور في الرياضيات غالبًا ما كان يفتح العديد من الطرق الجديدة نحو النظريات والاستكشافات الفيزيائية التي تدفع إلى تقصِّي أعمق في التفسيرات الرياضية التي تقبع خلفها.

يُمكن القول أن ميكانيكا الكم هي أكثر النظريات الفيزيائية نجاحًا في التاريخ. المادة والطاقة يختلف سلوكهما اختلافًا تامًا على مستوى الجسيمات الذرية ودون الذرية، وكان وضع تفسيرٍ نظريٍّ وعمليٍّ مقبولٍ يُفسر ذلك السلوك من أعظم انجازات القرن العشرين.

واحدةٌ من أعظم أسس ميكانيكا الكم الحديثة هي نظرية يانج – ميلز، والتي تصف السلوك الكمِّي للموجات الكهرومغناطيسية والقوى النووية الكبيرة والصغيرة بصيغةٍ رياضيةٍ أمكن الحصول عليها من دراسة التماثل الهندسي. تم التحقق من صحة تنبؤات نظرية يانج – ميلز عن طريق تجاربٍ عملية ٍلا تعد ولا تُحصى، وتُعتبر النظرية جزءًا هامًا من فهمنا لكيفية تكون الذرات.

على الرغم من نجاح النظرية فيزيائيًا، إلا أنَّ الأسس الرياضية للنظرية لازالت غير واضحةٍ تمامًا. أحد تلك المشاكل هي عجز الكتلة والتي تتطلب جسيماتٍ دون ذريةٍ مُعينةٍ والتي تتماثل بطريقة ما مع الفوتونات عديمة الكتلة بدلًا من امتلاكها الفعلي لكتلةٍ موجبة.

العجز في الكتلة هو جزءٌ هامٌ في تحديد سبب كون القوى النووية كبيرةً جدًا مقارنةً بالكهرومغناطيسية والجاذبية، ولكنها ذات مدىً أقصر.

إذًا، فجائزة الألفية هنا تذهب لمن يستطيع وضع صيغةٍ رياضيةٍ عامةٍ لنظرية يانج- ميلز، وأن يضع تفسيرًا رياضيًا جيدًا لمشكلة عجز الكتلة.

فرضيات ريمان

بالعودة إلى الأزمنة القديمة، نتحدث عن الأعداد الأولية (تلك الأعداد التي تقبل القسمة على نفسها وعلى الواحد الصحيح فقط) وما تمتلكه من سحرٍ خاصٍ بها في الرياضيات. على المستوى الأساسي، فإن الأعداد الأولية هي وحدات البناء للأرقام الصحيحة، حيث أن أي رقمٍ صحيحٍ يُمكن كسره بشكلٍ فريدٍ إلى عدة أعدادٍ أولية.

ونتيجة لما تحصل عليه الأعداد الأولية من تسليطٍ للضوء، فإن الأسئلة حول توزيع الأعداد الأولية على خط الأعداد (أي كم تبلغ المسافة بين كل رقمٍ والآخر) تجذب اهتمام الكثيرين.

في القرن التاسع عشر استطاع علماء الرياضيات اكتشاف صيغٍ رياضيةٍ مختلفةٍ تستطيع إيجاد فكرةٍ تقريبيةٍ عن متوسط المسافة بين الأعداد الأولية.

ولكن ما يبقى مجهولًا حتى الآن هو إلى أي مدىً يُصبح متوسط المسافات هذا قريبًا للتوزيع الحقيقي للأعداد الأولية، سواءً كانت تلك المتوسطات في مناطق من خط الأعداد تكثر فيها الأعداد الأولية أو تلك المناطق الأخرى التي تقل فيها.

فرضيات ريمان تُحدد من تلك الإمكانية عن طريق وضع حدودٍ لمدى تطابق التوزيع المتوسط الافتراضي مع التوزيع الحقيقي.

يُمكن التعبير عن تلك النظرية بشكلٍ آخر وهو ما اعتدنا أن تُقال به، هل صحيحٌ أم لا أنَّ حلول أي معادلةٍ مبنيةٍ على أساسٍ رياضيٍ يُدعى (دالّة ريمان زيتّا) تقع جميعها على خطٍّ مُعينٍ في مستوى الأعداد المُركبة.

في الواقع فإن دراسة الدّوالّ مثل دالة زيتا أصبحت محل اهتمام علماء الرياضيات، مما يضع فرضيات ريمان والمسائل المتعلقة بها موضع اهتمامٍ أكبر.

حتى الآن تم إيجاد حوالي 10 تريليون حلًا لمعادلة دالة زيتا بطرقٍ حسابيةٍ جميعها يقع على الخط المطلوب، دون ظهور أي مثالٍ على نتائج مُخالفة.

بالطبع من الناحية الرياضية فإن أكثر من 10 تريليون مثالًا لصحة تلك الفرضيات لا يُمكنها أن تحل محل اكتشاف إثباتٍ واضحٍ ودامغٍ لفرضيات ريمان. مما يجعلنا منتظرين أحد الفائزين الآخرين بجائزة الألفية.

حدسيَّة بيرخ وسوينيرتون ديير

تُعدّ معادلات ديوفانتين واحدةً من أقدم وأوسع الدراسات الرياضية، وهي معادلاتٌ متعددة الحدود نريد أن نحصل لها على حلول الأعداد الصحيحة. ثلاثيات فيثاغورث هي مثالٌ كلاسيكيٌّ على تلك المعادلات يمكنك حتى أن تتذكره من مدرستك الثانوية، وهي مجموعاتٌ من ثلاثة أرقامٍ صحيحةٍ تُحقق معادلات فيثاغورث (x^2+y^2=z^2).

في السنوات اللاحقة، درس علماء الجبر المنحنيات الإهليجيَّة الشكل بشكلٍ أخصّ، والتي يتم وصفها بنوعيةٍ معينةٍ من معادلات ديوفانتين.

هذه المنحنيات الإهليجيَّة لها تطبيقاتٌ هامةٌ في نظريات الأعداد والتشفير الرقمي، وإيجاد حلٍّ من الأعداد الصحيحة أو الغير صحيحة لهذه النوعية من المعادلات أصبح مجالًا هامًا للدراسة.

واحدةٌ من التطورات المدهشة التي حدثت في مجال الرياضيات في الفترة الأخيرة هي اثبات (أندرو ويلز) لآخر نظريةٍ كلاسيكيةٍ ل (فيرمات)، والتي تنص على أن ثلاثيات فيثاغورث ذات الأسس الأعلى لا يمكن أن تكون موجودة.

إثبات ويلز لهذه النظرية ما كان إلا نتيجةً مترتبةً على الدراسة الأوسع والأشمل لنظرية المنحنيات الإهليجيَّة الشكل.

حدسية (بيرش) و(سوينرتون داير) تمُدنا بمجموعةٍ إضافيةٍ من الأدوات التحليلية لفهمٍ أعمق لحلول المعادلات التي تصف المنحنيات الإهليجيَّة.

حدسيَّة هودج

إن الوصف الرياضي للشكل الجبري هو بشكلٍ عامٍ دراسة الأشكال ذات الأبعاد الأعلى والتي يُمكن تعريفها جبريًا كمجموعة حلولٍ للمعادلات الجبرية.

مثالٌ شديد البساطة قد تتذكره من المدرسة الثانوية هي تلك المعادلة (y=x^2) والتي ينتج عنها منحني القطع المكافيء حينما يتم رسم تلك الحلول على قطعةٍ من ورق الرسم. الشكل الجبري يتعامل مع الأبعاد الأعلى المماثلة لذلك النوع من المنحنيات حينما نتعامل مع نظامٍ متعدد المعادلات، أو معادلاتٍ ذات أكثر من متغير، أو معادلاتٍ على مستوى الأعداد المركبة بالإضافة إلى الأعداد الحقيقية.

شهد القرن العشرون ازدهار طُرقٍ متطورةٍ لفهم المنحنيات والأسطح المختلفة والتي تخضع جميعها للأشكال الجبرية.

صعوبة تخيل تلك الأشكال يُمكن التقليل منها عن طريق أدوات حسابيةٍ معقدة.

حدسية هودج تقترح أن كل نوعٍ من البناءات الجبرية لديه نظيرٌ جبريٌ معيّنٌ مفيدٌ يُمكن استخدامه في دراسةٍ أفضل لتصنيف تلك الأشكال.


  • ترجمة: محمد خالد عبدالرحمن
  • تدقيق : م. قيس شعبية
  • تحرير: محمد سمور
  • المصدر