كاتب هذا المقال هو بول سوتر Paul Sutter : وهو عالم الفيزياء الفلكية في جامعة ولاية أوهايو وكبير العلماء في مركز العلوم COSI.

ربما تعتقد أنه من السهل وصف الإليكترونات، من خلال الشحنة والكتلة وهكذا يمكن استخدام هذين الرقمين الضئيلين لوصف مجموعة كاملة من الظواهر الكهرومغناطيسية.

لكن الباحثين تعلموا أن تلك الجسيمات أكثر تعقيدا من هذا الوصف البسيط.

في عام 1922 قام كل من أوتو شتيرن Otto Stern ووالتر جيرلاش Walther Gerlach بتجربة من خلالها يتم إطلاق بعض من ذرات الفضة – المحايدة كهربائيا – عبر حقل مغناطيسي متغير ولاحظا شيئا لم يستطيعا تفسيره.

كان إعداد التجربة يتطلب ذرات الفضة والمعروفة بأنها متعادلة – فالإلكترونات السالبة الخاصة بهذه الذرات متعادلة تماما مع البروتونات الموجبة من ناحية الشحنة.

لو أجريت هذه التجربة وأنت لا تعرف شيئا عن الميكانيكا الكمومية (مثلما كان شتيرن وجيرلاش) فلابد أن تتوقع نتيجةً من اثنين:

النتيجة الأولى الأكثر احتمالا – وهي لا تحمل الكثير من الإثارة – الذرات المتعادلة كهربيا لن تتأثر بالمجال المغناطيسي ، وبالتالي ستسير الذرات في خطوط مستقيمة خلال الجهاز دون أي تأثر.

ولكن لو أن مكونات الذرة تتصرف كما لو كانت كرات معدنية والتي بالطبع لها كتلة وشحنة ولكن بمقدورها كذلك أن تدور حول محورها (بشكل لفٍّ مغزلي)، فإن كمية الحركة الزاوية (الزخم الزاوي) سوف تتأثر بالمجال المغناطيسي المحيط لينتج عنها عزم دوران torque .

إن هذا التأثير يحدثه المجال الكهرومغناطيسي بصورة طبيعية، تستطيع أن تجرب تلك الظاهرة بنفسك في المنزل، لو استطعت أن تجمع مكونات التجربة من مجال مغناطيسي قوي وكرات معدنية تدور بسرعة حول نفسها.

وبما أن كل ذرة منفردة لديها عزم دوران عشوائي في اتجاهه العشوائي، سيكون التأثير الكلي على الذرات هو أن تتبعثر تمامًا في كل الاتجاهات، وبالتالي فإنها ستتبعثر على سطح شاشة الاستقبال بعد مرورها بالمجال المغناطيسي.

لكن ما حير شتيرن وجيرلاش أن النتيجة التي حصلا عليها لم تشبه أيًّا من الاحتمالين السابقين.

مفترق الطرق

وجد العالمان أن ذرات الفضة قد تشكلت على هيئة بقعتين من ذرات الفضة التي تم استخدامها في التجربة، فالذرات لم تتحرك في خط مستقيم كما كان متوقعا، ولم تنتشر الذرات في كل الأنحاء بالتساوي، ولكن ما حدث أن ذرات الفضة تشكلت على هيئة بقعتين متميزيتين منفصلتين، مجموعة صاعدة والأخرى هابطة.

لقد كانت نتيجة هذه التجربة أحد الأدلة الأولى الدامغة على أن الأجسام دون الذرية تتصرف وفق قواعدها الغرائبية. في هذه الحالة كان التأثير الكمومي واضحًا بجلاءٍ تام.

لقد اتضح للباحثين أن للذرات (على وجه أدق الجسيمات التي تكون الذرات) خاصية لم تكن معروفة من قبل تظهر فقط في وجود مجال مغناطيسي.

بما أن هذه الذرات تصرفت بشكل يقارب تصرف كرات معدنية مشحونة تدور بشكل مغزلي، فلقد أطلق على هذه الخاصية الجديدة إسم «اللف المغزلي».

وبالتالي أصبح للجسيمات التي تشبه الإليكترونات ثلاثة خصائص : الكتلة والشحنة و اللف المغزلي.

البحث عن خصائص اللف المغزلي

الآن أصبح بالإمكان أن نجري التجارب لنكتشف خصائص اللف المغزلي وطبيعته وتفاعله مع القوى الأخرى والأجسام الموجودة في الطبيعة تماما كما نضع التجارب لاستكشاف الكتلة والشحنة.

لقد تبين أن اللف المغزلي له بعض الخصائص الغريبة في الواقع.

لكل نوع من الجسيمات مقدار لفٍّ مغزليٍّ ثابت. فمثلًا اللف المغزلي للإليكترون دائمًا مقداره ½ .

بالنسبة للجسيمات الأخرى قد يساوي اللف المغزلي لها 1 أو 3/2 أو 2 وربما يساوي 0. قيمة اللف المغزلي لجسيم ما تحدد إتجاه اللف المغزلي الذي نقيسه فعليًا.

مثلا اللف المغزلي ½ لجسيم مثل الإليكترون يمكن أن يقاس ليصبح +1/2 أو -1/2 طبقا للإنحراف العلوي أو السفلي لتجربة شتيرن-جيرلاش.

اللف الدوراني الذي يحمل رقم 1 لجسيم مثل الفوتون يمكن أن يقاس ليصبح إتجاهه +1 أو 0 أو -1 فقط. هو أمر مربك قليلا لكن هكذا حدده الفيزيائيان اللذان وصفا الأمر لأول مرة منذ 100 عام.

ضع في اعتبارك أن الاتجاه الفعلي للدوران يمكن أن يشير إلى أي مكان – تخيل سهمًا موسومًا على كل الجسيمات. طول هذا السهم ثابت لكل نوع من الجسيمات ولكن مسموح لنا فقط بقياس عدد محدود من الاتجاهات.

إذا أشار السهم حتى بشكل بسيط إلى أعلى فستكون نتيجة التجربة +1/2. أما إذا أشار قليلا أو كثيرا إلى أسفل، لن يمثل هذا فارقًا لأن هذا الجسيم سيحصل على -1/2.

إنها مثل نظام ملاحة جي بي إس (GPS) ولكنه يعمل بصورة سيئة: بدلا من إعطائك توجيهات دقيقة يخبرك فقط، «إذهب شمالًا 500 خطوة»، أو «إذهب جنوبًا 500 خطوة » لتصل إلى هذا المطعم.

الحد الأقصى

إن الطبيعة المحيرة لميكانيكا الكم هي التي تحد بشكل أساسي من قدراتنا على قياس الأشياء على نطاق صغير.

بعد الكثير من التجارب أضيفت قواعد اللف المغزلي إلى ما يعرفه علماء الفيزياء الكمومية، والتي كان يتم العمل على تطوير مفاهيمها في عشرينيات القرن العشرين، ولكن في ذلك الوقت لم يكن هناك توافق بين مفاهيم الكم واللف المغزلي.

كذلك فإن معادلات العالم الكمومي والتي يعرفها الناس الآن – مثال على ذلك معادلة شودنجر التي تحسب لنا احتمالات مواقع جسيم – لا تتضمن مفهوم اللف المغزلي.

تنبع المشكلة من النهج الذي اتخذه شرودنجر حينما شرع في تصوير العالم الكمومي. في بداية العشرينات وضع أينشتين نظريته للنسبية الخاصة والتي أصبحت بالنسبة للفيزيائين أمرًا مسلما به بالشكل الذي ينبغي أن يتضمنه أي قانون فيزيائي جديد.

ولكن عندما كتب شرودنجر نسخةً من معادلته تتوافق مع النسبية، لم تكن النتيجة مفهومة بالنسبة له، لذلك ترك تلك المعادلة واستخدم معادلة أقل دقة ولكنها كانت لاتزال قابلة للتطبيق وهي الصيغة التي عرفناها وأحببناها.

بالرغم من أن رؤية شرودنجر كانت مفيدة بشكل رائع للعالم الكمومي، لكن وصفه لم يكن يتضمن أي توصيف لظاهرة اللف المغزلي – الأمر الذي احتاج إلى إعادة صقل.

في نفس الوقت تقريبًا استطاع بول ديراك Dirac Paul والذي كان بارعا في النمذجة الرياضية بإعادة صياغة وتوحيد ميكانيكا الكم مع النسبية الخاصة في صورة رياضية كما لم يستطع زميله شرودنجر.

ونتج عن دمج ميكانيكا الكم والنسبية الخاصة ظهور مفهوم اللف المغزلي في المعادلات، والتي وصفت تعريفًا ل “اللف المغزلي”، ولو استطاع ديراك إنتاج تلك المعادلات مبكرًا قبل تجربة شتيرن و جيرلاش لربما تنبأ بنتائجها

لقد اكتشفنا اللف المغزلي بالتجربة العملية، ولكن ما استطاع ديراك أن يقدمه هو أن يوضح لنا أننا يجب أن نغير طريقة تفكيرنا تمامًا لنفهم تلك الخاصية.

فالجسيمات ما دون الذرية لا يمكن تشبيهها بكرات صغيرة تدور حول نفسها. إن سلوك الجسيمات ما دون الذرية أعقد كثيرا بحيث لا يشبه أي محاولة للاستعارة.

ببساطة لايوجد وصف كلاسيكي يستطيع أن يشرح هذه الخاصية الغامضة. فاللف المغزلي هو خاصية أساسية في هذا الكون والتي تنشأ من تقاطع ميكانيكا الكم والنسبية الخاصة ولا يمكن أن نضع لها تشبيهًا في عالم الأجسام الكبيرة.

فقط من خلال معادلات ديراك الرياضية يمكننا أن نضع التنبؤات عن سلوك اللف المغزلي ونتعامل مع تلك الظاهرة الفيزيائية.

وبالتالي من المؤسف أن الإجابة الوحيدة عن السؤال «ما هو اللف المغزلي؟» هو أن نشير في صمت الى المعادلات التي ألفها ديراك.


  • ترجمة : مصطفى العدوي.
  • تدقيق: بدر الفراك.
  • تحرير: رؤى درخباني.

المصدر