هل يجب أن يكون المرضى نائمين أم مستيقظين أثناء جراحة الدماغ؟

أظهرت دراسة أنّ التجارب السريرية للتحفيز العميق للدماغ deep brain stimulation أنّ جراحة الدماغ للمرضى النائمين أفضل أو على قدم المساواة فيما لو كانوا مستيقظين.

التحفيز العميق للدماغ DPS هو إجراء جراحي طويل الأمد يُخفف من الآثار الجانبية لمرض باركنسون Parkinson’s disease والرُعاش مجهول السبب essential tremor عن طريق نبضات لمسرى (قُطب) كهربائي بالغ الصغر يُزرع في الدماغ. في الوقت الراهن، يُجري مُعظم الجراحين حول العالم هذه الجراحة في حين يبقى المريض مستيقظًا.

تستغرق عملية زرع الأقطاب الكهربائية المتحكمة بالحركة في مناطق محددة منَ الدماغ مِنْ أربع إلى ست ساعات، ويعتبر هذا الإجراء ممارسة طبية معيارية (قياسية) لإبقاء المريض مستيقظًا. إلا أنّ التطورات التكنولوجية في مجال التصوير مكّنت أطباء الأعصاب في جامعة أوريغون للصحة والعلوم OHSU من رسم خارطة دقيقة للدماغ قبل وأثناء العملية. ممّا أتاح لهم إجراء الجراحة بسرعة لمريض مُنوّم.

يقول كيم بورشيل Kim Burchiel، أستاذ جراحة المخ والأعصاب في كلية الطب بجامعة أوريغون: «لا تحتاج إلى عالم صواريخ أو جراح أعصاب كي يُخبرك أنّ المرضى يفضّلون ذلك (التنويم) ».

والسؤال هو: هل يمكن الاعتماد على النتائج السريرية؟

تشير الأبحاث الجديدة إلى الإجابة بنعم. وتشير نتائج التجارب السريرية على 69 شخصا خضعوا لعملية التحفيز الدماغي العميق في جامعة أوريغن، ونُشِرَ في مجلة علم الأعصاب journal Neurology، أنّ النتائج السريرية للذين خضعوا لهذه العملية وهم مُنوّمين أفضل من حيث التواصل والإدراك والكلام. ولم يُلحظ فرق واضح في تَحسن تباطؤ الحركة والصَمَل العضلي* أو الرعاش بين أولئك المنوّمين مقارنة مع من ظلّو مستيقظين أثناء هذه العملية.

تَحسُّن في طلاقة النطق:

المؤلف الرئيسي للبحث ماثيو برودسكي Matthew Brodsky، دكتوراه في الطب وأستاذ مشارك في علم الأعصاب والمدير الطبي لبرنامج التحفيز العميق للدماغ في كلية أوريغن الطبية، كان مهتمًا بالتحسّنات المتعلقة بالكلام تحديدًا.

على الرغم من أنّ التحفيز العميق للدماغ يمكنه أن يحسّن الوظيفة الحركية بشكل كبير متجاوزًا ما تقدمه الأدوية، لكن من تأثيراته الجانبية الشائعة فقدان الطلاقة في الكلام. افترض برودسكي أنّ السبب قد يرجع إلى أنّ التحفيز العميق للدماغ على مريض مستيقظ يتطلب من الجراحين زرع العديد من الأقطاب الكهربائية  في أنسجة المخ لتحديد موقع وحدود المنطقة المستهدفة. تم اختبار طلاقة الكلام لدى المرضى بعد خضوعهم لتلك الإجراءات.

ويقول برودسكي: «المرضى المُنومين والذين خضعوا للتحفيز العميق للدماغ تحسّنت مهارة الكلام لديهم مقارنة بالمرضى المستيقظين».

ولاحظ الدكتور بورشيل، وهو مؤلف مشارك في الورقة البحثية، توقّف إجراء الجراحات على مرضى مستيقظين منذ يناير 2011. الدراسة قارنت المرضى المستيقظين الذين خضعوا للتحفيز العميق للدماغ في عام 2010 مع المرضى المُنومين الذين خضعوا لنفس الإجراء.

أجرى الدكتور بورشيل الجراحة في كلتا الحالتين.

وقال بورشيل: «إذا كانت نتيجة المريض المستيقظ ليست أفضل أو على الأقل بنفس نتيجة المريض وهو مُنوّم بالتحفيز الدماغي العميق، فإنه ينبغي أن تتوقف عنه!. هذا البحث حقيقةً يُعدّ نقطة تحوّل فارقة، لأنّنا في وضع يتيحُ لنا القول، لماذا كنّا في أي وقت مضى نقوم بعملية جراحية والمريض مستيقظ إذْ كان بوسعنا الحصول على نفس النتائج أو أفضل منها عند تنويّم المرضى، ناهيك عن رضى المرضى المنومين بشكل أكبر!»

أعضاء جامعة أوريغن روّاد التحفيز الدماغ العميق

على الرغم من أنّ جامعة أوريغن تمثّل الأقلية الآن (التي تجري العملية)، لكن يعتقد بورشيل أنّه سيكون هناك تدافع إلى التنويم التحفيزي العميق لدماغ المرضى بين جراحي الأعصاب في جميع أنحاء العالم في غضون السنوات القليلة المقبلة. صنع بورشيل سمعته منذ ما يزيد عن 25 عامًا باعتباره رائدًا في التحفيز العميق للدماغ، وأوّل طبيب يقوم بإجراء الجراحة في الولايات المتحدة. تُجرى الجراحة الآن في ما يقارب 100 مركز طبي في الولايات المتحدة الأمريكية، بما في ذلك جامعة أوريغن.

في حال تمّ الإجراء والمريض مستيقظ يُستخدَم (تسجيل لأقطاب مكروية- microelectrode recording– MER )، لتحديد المنطقة الهدف لزرع القُطْب المُحفّز داخل الدماغ. ويبقى المريض مستيقظًا للإجابة على الأسئلة والتحقق من الفعالية. ومع ذلك، فإنّ فاعلية هذه الأقطاب المكروية تتطلب من جرّاح الأعصاب إرسال مسبار(مَجَسّ) إلى داخل الدماغ مرتين على الأقل، المرة الأولى  لتحديد منطقة MRE والثانية لوضع القُطب الكهربائي العامل بالبطارية والذي سيُترَك داخل الدماغ.

وقال برودسكي: «في التحفيز العميق لدماغ مريض منوّم، نحتاج الدخول للدماغ مرة واحدة فقط. لم يطلب منا مريض واحد القيام بذلك وهو مستيقظ، بل على العكس، قَصَدنا الناس من أنحاء البلاد للخضوع لتحفيز عميق للدماغ وهم نائمون».
كانت كيتلين إيفانز أحد هؤلاء المرضى،وهي أحد سكان سياتل تبلغ من العمر 56 عامًا، قد خضعت لعملية تحفيز الدماغ العميق في سبتمبر، ولا تتذكّر العملية بعد التخدير في غرفة العمليات. وبعد عشرين يومًا، بعد أن قام الكادر الطبي ببرمجة قطبها الكهربائي، ارتاحت فورًا من (خلل التوتر- dystonia) الذي كان يصيبها منذ تشخيص إصابتها بمرض باركنسون في عام 2013. وبمجرد أن بدأ القطب الكهربائي بالعمل، قامت هي وزوجها بالتنزّه بجوار المشفى.

وقالت: «لقد سِرْت بشكلٍ مريحٍ للمرّة الأولى منذ خمس أعوام».

تدرك إيفانز أنّ الإجراء لا يعالجها من مرض باركنسون ولكنه يخفف أعراض مرضها فقط. وعلى المدى الطويل، لديها ما يدعوها إلى الثقة بأنّ علماء وأطباء جامعة أوريغن سيزيدون من تحسين النتائج.

وأضافت: «آمل أن تستمر هذه العملية بضع سنوات وساستمتع بنفسي، في الوقت نفسه الذي  يعرف به هؤلاء الأطباء طريقة علاجي».

في هذه الأثناء، تُشير أحدث الأدلة نحو فوائد التحفيز العميق للدماغ في حين يكون المرضى نائمين.

*الصَمَل العضلي muscle rigidity: تصلب وانعدام مرونة العضلات.


المواضيع ذات الصلة:


  • تدقيق: قُصي السمان
  • تحرير: زيد أبو الرب

مصدر1/مصدر2