تخيّل عالمًا.

اكلمك الآن جدّيًا.

لن أناقش طبيعة الشخص المرسوم في ذهنك (ولكنني سوف أخمن: أهو أبيض البشرة؟ ذكر؟ ذو شعر أشعث؟.

هذا ليس مفاجئًا، ولكنه موضوع (ذو مدلول) آخر تمامًا).

أنا أشدّ فضولًا حول افعالهم.

ريك سانشيز Rick Sanchez من مسلسل “Rick And Morty” يجسد هذه النمطية. المصدر: The Conversation.

اُراهنك وأنا واثق تقريبًا بأن العالِم المرسوم في ذهنك يجلس في مكان ما وأمامه معدّات مُريبة، يُجري أبحاثًه بكلّ ما أوتي من استطاعة.

ما يُهمني هو ما لا تراه أنت في تلك الصورة: جميع الأشخاص المؤيدين لعالِمك المُزعوم هذا في أنحاء العالم.

وللأسف، فهذا الإغفال يمكن أن يكون خطرًا، وهذا ما سأشرحه لاحقًا.

أولًا، دعونا نُفسر سبب الصورة النموذجية للعالِم بأن يعمل منفردًا.

في الواقع، ولعدة قرون مضت، كان هذا مُقاربًا للحقيقة.

لو عُدت بالتاريخ إلى الوراء، ستتمكن من رؤية العديد من أعظم العقول العلميّة، تميل إلى العمل غالبًا في عزلة، أوعلى الأكثر مع عدد قليل من الطلاب الخريجين الملتزمين.

على سبيل المثال، إسحاق نيوتن والذي لا يعود الفضل إليه فقط في الفيزياء المستخدمة حتى يومنا، ولكن أيضًا إلى الهياكل الرياضية، والذي اُشتهِرَ بتفضيله العمل منفردًا ( بالرغم أنه قد يرجع ذلك لميله رؤية زملائه بعين الأعداء).

جيمس كليرك ماكسويل James Clerk Maxwell، مُكتشِف الكهرومغناطيسية كما نعرّفها اليوم، كان يميل أيضًا إلى العمل بمفرده.

وحتى أن مقدّم النظرية النسبية العامة ألبرت آينشتاين كان يعمل بمفرده (وقد ساهم في تخيلنا عالِم بشعر أشعث كما ذكرنا).

لذا، فإن «العبقري المُنفرد» نموذج للتقدم العلمي وله مبررات تاريخية، أليس كذلك؟ حسنًا ربما لا!.

واقع العبقرية العلمية

لقد نظر نيوتن بنظرة دونيّة لمعاصريه (حين كان يشكُّ بسرقتهم أعماله)، ولكنه تواصل بشكل منتظم مع غوتفريد فيلهلم ليبنيز Gottfried Wilhelm Leibniz ، الذي كان يعمل أيضًا على تطوير حساب التفاضل والتكامل.

درس ماكسويل Maxwell في العديد من المعاهد المرموقة وتفاعل مع أذكياءٍ عِدّة.

واشتُهر عن أينشتاين أنه قام بمعظم اكتشافاته الرائدة وهو محاط بأشخاص استعان بهم وأخذ بآرائهم.

لذلك، إذا كانت هذه الأسطورة لا أساس لها في الواقع، لماذا ما زال الناس يعتقدونها؟

فكّر في آخر تصوُّر شاهدته للعالم من قبل الثقافة الشعبية، أرغب بتذكّر بعض المفضّلين مثل إليانور أرواي Eleanor Arroway (Contact)، دوك براون Doc Brown (Back to the Future)، بيتر فنكمان Peter Venkman (Ghostbusters)، دانا سكولي Dana Scully (The X-Files)، سيث بروندل Seth Brundle (The Fly)، هوبيرت فارنسوت Hubert Farnsworth (Futurama)، وحتى ريك سانشيز Rick Sanchez (Rick and Morty).

إن العمل الفرديّ هو الخيط الوحيد الذي يربط بينهم جميعًا.

في الواقع، إنه واحدٌ من الصفات الجليّة لغالبيتهم.

ولكنه بعيد عن كيفية تطوّر العلم ليصبح قيد العمل خلال قرون عديدة من الجهد.

العلم لا يحدث في الفراغ (ما لم تتطلب تجربتك وسطًا مُفرغًا).

تتطلب فلسفة البحث العلمي أن تجتاز كل فكرة مرحلة التدقيق والتحقّق من قبل العديد من العلماء.

يمكن أن تستغرق هذه العملية القليل من الوقت، وأحيانًا يمكن أن تكون طويلة وقاسية، إلا أنها لا تساعد على تحسين النتائج فقط، بل والعملية برمَّتها.

أيّ شيء يعبُر نار انتقادات العلماء الآخرين، يخرج من الجانب الآخر كمنتج معدّل ومُحسَّن كثيرًا.

الرفض الخطير للحقائق

وبالنظر إلى التعاون على أنه القاعدة، قد تسأل نفسك السؤال الأبدي: من يهتم؟ كيف لصورة العالم البطل المُنفرد أن تُسبِّب أيّ خطر لي؟

وتنشأ المشكلة عندما يكون هناك نقاش حول موضوع علمي.

باتباع هذه الهيكلية، فإن النقاش ضروري وجزء مُشجَّع من العملية العلمية.

يتم هذا النقاش قبل إطلاق الفكرة لأحد، سوى عدد قليل من العلماء، وبينما يمكن أن تحتدّ الأمور في بعض الأحيان، يتم ذلك باحترام كبير بين أطراف وجهات النظر المختلفة.

يمكن أن يأتي الخطر عندما يتم نشر النتائج العلمية للعامة.

حيث يزوِّد مجتمعنا الآن منصة تُمكّن أي شخص أن يُعلِّق، بغض النظر عن خلفيته العلمية، خبرته أو حتى معرفته في الموضوع المتداول.

في حين كونها وسيلة ممتازة لنشر المعرفة، فإنها قد توفِّر أيضًا منصة لأي رأي- بغض النظر عن كمّ البيانات وراءها- لتكون مكافئة لتلك التي تم إصدارها بطرق علمية تقليدية.

خصوصًا في ظل التضخم السكاني اليوم، يتطلع الناس لرؤية العالم البطل المنفرد والذي يُطيح بالهيمنة المتصوِّرة للحقائق القادمة من البيئة الأكاديمية.

وهنا تكمن المشكلة.

في هذه الحالة، يمكن أن يُعتَبر رأي أحد المعلِّقين على قدرٍ من المساواة مع رأي عشرات أو مئات الأشخاص الذين كرّثوا عملهم في الحياة حول الموضوع، وللتأكيد من صحة تفسيراتهم.

وهذا قد يعطي انطباعًا بأن هناك نقاشًا حول ما إذا كان التطوّر حقيقيًّا (هو كذلك)، أو الصلة بين اللقاحات ومرض التوحُّد (التي لا صِلة بينها)، أو ما إذا كان البشر قد أثّروا على المناخ (بالتأكيد قد أثّروا).

إن التطرّف – وهي الطريقة الوحيدة التي يتعاطى الإنترنت (التواصل) بها- حول هذه المفاهيم الخاطئة يمكن أن تكون ضارة على الجميع.

تصحيح مسار الأمور

فما الذي يتوجب فعله؟

يقع على عاتق كل شخص في هذا السيناريو مسؤولية لإحداث التغيير.

العلماء مُلزَمون بتقديم نتائجهم بطريقة لا تتخبط وراء المصطلحات المبهَمة (لأيّ أحد غيرهم)، والنظريات، وحظر الاشتراك غير المدفوع.

ولاسيما في مجتمع يموَّل فيه العلم علنًا، فإن من واجب الباحثين المتلقّين لهذه الأموال ضمان أن يكون العلم مفهومًا من قبل الجميع.

ويتعيّن على العلماء توخّي الحذر وألّا يتسرعوا برفض وجهات النظر «الخارجية» دون النظر فيها.

ومن زاويةٍ أخرى، يتوجب على العامية النظر في موثوقيّة أي آراء يقرأونها.

وبهذه الطريقة، يمكن إجراء مناقشات واسعة المعرفة ويمكن أن تؤدي إلى تحسين النتائج النهائية.

من المهم جعل العلم في متناول الجميع كي لا يؤدّي تصوُّر «العالِم البطل» إلى إلحاق ضرر واسع النطاق بالنتائج الكُليّة.


  • ترجمة: لميا عنتر.
  • تدقيق: قصي السمان.
  • تحرير: عيسى هزيم.
  • المصدر