هل يصبح الذكاء الاصطناعي واعيًا؟


 

ما هو الرابط بين التكنولوجيا والوعي؟ المصدر: AlexLMX/Shutterstock

 انسَ التقدّم التراكمي البطيء للذكاء الاصطناعي في أيامنا هذه، مثل القدرات المتزايدة للقيادة الذاتية للسيارة. قد يكون في انتظارنا تطورًا رائدًا: آلة مدركة لنفسها وما حولها، وتستطيع استقبال ومعالجة كميات هائلة من البيانات لحظيًّا. يمكن إرسالها في مهمات خطرة، في الفضاء أو للقتال في الحروب. بالإضافة لقدرتها على توصيل البشر من مكان لآخر، قد تكون قادرة على الطهي، التنظيف، وغسل الملابس- وكذلك تمضية الوقت مع البشر عند عدم تواجد أشخاصًا آخرين في الأرجاء.

قد تحِلُّ مجموعة متقدّمة جدًّا من الآلات محل البشر حرفيًّا في جميع الوظائف. وهذا من شأنه أن ينقذ البشرية من العمل الشاق أو الممل، ولكن هذا سيؤثر على العديد من الأسس الاجتماعية. إنّ حياة ترفيه فقط من دون أي عمل يمكن أن تتحول إلى واقعٍ مريرٍ.

قد تسبب الآلات الواعية مشاكل قانونية وأخلاقية مُقلِقة. هل يمكن اعتبار الآلة الواعية “شخصًا” أمام القانون وتكون ذات مسؤولية إذا كانت أفعالها تضرُّ بشخص ما، أو إذا حدثت مشكلة ما؟ للتفكير في سيناريو مخيفًا أكثر، هل يمكن لهذه الآلات أن تتمرّد على البشر وترغب في القضاء علينا جميعًا؟ إذا كان كذلك، فإنها تمثّل أوج التطور.

يقول سوبهاش كاك Subhash Kak: أنا كدكتور جامعي في الهندسة الكهربائية وعلوم الحاسوب وأعمل في مجال التعليم الآلي ونظرية الكم، أستطيع أن أقول أن الباحثين ينقسمون حول ما إذا كانت هذه الأنواع من الآلات ذوي الإدراك المفرط سوف تكون موجودة. هناك أيضًا نقاش حول ما إذا كان يمكن أو يجب أن تدعى هذه الآلات “واعية”، كالطريقة التي نفكر فيها عن وعي البشر، أو حتى وعي بعض الحيوانات. بعض الأسئلة لها علاقة بالتكنولوجيا، والبعض الآخرلها علاقة بما هو الوعي حقَّا.

هل المعرفة كافية؟

يعتقد معظم علماء الحاسوب أن الوعي هو سمة من شأنها أن تظهر مع تطور التكنولوجيا. ويعتقد البعض أن الوعي يشمل تقبّل معلومات جديدة وتخزين واسترجاع المعلومات القديمة والمعالجة المعرفية لها جميعها إلى إدراك حسي وأفعال. إذا كان هذا صحيحًا، فإن الآلات حتمًا ستكون يومًا ما الوعي المُطلَق. سوف يكونوا قادرين على جمع معلومات أكثر من الإنسان، تخزينها أكثر من العديد من المكتبات، الوصول إلى قواعد بيانات ضخمة في ميلي ثانية وتحويلها كلها إلى قرارات أكثر تعقيدًا، ولكن ذي منطق أكثر، من أي شخص يمكنه ذلك.

من ناحية أخرى، هناك فيزيائيون وفلاسفة يقولون أن هناك شيئًا أكثر في السلوك البشري الذي لا يمكن معالجته من قبل الآلة. على سبيل المثال، الإبداع والشعور بالحرية اللذين يمتلكهما الناس لا يبدو أنها تأتي من المنطق أو الحساب.

ولكن هذه ليست وجهات النظر الوحيدة عن ماهيّة الوعي، أو ما إذا كان بإمكان الآلات تحقيق ذلك.

وجهات النظر من الناحية الكمية

وجهة نظر أخرى عن الوعي تأتي من نظرية الكم، وهي أعمق نظرية في الفيزياء. وفقًا للتفسير التقليدي الذي يطلق عليه تفسير كوبنهاغن (نسبة للعاصمة الدنماركية والتي كانت مكان ميلاد أب ميكانيكا الكم كما نعرفها نيلز بور)، إن الوعي والعالم المادي هي جوانب تكميلية لنفس الواقع. عندما يُراقِب الشخص، أو يختبر على أحد جوانب العالم المادي، فإن التفاعل الإدراكي لهذا الشخص يسبب تغيُّرًا ملحوظًا. ولأنه يُعتَبر الوعي ثابت ولا توجد أية محاولة لاستنباطه أو استنتاجه من الفيزياء، فإنه يمكن أن يدعى الوعي في تفسير كوبنهاغن ال “سي الكبير” ((the big C حرف ال C هو الحرف الأول من كلمة الوعي في اللغة الانجليزية)، حيث أنه شيئًا يتواجد في حدّ ذاته- على الرغم من أنه يحتاج للدماغ ليصبح حقيقة. وجهة النظر هذه كانت شائعة مع روّاد نظرية الكم مثل نيلز بور Niels Bohr وويرنر هايزنبرغ Werner Heisenberg وإروين شرودنجر  Erwin Schrödinger

إنّ التفاعل بين الوعي والمادة يؤدي إلى مفارقات لا تزال دون حل بعد 80 عامًا من النقاش. ومن الأمثلة المعروفة على ذلك مفارقة قطة شرودنجر، حيث توضع القطة في حالة تؤدي إلى تساوي احتمال بقاؤها على قيد الحياة أو الموت- وفعل الملاحظة بحد ذاته هو الذي يجعل النتيجة مؤكّدة.

وجهة النظر المعاكِسة هي أن الوعي ينشأ من علم الأحياء، تمامًا كما علم الأحياء ينشأ من الكيمياء، والتي بدورها تنشأ من الفيزياء. ويدعى هذا المفهوم الأقل توسّعًا للوعي ال “سي الصغير” (little-C). وهذا يتفق مع وجهة نظر علماء الأعصاب بأن عمليات العقل مطابقة لحالات وعمليات الدماغ. كما أنها تتفق مع تفسير أحدث لنظرية الكم بدافع لمحاولة تخليصها من المفارقات، وهو تفسير العوالم المتعددة The Many Worlds Interpretation، حيث المراقبين هم جزء من رياضيات الفيزياء.

يعتقد فلاسفة العلوم أن وجهات نظر فيزياء الكم الحديثة للوعي لها أوجه تماثل في الفلسفة القديمة. إنّ Big-C هو مثل نظرية العقل في فيدانتا Vedanta- حيث أن الوعي هو أساس الواقع، وعلى مساواة مع العالم المادي.

على العكس، فإن little-C هي مشابهة تمامًا للبوذية Buddhism. على الرغم من أن بوذا لم يتناول مسألة طبيعة الوعي، فقد أعلن أتباعه أن العقل والوعي ينشآن من الفراغ أو العدم.

Big- C والاكتشاف العلمي

 يبحث العلماء أيضًا فيما إذا كان الوعي هو دائمًا عملية حسابية. حيث يجادل بعض العلماء أن اللحظة الإبداعية ليست نتيجة حساب متعمّد. على سبيل المثال، من المفترض أن الأحلام أو الرؤى هي التي ألهمت إلياس  هاو Elias Howe عام 1845 في تصميم آلة الخياطة الحديثة واكتشاف أغسطس كيكولي August Kekulé لتركيبة البنزين في عام 1862.

هناك دليل مثير لصالح وعي Big- C المتواجد من تلقاء نفسه وهي حياة العالم الرياضي الهندي سرينفاسا رامانوجان Srinivasa Ramanujan الذي علّم نفسه بنفسه، وتوفي عام 1920 في سن الـ32. إنّ مذكَّرته، التي كانت مفقودة ومنسيّة حوالي 50 سنة ونُشرَت فقط في عام 1988، تحتوي على عدة آلاف الصيغ الرياضية، من دون برهان في مجالات مختلفة من الرياضيات، والتي كانت متقدمة أكثر من زمنهم. وعلاوة على ذلك، لا تزال الطرق التي وَجَد عن طريقها الصيغ الرياضية مُحيِّرة. لقد ادّعى بنفسه أنّها كُشِفت له من قبل إلهٍ بينما كان نائمًا.

إن مفهوم Big-C للوعي يثير تساؤلات حول كيفية ارتباطه بالمادة، ومدى تأثير كل من المادة والعقل على بعضها البعض. لا يستطيع الوعي لوحده إحداث تغييرات مادية للعالم، ولكن ربما يمكن أن يغيّر الاحتمالات في تطوّر العمليات الكمومية. إن فِعْل الملاحظة يمكن أن يجمد وحتى أن يؤثّر على حركات الذرات، وهذا كما أثبت علماء الفيزياء في كورنيل Cornell في عام 2015. هذا قد يكون شرحًا جيدًّا جدًّا لمدى تفاعل المادة والعقل.

العقل ونظم التنظيم الذاتي

من الممكن أن ظاهرة الوعي تتطلب نظام تنظيم ذاتي، مثل البنية الفيزيائية للدماغ. إذا كان الأمر كذلك، فإن الآلات الحالية سوف تفشل في ذلك.

لا يعرف العلماء فيما إذا كان بالإمكان تصميم آلات تنظيم ذاتي لتكون متطورة مثل دماغ الإنسان، حيث نفتقر نظرية حسابية رياضية لأنظمة مثل هذه. لعلّه صحيح أن الآلات الحيوية وحدها يمكن أن تكون إبداعية وقابلة للتكيّف بما فيه الكفاية. ولكن هذا يقترح أنه يجب على الناس أو قريبًا سوف يبدؤون العمل على هندسة بُنى حيوية جديدة التي يمكن أن تكون واعية.


  • الاسم: لميا عنتر
  • تدقيق: رؤى درخباني
  • تحرير: زيد أبو الرب

المصدر