إن غسيلَ الملابس هو نشاطٌ منزليٌّ شائعٌ منذُ سنين،  سواءً كانت هذه العملية تتم على الصخور بجانب النهر، أو في غسالاتٍ آليةٍ حديثةٍ فإن عملية الغسيلِ تعتمدُ على الماءِ وتأثيرٍ آليٍّ مساعدٍ للصابون أو لمادةٍ قلويةٍ، والغايةُ من المادة القلوية هيَ تصبينُ الزيوتِ وحلُّ الأوساخِ العادية، حيث يرتبط العامل الصابوني بالأوساخ ويحررها منَ الملابس خلال دورة الغسيل، ثم يُشطَفُ لاحقًا خلال دورة الشطف ويبْعَد عن الملابس خلال عملية الدوران بفعل الطردِ المركزي.

تعتبر عملية التنظيف الجاف عمليةً مختلفةً، حيث تنظف خلالها الملابس بدون ماءٍ، لكن باستخدام سائل تنظيفٍ آخرٍ تغمر به الملابس، وقد سميت العملية بالتنظيف الجاف لحقيقة غياب الماءِ عنها، دعونا نأخذ معًا نظرةً عن كثبٍ لعملية التنظيف الجاف حتى نفهمَ ما يحدث للملابس خلالها.

تطوُّر التنظيف الجاف:

كالعديد من الاختراعاتِ، فقد ظهر التنظيف الجافُّ مصادفةً، ففي عام 1855 لاحظ مالك المصبغة الفرنسي )جان بابديست جولي – Jean Baptiste Jolly ) أنَّ غطاء طاولته أصبح أنظف بعد أن سُكِبَ عليه مصباح الكيروسين، وبتطبيق ذلك في مصبغته قدم (Jolly) هذه الخدمة تحت اسم (التنظيف الجاف).

استخدم أوائل المطبقين للتنظيف الجاف أنواعًا مختلفةً من المذيبات العضوية كالبنزين والكيروسين لتنظيفِ الملابسِ والأقمشة، وهو يعتبر حديثَ العهدِ إلى حدٍ ما في الولايات المتحدة الأمريكية حيث تطوَّرَ خلال خمسين سنةً الماضية فحسب، بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية تخلى أغلب المطبقين للتنظيف الجاف عن المذيبات الصناعية القابلة للتطاير مثل (رباعي كلوريد الكربون) و (ثلاثي كلورو إيثيلين) واستعاضوا عنها بمنتج يعرف ب (رباعي كلورو إيثيلين) (perchlorethylene) وهو معروف اختصارًا ب (perc) والذي أصبح المذيبَ الأكثر استخدامًا في هذه الصناعة، فهو لم يكن أكثر أمانًا وسرعةً فحسب، بل أعطى نتائجَ أفضل في التنظيف، بواسطة معداتٍ أقلِّ ضخامةً ومساحةً ، ويمكن استخدامه في أماكن التجزئة المؤقتة مقدِّمًا خدمةً ممتازةً في ساعةٍ واحدةٍ فقط.

نتيجةً لهذا الاختراع فإنَّ معظم الملابس اليوم تنظف باستخدام الإيثيلين، وقد وصلت هذه الصناعة لما هي عليه اليوم نتيجة لانتشار الخدمات الممتازة للتنظيف الجاف كونها سريعةً ومرضيةً وتوجد في مختلف الأماكن الحيوية.

سير عملية التنظيف الجاف:

عندما تضع ملابسك في محل تنظيفٍ فإن الموظفين يتبعون نمطًا يستخدم في مختلف محلاتِ التنظيفِ الجافِّ المنتشرة في يومنا هذا، حيث تمر الملابس بهذه الخطوات التالية:

١- التعليم والتفتيش.

تستخدم طرق عدة لفرز الملابس منعًا لاختلاطها ومنها وضعُ علامةٍ ورقيةٍ صغيرةٍ على الملابس أو علامةٍ مكتوبةٍ على ياقة القميص، كما تفحص الملابس بحثًا عن أي أزرارٍ مفقودةٍ أو شقوقٍ محتملةٍ قد تسبب لومًا لمحل التنظيف.

٢- المعالجة المسبقة.

حيث يبحث العامل عن أي بقعٍ على الملابس ويعالجها ليجعل إزالتها أثناء عملية التنظيف تامةً وسهلةً.

٣- التنظيف الجاف.

توضع الملابس في آلة وتنظف عبر مذيبٍ عضويٍّ.

٤- تحديد البقع.

تتم إزالة أيِّ بقعٍ أو لطخاتٍ باقيةٍ.

٥- الإنهاء.

تتضمن هذه العملية: الكي، الطي، التغليف وغيرها من اللمسات الأخيرة.

سنتطرق إلى هذه الخطوات بشيءٍ من التفصيل فيما يلي:

١- التعليم:

عندما توضع الملابس في محل التنظيف الجاف فإنه يتم تحديد كل طلبٍ، قد تختلف عمليات التحديد من محلٍ لآخرٍ لكنها تتضمن بشكل أساسيٍّ عَدَّ القطعِ ووصفَها (مثل: قميص، بلوزة، بنطال)، كما يدوَّن يوم الاستلام واليوم الذي سيتم في تسليمها للزبون، ثمَّ توضعُ علامةٌ ملونةٌ على كلِّ قطعة ثياب وتثبت بمشبكٍ أو دبوسٍ للأمان، وتبقى هذه العلامات على الثياب طوال دورة عملية التنظيف، كما يُنشِئ المنظف فاتورةً، وملفًا ببيانات مالك الملابس متضمنةً اسمه، عنوانه، ورقم هاتفه، وتدخل هذه المعلومات في الكمبيوتر للمساعدة على انجاز طلبية الغسيل.

إذا احتاجت إحدى قطع الملابس عنايةً خاصةً، كإزالة بقعة نبيذٍ أحمرٍ عن قميصٍ أو وضع تجعيداتٍ مزدوجةٍ على ساقي البنطال أثناء الكي، فإنَّهُ توضع علامةٌ ملونةٌ خاصةٌ على هذه القطع، وحالما تغسل الملابس أو تخضع للتنظيف الجاف فإنها تخضع لفحصٍ للجودة ويتم توضيب الطلب، مما يعني توضيب الملابس معًا، حيث يستعين العامل الذي يوضب الطلب بالعلامات المثبتة على قطع الملابس ليعرف أيَّ قميصٍ وأيَّ بنطالٍ يعود لنفس الزبون.

٢- المعالجة المسبقة للبقع:

إن هذه العملية مشابهةٌ للإجراء الذي نتخذه في المنزل عندما نضع مزيلًا للبقع على البقع قبل غسلها، حيث تكمن الفكرة في محاولة إزالة البقعة أو جعل إزالتها أسهل باستخدام المواد الكيميائية، ويمكن تحقيقُ نتائجَ أفضل في حال معالجة البقع بأقرب وقتٍ ممكن من حدوثها، حيث يوضع الماء ببساطةٍ فوق البقع الرطبة (البقع التي تحتوي على الماء ضمنًا)، ومذيبًا على البقع الجافة (البقع التي تحتوي على شحومٍ أو زيتٍ فيها)، ثم يفرك مكان البقعة بقطعة قماشٍ ناعمةٍ لتتحلل البقعة داخل القماش وتشطفُ بالماء ثم تتركُ لتجفَّ، وسيتكفل محل التنظيف بالباقي.

وفي حال كنت لا تدري ماذا تفعل عند حدوث البقعة، فيمكنك الاتصال بالمنظف الذي تتعامل معه وتسأله عمَّا يجبُ عليكَ فعله.

٣- التنظيف الجاف:

توجد العديد من العلامات التجارية المختلفة المصنعة لآلات التنظيف، إلا أنها جميعًا تعمل وفق نفس المبدأ والوظيفة، فآلة التنظيف هي عبارة عن حوضٍ مثقَّبٍ من الفولاذ غير القابلِ للصدأ والذي يتسع لملابس وأقمشةٍ يتراوح وزنها بين 9 و 45 كيلوغرامًا، يديره المحرك جاعلًا منه آلة غسيلٍ وشطفٍ وتجفيفٍ معًا، ويتموضع هذا الحوض في صندوقٍ يضم أيضًا: المحرِّكَ، المضخاتِ، المصافي، أنابيبَ الاستعادةِ، الخزاناتِ، المراوحَ، ولوحةَ التحكمِ، وفي جميع الآلات الحديثة فإن الغسالةَ والنشافةَ هما الآلةُ نفسهُا، وبفعل ذلك أصبح من الممكن استرداد كل الإيثيلين المستخدم خلال التنظيف تقريبًا، وهو الأمر الجيدُ للبيئةِ والذي يوفِّر الكثيرَ من المالِ في عمليةِ التنظيفِ الجافِّ.

يُرَشُّ المذيبُ العضويُّ داخلَ الحجرةِ الحاويةِ على الحوض المثقَّبِ بشكل مستمرٍ فوق الملابسِ التي تدور بداخله، حيث يصل المذيب النظيف إلى نقاط الرشِّ عبر تدفقٍ مستمرٍ من المضخة ونظامِ التصفية، وأثناء ذلك تغمر الملابس بالمذيب العضوي وتقلب بلطفٍ بواسطةِ حواجز داخل الحوضِ المثقَّب، ثم يُضَخُ المذيب الحاوي على الأوساخ بشكلٍ مستمرٍ عبر المصفاة ليعود نظيفًا من جديد في دورةٍ جديدةٍ تاركًا الأوساخَ عالقةً في المصفاة.

إن آلة التنظيف النموذجية تضخ الإيثيلين عبر الملابس بمعدل 5678 لترًا في الساعة، مع حقيقة أن الإيثيلين أثقل من الماء بحوالي 75% ، فلو دامت دورة التنظيف الواحدة ثماني دقائق، فإن الملابس ستغمر خلال حركتها داخل الحوضِ بحوالي 757 ليترًا من المذيب العضوي، وهذا أمرٌ كافٍ لتنظيف الملابس تمامًا.

في الدورة التالية تعصر الملابس عبر الدوران السريع للحوض ويطرد منها المذيب العضوي، لتنتقل بعدها إلى دورة تجفيفٍ عبر نشر هواءٍ دافئٍ خلال الملابس، فيتبخر المذيب العضوي والأبخرة المتبقية بفعل الهواء الدافئ ويعاد تكثيفه داخل أنابيب التبريد، بينما يتم فصل المذيب المقطر عن أي ماء (قد يكون بقي في الملابس أو النظام ككل) ويعاد إلى الخزان كمذيبٍ مقطرٍ،لأنَّ أيَّ رطوبة تكثفت مُشكِّلة الماء خلال عملية التجفيف ستطفو على سطح الإيثيلين، فإنه من السهل الفصل بينهما.

تعتمد كلٌّ من جودة التنظيف، درجة إزالة الأوساخ، سطوع ألوان الملابس، نضارة الملابس، رائحتها ونعومتها على الدرجة التي يضبط فيها المنظف مصافي آلاته وحالة المذيب والرطوبة، وقد يختلف التحكم بالجودة من يوم ليوم ما لم ينتبه المنظف بشكل مستمر لهذه العوامل.

٤- تحديد البقع واللطخات:

تحديد البقع الباقية بعد عملية التنظيف هو جزء من عملية ضبط الجودة، حيث يستخدم فيها معداتٌ مخصصةٌ، وتحضيراتٌ كيميائيةٌ باستخدام البخار، الماء والهواء، وتتضمن عملية تحديد البقع معالجةً بسيطةً إلى حد ما لإزالة البقع، فإذا احتوت البقعة على الماء (كالحساء) فيستخدم الماء أو موادٌ كيميائيةٌ رطبة لإزالتها، بينما إذا كانت البقعة تحتوي مكونًا جافًّا مثل الشحمِ، الطلاءِ ذو الأساسِ زيتي، القطران أو طلاءِ الأظافرِ، فيستخدم مذيبٌ عضويٌ أو موادٌ كيميائيةٌ جافةٌ لإزالتها.

عند غسيل الملابس في المنزل فإن معظم البقع ذات الأساس المائيِ تزولُ أثناء عمليةِ الغسيل، بينما يحدث العكس خلال عملية التنظيف الجاف، حيث تترك البقع ذات الأساس المائي أثرًا على الملابس، والاستثناء الوحيد لهذه القاعدة يتضمن إضافة صيغةٍ خاصةٍ من صابونِ التنظيف الجاف (مستحلبٍ لامائي) في دورة التنظيف الجاف.

٥- الإنهاء:

المرحلة الأخيرة من عملية التنظيف الجاف تتضمن الإنهاءَ، الضغطَ، التعريضَ للبخار، الكيَّ وإجراء أيةِّ إصلاحاتٍ ضروريةٍ لتجهيزِ الملابسِ، وتعتبر هذه العملية الأقل غموضًا من بين مراحل التنظيف الجاف حيث تبقي معظم محلات التنظيف الجاف الآلات الخاصة بهذه العمليةِ في مكانٍ يمكن للزبون مشاهدته.

أخيرًا تضغط الملابس لإنهائها، حيث تتضمن هذه العملية الخطوات التالية:

تطبيقَ البخارِ على الملابس لتنعيمها.

إعادةً تشكيلها عبر عملية تجفيفٍ سريعةٍ.

إزالةً البخارِ عبر الهواءِ أو شفطه بآلة شفط.

ضغطً الملابس بشكلها النهائي.

يأتي الضغط على قطعة الملابس من رأس آلة الضغط، بينما ينشر البخار عبر أسفل الآلة، وتقوم معظم الآلات بضخ ونشر البخار وشفطة أيضًا.


  • ترجمة: بشار منصور.
  • تدقيق: هبة أبو ندى.
  • تحرير: ندى ياغي
  • المصدر