لم يعد الكيلوجرام يزنُ كيلوجرامًا بعد الآن، تمَّ إعلان هذه الأخبار المحزنة خلال ندوةٍ نُظّمت بسِرن (CERN) في 26 أكتوبر 2017 من طرف البروفيسور كلاوس فون كليتسنغ (Klaus von Klitzing)، الحاصل سنة 1985 على جائزة نوبل في الفيزياء لاكتشافه تأثير الهول الكميّ، حيث يقول : “نحن نشهد تغييرًا ثوريًّا لكيفيَّة تعريف الكيلوجرام”.

بالإضافة إلى ست وحداتٍ أخرى ــ المتر، الثانية، الأمبير، الكلفن، المول والكانديلا ــ يُعتبر الكيلوجرام وحدةً لقياس الكتلة، ويُعتبر جزءًا من النظام الدوليّ للوحدات (SI) الذي يُستخدم كتعبيرٍ قاعديّ على شكل أرقامٍ لكل شيءٍ قابلٍ للقياس في الطبيعة.

يعتمد التعريف الحاليّ لهذه الواحدة على أسطوانة بلاتينيوم-إيريديوم صغيرة، تُعرف باسم “الألف الكبيرة – Le grand K”، والتي تبلغ كتلتها كيلوجرامًا واحدًا بالضَّبط.

تمت صناعة هذه الأسطوانة في سنة 1889، ومنذ ذاك الوقت تم الحفاظ عليها بأمانٍ تحت ثلاث جرارٍ زجاجيَّة في قبوٍ بضواحي مدينة باريس.

لكن لدينا إشكاليَّةٌ واحدة: الكيلوجرام المعياريّ الحاليّ يخسر حوالي 50 ميكروجرام في آخر مرَّةٍ سجل فيها ذلك، وذلك يكفي لجعلهِ مختلفًا عن النسخ المطابقة المُخزَّنة في المختبرات حول العالم.

لحل مشكلة الوزن هذه، دأب العلماء على البحث عن تعريفٍ جديد للكيلوجرام مؤخرًا.

في المؤتمر العام الأخير للأوزان والقياسات المنعقد في سنة 2014 (والذي يُنظَّم كل أربع سنوات)، اتفق المجتمع العلميّ للقياس رسميًا على إعادة تعريف الكيلوجرام من جانب ثابت بلانك (h)، وهو مقدارٌ كموميّ ميكانيكيّ يربط طاقة جسيمٍ ما بتردده، ومن معادلة آينشتاين الشهيرة E = mc2، يُربط الجسيم بكتلته كذلك.

ثابت بلانك هو من بين الأرقام الأساسية لكوننا، كميَّةٌ تم تحديدها عالميًا في الطبيعة، مثل سرعة الضوء أو الشحنة الكهربائيَّة للبروتون.

يتمُّ تعيين ثابت بلانك كقيمةٍ دقيقةٍ وثابتةٍ طبقًا لأفضل القياسات التي يتم الحصول عليها من مختلف أنحاء العالم، ستتمُّ إعادة تعريف الكيلوجرام عبر العلاقة بين ثابت بلانك والكتلة.

في هذا الشأن يقول كلاوس: “لا يوجد ما يدعو للقلق، الكيلوجرام الجديد سيتمُّ تعريفه بطريقةٍ لن تسمح بإحداث تغييرات (تقريبًا) على حياتنا اليوميَّة، لن تجعل الكيلوجرام دقيقًا بشكلٍ أكبر أيضًا، ستجعله أكثر استقرارًا وعالميةً فحسب”.

رغم ذلك، عمليَّة إعادة التعريف هذه ليست بهذه البساطة، حيث وضعت اللجنة الدوليَّة للأوزان والقياسات ــ الهيكل المسؤول عن ضمان الاتفاق الدولي حول القياسات ــ شروطًا صارمةً للقيام بالعمليَّة: ثلاث تجارب مستقلة لقياس ثابت بلانك يجب أن تتفق على القيمة المشتقة للكيلوجرام مع نسبة خطأ تحت الـ50 جزء لكل مليار، وتجربةٌ واحدةٌ على الأقل يجب أن تصل إلى خطأ تحت الـ20 جزء لكل مليار، والخمسون جزءًا لكل مليار في هذه الحالة يساوي 50 ميكروجرامًا تقريبًا ــ وهو وزن رمشة عين.

هذا وقد أثبتت تجربتان إمكانية ربط ثابت بلانك بالكتلة بدقةٍ متناهية، الطريقة الأولى، قادها فريق بحثٍ دولي يُعرف باسم مشروع أفوغادرو ((Avogadro Project، وتضمَّن ذلك عدَّ الذرَّات في كرةٍ من السيليكون-28 لها نفس وزن الكيلوجرام المعياري.

الطريقة الثانية تعتمد على نوعٍ من المقاييس تُعرف بميزان وات (أو كيبل)، في هذه الطريقة تتمُّ موازنة القوى الكهرومغناطيسيَّة عبر اختبارٍ مُعايَرٍ كميًّا حسب الكليوجرام المعياري.

وهنا تكمن أهمية الاكتشاف الذي قام به كلاوس فون كليتسنغ سنة 1980، وجعله يحصل على جائزة نوبل في الفيزياء، من أجل الحصول على قياساتٍ دقيقةٍ بشكلٍ كبير للتيَّار والجهد الكهربائي المشكلين للقوى الكهرومغناطيسيَّة في ميزان وات، يستخدم العلماء ثابتين كميَّين كهربائيَّين عالميَّين.

واحدٌ منهما هو ثابت كليتسنغ، الذي يُعرف بدقته الكبيرة، وبالتالي بإمكاننا تعريفه من ناحية ثابت بلانك وشحنة الإلكترون، ثابت فون كليتسنغ يفسّر تحديد الكميَّة في ظاهرة تسمى بـ “تأثير هول الكموميّ”، وهي ظاهرةٌ كموميَّةٌ ميكانيكيَّةٌ تلاحَظ عندما تُحبس الإلكترونات في طبقة معدنيَّةٍ فائقة الرّقة تخضع لدرجات حرارةٍ منخفضة وحقولٍ مغناطيسيَّة

حيث يقول كليتسنغ في هذا الشأن : “إنَّها ثورةٌ كبيرةٌ بحق، في الحقيقة، تلقَّب بأكبر ثورة في علم القياس منذ الثورة الفرنسيَّة، حين تمَّ تقديم أول نظامٍ عالميٍّ للقياسات من طرف الأكاديميَّة الفرنسيَّة للعلوم”.

هذا وقد لعبت سِرن (CERN) دورًا كبيرًا في هذه الثورة، حيث شارك المختبر في مشروعٍ لعلم القياس أُطلق من طرف المكتب السويسري لعلوم القياس (METAS) من أجل بناء ميزان وات، الذي سيتمُّ استخدامه لنشر التعريف الجديد للكيلوجرام من خلال قياساتٍ دقيقةٍ لثابت بلانك.

حيث تُوفر سِرن أداةً جوهريَّةً لميزان وات: الدائرة المغناطيسيَّة، التي يتمُّ استخدامها لخلق قوى كهرومغناطيسيَّة موازنة عبر اختبار الكتلة، ويجبُ على المغناطيس أن يكون ثابتًا للغاية أثناء القياس من أجل توفير حقولٍ مغناطيسيَّةٍ متجانسةٍ بشكلٍ كبير.


  • إعداد : وليد سايس
  • تدقيق: تسنيم المنجّد
  • تحرير: رؤى درخباني

المصدر