لقد ولت أيام شرب الماء المغلي والمبرّد، ومع الفوضى التي عمت الحياة والإرهاق الذي رافقها وألهى الناس عن الالتزام بأنماط الحياة الصحية، إضافةً إلى ضغط العمل والمنزل ورعاية الأطفال، تلجأ معظم الأسر إلى استخدام المياه المعبأة في عبوات بلاستيكية لتوفير الوقت والوقود.

لا تقتصر مضار المياه المعبأة على الصحة فحسب، فهي أيضًا مؤذية للبيئة، يتم التخلص من أكثر من 60 مليون عبوة مياه يوميًا، ولا يُعاد تدوير سوى نسبة 10% منها، لا تعد إعادة تدوير العبوات البلاستيكية جيدة دائمًا لأنها كثيفة العمالة ومكلفة وتحرق الموارد الطبيعية.

يُستهلك كثير من الوقود أيضًا عند نقل عبوات المياه كل يوم إلى الأسواق والمنازل والمكاتب، وما لا يدركه أغلبية الناس هو أن المياه المعبأة في عبوات بلاستيكية ليست مختلفة عن مياه الصنبور العادية وبالتالي عندما نشرب من هذه العبوات، نحن نعرض أنفسنا لمزيد من المواد الكيميائية المتسربة منها مثل البيزوفينول الذي يسبب مشاكل صحية مثل مشاكل في التعلم والسلوك وخلل في الجهاز المناعي ومشاكل في الخصوبة، ويزيد من تعرض الفتيات للبلوغ المبكر، بالإضافة إلى انخفاض تعداد النطاف (الحيوانات المنوية) وسرطان البروستات والثدي والسكري والبدانة.

تعد العبوات الزجاجية الخيار الأفضل عند شرب المياه المعبأة، إذا كنتِ أمًا شابة أو حاملًا، قد يكون طفلك أكثر عرضة للخطر، لذلك لا تغذي طفلك من العبوات البلاستيكية واستبدليها بالعبوات الزجاجية.

توجد مادة كيميائية أخرى في العبوات البلاستيكية هي الفتالات، ترتبط هذه المثبطات الطبيعية للغدد الصم بمجموعة واسعة من الآثار الجانبية البنيوية والتناسلية مثل انخفاض تعداد النطاف وضمور الخصية وسرطان الكبد.

بصرف النظر عن المواد الكيميائية التي تصنع منها هذه العبوات، عندما نشرب المياه المعبأة، نحن نعرض أنفسنا إلى مزيد من المواد الخطرة مثل الفلورايد والكلور والزرنيخ والألمنيوم وغيرها، والتي تعد في الأساس ملوثات سامة للمياه.

تخلط عدة مواد معًا في مياه الشرب المعبأة، وقد يكون لدى بعض الأشخاص حساسية تجاه هذه المواد، فيجب معرفة ما إذا كانت أعراض الحساسية الظاهرة نتيجة تناول جرعات صغيرة منها.

تكون مياه الشرب المعبأة حتى أكثر ضررًا عندما تترك العبوة مربوطة إلى دراجتك أو في السيارة، أو عند تعريضها لأشعة الشمس الحارقة، تسرع الأشعة فوق البنفسجية الصادرة عن الشمس من تحرر المواد الكيميائية في العبوة البلاستيكية إلى المياه المعبأة فيها، فتتحرر مادة سامة أخرى في الماء تدعى الديوكسين عند ترك العبوة في الشمس، وتسبب هذه المادة الإصابة بسرطان الثدي.

عند التنقل، خذ الماء المغلي والمصفى في عبوات زجاجية أو معدنية للحد من المخاطر الصحية، تحتوي المياه المعبأة في عبوات بلاستيكية على شراب الذرة عالي الفركتوز، والأصبغة الغذائية التي يمكن أن تضر بصحتك النفسية والجسدية.

يشكل توصيل المياه المعبأة الصالحة للشرب إلى المنازل خطرًا شديدًا، إذ تصنع هذه العبوات من نوع بلاستيك أكثر كثافة وتستخدم عدة مرات، تم اكتشاف معدن الأنتيموان (إثمد) الفضي في العديد من عبوات الميا وكلما طال بقاء عبوة المياه على الرف تزداد فرص انتقال الأنتيموان إلى الماء.

كشفت الدراسات على مدى السنوات الماضية أن المياه المعبأة تحتوي على الزرنيخ والبرومات ومركبات التنظيف والعفن والبكتيريا.

من الخطأ أن نفترض أن المياه المعبأة في عبوات بلاستيكية أكثر صحة ونظافة، على الرغم من أن جميع مصنعو هذه العبوات يؤكدون على نقاوة مياههم، إلا أن ذلك غير صحيح، فالمواد البلاستيكية المستخدمة هي البولي إتيلين تيرفتالات التي تستخرج من البترول الخام، تتسرب المادة الكيميائية إلى الماء عندما تصبح العبوة دافئة ومن المعروف أن الفتالات تعطل وظائف الغدد الصم وتلحق الضرر بكل من البشر والحيوانات.

يشكل التخلص من هذه العبوات خطرًا على البيئة فأثناء تصنيعها تصدر انبعاثات سامة شديدة الخطورة، وأثناء التخلص منها تتكدس على الشواطئ والطرقات وأرضيات الأبنية فتتراكم أكوام من البلاستيك لسنوات دون تحلل وتؤذي كوكب الأرض.

لتجنب الجرعة السامة، ثقف نفسك حول البلاستيك المستخدم من قبل الشركات المصنعة للمياه المعبأة، انظر إلى الجزء السفلي من العبوة واقرأ رمز التعريف لتعرف أي نوع من البلاستيك يتم استخدامه.

البولي إتيلين تيرفتالات هو نوع من البلاستيك يستخدم لصنع العبوات ذات الاستخدام لمرة واحدة، لكن إعادة التعبئة يزيد من خطر تسرب المواد الكيميائية إلى الماء.

يستخدم البولي إتيلين عالي الكثافة في صنع الأباريق، وهو غير مرتبط بأي نوع من التسرب.

نستطيع تشكيل مادة البولي بروبيلين (عديد البروبيلين) بسهولة، ما يعني أنها مكونة من مواد كيميائية أقل ولا تسبب التسرب، يجب أن نكون اقتصاديين وأصدقاء للبيئة ونجهز بيوتنا بالفلاتر المنقية للمياء، فإن أفضل مياه الشرب هي مياه الينابيع أو المياه التي تمت تصفيتها بتقنية التناضح العكسي، لذلك تجنب المياه المعبأة في عبوات من البلاستيك مثل كلوريد البولي فينيل والبوليستيرين.

تزيد عبوات المياه البلاستيكية من استهلاك الوقود الأحفوري في زمن نكافح فيه للتقليل من هذا الاستهلاك، وبما أن البترول الخام يستخدم لصنع هذه العبوات البلاستيكية، كلما زاد عدد العبوات التي نستخدمها تزداد الحاجة إلى البترول الخام لصنعها ونتيجة لذلك، يتم حرق المزيد من الوقود الأحفوري لملء العبوات وتوزيعها.

كشفت إحدى الدراسات أن صنع عبوات بلاستيكية فارغة يتطلب 273 مليار لتر من الماء، تنتج معالجة وتصفية مياه الصنبور لتعبئتها في عبوات مزيدًا من النفايات فكل لتر من الماء في عبوة بلاستيكية يتطلب لترين من الماء لصنعه، ولا يعاد تدوير سوى نصف هذه العبوات في النهاية، فتبقى كمخلفات مؤذية لكوكب الأرض.

حان الوقت للتخلي عن عبوات المياه البلاستيكية.


  • ترجمه: ديانا نعوس
  • تدقيق: داليا المتني
  • تحرير: أحمد عزب

المصدر