تبدو الأخبار العلمية بتعبير، مثل: الطاقة المظلمة، والمادة المظلمة، والمادة الوهمية، كقصص الأبطال الخارقين، أقرب ما تكون للخيال، فماذا إذًا وراء كل هذه الكلمات الضبابية؟، سيخبر (Cathal O’Connell) عن كل ما تلزم معرفته.

اكتشف علماء الفضاء خلال الـ 40 عام الماضية، أن كل ما يمكننا مشاهدته من نجوم، وكواكب ومجرات، تشكل أقل من 5% من الكون، وهنا نتساءل أين ذهب البقية؟، والجواب القصير أننا لا نملك أدنى فكرة.

إن ما نعرفه أن هناك فجوتين كبيرتين في فهمنا للكون، وكحلول مبدئية، يدعوها الفيزيائيون بالمادة المظلمة، والطاقة المظلمة.

وبشكلٍ موجز، المادة المظلمة هي المادة الخفيّة التي يمكننا أن نرصدها فقط بسبب جاذبيتها الواسعة التي تؤثر على النجوم والمجرات.

أما الطاقة المظلمة، فهي الأمر الغامض الذي يجعل الكون يتوسع بسرعةٍ مطردةٍ.

ونحن لا نعلم فيما إذا كانت المادة المظلمة، والطاقة المظلمة مرتبطتان، لكنهما في الغالب ظاهرتين مختلفتين تمامًا، ونطلق وصف مظلمٍ على كليهما فقط؛ لأننا لا نستطيع رؤيتهما.

• المادة المظلمة، كيف تم اكتشافها؟

منذ ثلاثينيات القرن كان علماء الفضاء يعلمون بأن طريقة دوران المجرات غير منطقية أبدًا، فالنجوم الموجودة على أطراف المجرات تتحرك بسرعةٍ أكبر بكثيرٍ من السرعة المتوقعة، سرعةٌ كبيرةٌ لدرجة أنه كان يجب عليها أن تتحرر من لعبة الدوران الكونية، وتقذف في الفضاء العميق، ويمكن تفسير هذه الحركة الغريبة إذا افترضنا وجود كمياتٍ إضافيةٍ من المادة داخل وجول المجرات، لا يمكننا رؤيتها، وهي الـ (المادة المظلمة)، التي تبقي على تماسك المجرات.

ومنذ ذلك الوقت، هناك العديد من المشاهدات الأخرى التي تتجاوز مقياس المجرات التي تدور، من فن الرقص الخاص بالعناقيد المجريّة، لتصادمات السُدُم، وكلها تقترح الأمر ذاته، مع أن بعض الفيزيائيين وضعوا نظرياتٍ أخرى، مثل بعض التعديلات على نموذج الجاذبية، ولكن الآن بات المعظم مقتنعًا إلى حدٍ كبيرٍ بوجود المادة المظلمة، بوصفه النموذج الوحيد الذي يناسب كل المعلومات الموجودة.

• ماذا نعرف؟

نحن نعرف أن المادة المظلمة لا تقوم بإشعاع الضوء، كما لا تمتصه ولا تعكسه؛ لذلك لا يمكن لها أن تتكون من كواكب صلبةٍ، أو سحب من مادةٍ عاديةٍ، ونحن نعلم أنها باردة، أي أنها – بلغة الفيزياء- تتحرك بسرعةٍ بطيئةٍ مقارنةً بسرعة الضوء، ونعلم أيضًا أنها تمتلك جاذبيةً، كما نعلم أنها لا تتفاعل بشكلٍ قويٍ مع أي شيءٍ، حتى مع نفسها، ولو لم تكن هكذا لتشكلت المادة المظلمة على شكل تراكيب مسطحةٍ  كالمجرات مثلًا، عوضًا عن الثقوب الكروية التي رصدناها، وهي تشكل تقريبًا 27% من الكون.

• ماذا يمكن للمادة المظلمة أن تكون؟

يمكن في الغالب أن تكون نوعًا جديدًا تمامًا من الجسيمات، أو عائلةً كاملةً من الجسيمات، وهي التي لم نرصدها مسبقًا، ويمكن لجزيئات المادة المظلمة أن تكون الآن حولك في كل مكان، وأن تخترق جسدك في هذه الثانية.

وهذا يعني أن الجواب على هذا اللغز الكوني المحيّر والأساسي، والذي يؤثر على الكون بمقاييس الملايين من السنين الضوئية، يمكن أن يكمن في فيزياء الجزيئات الصغيرة جدًا، أًصغر بكثيرٍ من الذرة.

وخلال الـ 30 سنةٍ الماضية، تنقل الفيزيائيون خلال العديد من المرشحين المختلفين لشغل اسم المادة المظلمة، والمشتبه به الأساسي اليوم هو نوعٌ من الجزيئات يسمى: (الجسيم العظيم ضعيف التفاعل)، واختصاره (WIMP)، وهو نوعٌ من الجسيمات الثقيلة الذي لا يتعرض إلا للقوة الضعيفة.

وواحدة من أهداف مسارع الهادرونات العظيم الخاص بسيرن، هو اكتشاف (WIMP)، وهي الطريقة نفسها التي اكتشف بها بوزون هيغز عام 2013م، وربما جسيمات المادة المظلمة المراوغة تم إنتاجها عندما تم تحطيم البروتونات مع بعضها البعض بسرعاتٍ قريبةٍ من سرعة الضوء.

• هل يمكننا رصد المادة المظلمة؟

إنه بجوار (CERN)، يوجد أكثر من 30 تجربةٍ حول العالم هدفها هو رصد المادة المظلمة، بعضها عبارة عن تليسكوبات مخصصةٍ للبحث في الفضاء عن أثر الجزيئات التي تنشأ عندما يتدمر جزيئين من المادة المظلمة.

والبعض الآخر عبارة عن أحواض كبيرة من النيون السائل تُراقب بغرض رصد أي علامة صغيرةٍ عند صدم جسيم من المادة المظلمة لنواة الذرة، ولم يرصد للآن أي أحد جسيمات المادة المظلمة بشكلٍ مقنعٍ، ولكن بعض التجارب قدمت احتمالاتٍ مختلفةٍ لما يمكن للمادة المظلمة أن تكونه.

ويبقى احتمال استحالة رصد المادة المظلمة قائمًا، خصوصًا لو تبين أنها جسيماتٌ لا تشعر حتّى بالقوى الضعيفة.

• القوة المظلمة، والفوتونات المظلمة.

قام بعض الفيزيائيين باقتراحٍ يقتضي بأن جسيمات المادة المظلمة تقوم بالتفاعل مع بعضها البعض عن طريق قوةٍ فيزيائيةٍ جديدةٍ، اسمها القوة المظلمة، تنتقل عن طريق الفوتونات المظلمة، وهي معروفةٌ أيضًا باسم (الإشعاع المظلم).

وفي الواقع ربما يكون هناك أنواع مختلفة من المادة المظلمة، بعضها تشعر بالقوة المظلمة، والبعض الآخر لا يفعل.

• الطاقة المظلمة، كيف تم اكتشافها ؟

تصور الفيزيائيون في بدايات القرن العشرين، بمن فيهم ألبرت آينشتاين الكون على أنه ثابتٌ، وغير متغيّر، ولكن في عام 1929م، رصد عالم الفضاء الأمريكي إيدوين هابل الحركة الخاصة بالنجوم المتفجرة، واكتشف أن الكون يتوسع باستمرار، وفي الواقع، كان يجب على الكون أن تكون له بداية، لحظة خلقٍ تسمى الانفجار العظيم.

ويمكننا تصور الانفجار العظيم على أنه (انفجار)، ولكن بعد الشعلة البدائية، اعتقد الفيزيائيون أن الانفجار بدأ بالتباطؤ بمرور الزمن بفعل الجاذبية التي قامت بجذب كل شيءٍ مجددًا إلى نقطةٍ محددةٍ.

وكان السؤال فيما إذا كان الكون سيتوقف عن التوسع ويعكس اتجاهه (ينكمش)، ويعود مجددًا إلى (انسحاق عظيم)، أم لا؟.

ثم، وفي عام 1998م، بدأت الأمور بالتعقّد، وباستخدام الأسلوب الخاص نفسه بهابل – بما في ذلك التليسكوب المسمّى على اسمه-، اكتشف العلماء أن تمدد الكون لم يكن بطيئًا، بل على العكس كان يتسارع، فالمجرات، في الواقع، كانت تبتعد عن بعضها بسرعاتٍ أسرع فأسرع كل عام.

وكانت النتائج غريبةً وغير متوقعةٍ، تشبه كونك تسير مثلًا في طريقٍ سريعٍ ممهدٍ، ورفعت قدمك عن المسّرع فبدأت سيارتك بالإسراع!، لكن البيانات كانت مقنعةً، فقد اقتنع العلماء أن مثل هذا التسارع، لا بد أن يكون محركًا من قبل نوعٍ ما من الطاقة، وأطلقوا عليها اسم: (الطاقة المظلمة).

• ماذا نعرف عنها ؟

نعلم أن الطاقة المظلمة تقوم بالتأثير على الكون كاملًا، ونعلم أنها تتصرف بما يشبه (جاذبية سالبة)، إذ تقوم بدفع المجرات بعيدًا عن بعضها البعض، كما نعلم أيضًا أن الطاقة المظلمة لم تكن موجودةً قبل بلايين السنين – في النصف الأول من حياتها، حيث كان توسع الكون بطيئًا بفعل الجاذبية-.

وهذا جعل العلماء يعتقدون أن الطاقة المظلمة مقيدةٌ بشكلٍ ما بالمكان نفسه، وهذا يعني أن كثافتها في الفضاء (المكان) هي دائمًا نفسها، ولكن مع تمدد الكون، – أي أن المزيد من المكان يتم إنتاجه-، فكميات الطاقة المظلمة، هي الأخرى تزيد، وهذا يفسر لماذا كانت كمية الطاقة المظلمة ضئيلةً عندما كان الكون متناهيًا في الصغر.

• ماذا يمكن أن تكون؟.

ربما يكون الجواب للغز الطاقة المظلمة موجودًا في الحقل الكمّي الصغير، ففي نظرية الكم الفضاء الفارغ ليس فارغًا على الإطلاق، ولكنه في الواقع مليء بعددٍ من الجزيئات التي تظهر وتختفي فجأةً من الوجود، ومع كل الغرابة التي تظهر على الأمر، قام الفيزيائيون فعلًا بقياس القوة الناشئة من هذه الـ (المدعوّة) بالجسيمات الافتراضية في المختبر.

والمشكلة تكمن في أنه عندما حاول الفيزيائيون حساب مقدار الطاقة التي تسهم فيها هذه الجسيمات الافتراضية في كل متر مكعب من الفضاء الفارغ، خرجوا برقم يعادل معاملًا للرقم 10 مرفوعًا للقوة 120، وهو رقمٌ هائلٌ جدًا مقارنةً بكثافة الطاقة المظلمة، كما تم قياسها عن طريق التوسع المتسارع للكون، والرقم 1 و120 صفر أمامه، وهو جوابٌ مضحكٌ يسمى بـ ( أسوأ توقع نظري في تاريخ الفيزياء).

• العنصر الخامس.

يعتقد بعض الفيزيائيين أن الطاقة المظلمة شبيهة بقوة خامسة للطبيعة، تغطي كل الفضاء، يدعونها بالـ (العنصر الخامس)، وهو اسم العنصر الخامس الذي تنبأ به فلاسفة الإغريق، وعلى عكس الثابت الكوني، يتوقع أن يكون العنصر الخامس متغيرًا بمرور الوقت، وقد كان في وقتٍ ما جاذبًا، واليوم هو دافع طارد.

• التمزق العظيم، والطاقة المظلمة الخيالية.

يمكن للعنصر الخامس في بعض النظريات، أن يصبح أقوى بمرور الزمن، وفي بعض الحالات يدعى بـ (الطاقة المظلمة الخيالية)، وهذا يمكن أن يدمر الكون.

وإذا استمر توسع الكون بالتسارع، سيصل بالنهاية إلى سرعة الضوء، إذ ستبتعد في البداية المجرات، والنجوم عن بعضها البعض، وفي النهاية سيتوسع الفضاء الواصل بين الشمس والأرض بأسرع من الضوء، والذرات ستتمزق إربًا بفعل توسع المكان داخلها بأسرع من الضوء، وهذا هو التمزق العظيم.

• جاذبية جديدة؟

قد لا تكون الطاقة المظلمة قوةً جديدةً، ولكنها قد تكون إشارةً على أنه، وعلى مقاييس كبيرةٍ جدًا، لا تتصرف الجاذبية كما تفترضه النظرية النسبية العامة لآينشتاين.

• نموذج لامدا المادة المظلمة الباردة « ΛCDM »

هذا هو الاسم الخاص بأفضل صورة كوَّنها علماء الفيزياء الفضائية عن الطريقة التي يعمل به الكون، ( Λ) أو (لامدا)، وهي تمثل الطاقة المظلمة، في حين تمثل المادة المظلمة الباردة الاتفاق الجماعي، على أن المادة المظلمة عليها أن تتكون من نوعٍ من الجسيمات غير المعروفة سابقًا، والتي تتحرك بسرعاتٍ بطيئةٍ.

وفي هذا التصور، تشكل المادة المظلمة 27% من الكون، في حين تشكل الطاقة المظلمة حوالي 68%، والمادة العادية التي تتكون منها النجوم والمجرات وشحومنا ولحومنا، تشكل أقل من 5%.


  • إعداد: أسماء الدويري.
  • تدقيق: رجاء العطاونة.
  • تحرير:عيسى هزيم.
  • المصدر