هل يمكن تقبل شرب مياه الصرف الصحي المعالجة؟


منذ عدة سنواتٍ أصبحت عملية معالجة مياه الصرف الصحي، وتحويلها إلى مياهٍ صالحةٍ للشرب أمرًا ممكنًا ومتوفرًا، ولكن استخدام هذه التقنية لا يزال محدودًا على الرغم من أنها تمثل أحد أفضل الحلول؛ لمشكلة نقص مياه الشرب حول العالم، إذ لا يبدو أن أحدًا يرغب في شرب هذه المياه، ولكن لماذا لا يرغب أحد بشربها؟!.

يعود جزءٌ من سبب رفض ذلك إلى ما يدعى بـ (عامل القرف – The Ick Factor)، فنحن لا نرفض فكرة شرب شيءٍ كان موجودًا ضمن مرحاض أحدٍ ما في السابق، وقد عبرت عن ذلك عالمة السيكولوجيا، وبروفيسورة علم النفس والاجتماع، (كارول نيميروف -Carol Nemeroff) بقولها: “يمكنك التخلص من التلوثات الموجودة في الماء، ولكن ما لا يمكنك فعله هو تخليص هذه المياه من هويتها كونها مياه صرفٍ صحيٍ”.

ولهذا السبب، يعمل علماء النفس على دراسة وفهم شكوكنا، وأحكامنا المسبقة، بغرض إيجاد وسيلةٍ لإقناع الأشخاص المترددين بشرب هذا الماء.

عامل القرف.

وفقًا للبروفيسور بريت حداد (Bret Haddad) أستاذ علوم البيئة في جامعة كاليفورنيا، سانتا كروز، تمر المياه المعالجة، الصالحة للشرب بالعديد من العمليات التي تهدف إلى تصفية وقتل كل المكونات الضارة، وتصبح بعد ذلك صالحةً للشرب بشكلٍ آمنٍ تمامًا، فهي كما يقول: “المياه نقية لدرجة أنها بحاجة إلى تزويدها بالأملاح من أجل النكهة، فهي تكافئ الماء المقطر في درجة نقائها”.

وحسب البروفيسورة نيميروف، يمكن تفسير نفورنا من شرب مياه الصرف الصحي المعالج، بأحد المبادئ الخفية للتفكير والمدعو بـ (العدوى الخفية- Magical Contagion)، وينص هذا المبدأ على ربط أمرٍ ما بأمرٍ آخر؛ لأنهما كانا مترافقين في السابق، مثل: المياه، والمجاري هنا، حتى وإن انفصل هذان الأمران، ولم يعد هناك سببٌ منطقيٌ للربط بينهما، -أي بعد تنقية المياه-، قد تبقى فكرة (العدوى) أو ربط أمرين ببعضهما بعضًا، تشمل أفكارًا إيجابيةً أو سلبيةً، فمثلًا: أنت تميل لإعطاء قيمةٍ معنويةٍ عاليةٍ لخاتم جدتك، أكثر مما قد تعطيه لخاتمٍ آخر يشبهه تمامًا في كل المواصفات، وتفسر نيميروف هذا الأمر، بأنه ذو فائدةٍ تطوريةٍ بالرغم من كونه غير منطقيٍ علميًّا، إذ قالت: :نند نتخذ قراراتٍ في حياتنا اليومية، بناءً على معلوماتٍ غير كاملةٍ، ونادرًا ما نجلس ونحلل بمنطقيةٍ إيجابيات وسلبيات كل ما نفعله”.

هل يمكن أن تشربها؟

قامت نيميروف وزملائها للحصول على فكرةٍ حول رغبة الناس في شرب المياه المعالجة من عدمها، باستبيان 2700 شخص من 5 ولاياتٍ أميركية، وكانت النتيجة: أن 38% من هؤلاء الأشخاص أجابوا بالموافقة، و50% تقريبًا ذكروا أنهم مترددون، و13% تقريبًا رفضوا ذلك بشكلٍ قاطعٍ.

وتم بعد ذلك سؤال المشاركين في الاستبيان عن رغبتهم في شرب المياه، بعد تعريضها لعملياتٍ مختلفةٍ من التنقية، مثل: عزل الأوساخ، والتنقية، والغلي الخ، وقد تبين أن نسبة الرافضين أو المترددين، لم تتغير بشكلٍ كبيرٍ، أي أن توضيح عمليات التنقية، لم يكن مفيدًا في إقناعهم، أو تغيير رأيهم.

والأمر الوحيد الذي غيّر رأي المشاركين، هو أنه حين تم سؤالهم فيما إذا كانوا سيشربون المياه في حال كانت معبأة في زجاجاتٍ، أو أنها مُخرجَة من صنابير المياه خاصتهم، وهنا أجاب الجميع تقريبًا بالموافقة، وفسرت نيميروف قابلية الموافقة هذه بقولها: “بعض الأشخاص يرغبون فقط بكون المياه التي يشربونها مرخصةً على أنها آمنة، ولا يهمهم معرفة التفاصيل”.

الحلول.

قد يكون كسر التواصل بين مياه الصرف الصحي ومياه الصنبور خطوةً مفيدةً في إقناع الأشخاص بشربها، إذ ظهر في استبيانات نيميروف، أن قابلية الأشخاص لشرب الماء تزداد لدى تخزين ماء الصرف الصحي في مستودعٍ لفترةٍ من الزمن حتى تترسب المواد الملوثة، وهذه العملية تجري بالفعل في معالجة مياه الصرف الصحي.

وأحد الحلول الأخرى، هي إرسال المياه المعالجة مباشرةً إلى مطابخ الجميع، عبر تمديدات المياه الرئيسية، وعندما يكتشف هؤلاء الأشخاص أنهم يشربون المياه المعالجة منذ فترة دون أن يتغير عليهم شيء، سوف يتقبلونها بشكلٍ تلقائيٍ، وفسرت نيميروف هذا الحل بقولها: “عندما نقوم بتصرفٍ ما لفترةٍ كافية، فإننا نتوقف عن رؤيته أمرًا خطيرًا، أما عندما يكون هذا التصرف غريبًا وجديدًا فإننا نميل إلى المبالغة في ردّات أفعالنا”.


  • ترجمة: بشار غليوني.
  • تدقيق: رجاء العطاونة.
  • تحرير: زيد أبو الرب.

المصدر