استخدم الفّنانون والخطّاطون الصينيون لقرون حبرهم في تأريخ عددٍ لا متناهي من القصص التي تحدث في عالمنا هذا. إلا أنّ هذا الحبر قد يُستخدم لأهداف جديدة.

اكتشف العلماء أن الحبر الصيني التقليدي نباتيّ المنشأ والمسمى Hu-Kaiwen يملك خصائص جزيئيّة مميّزة، ليست فقط مناسبة لتدوين الرسائل على ورق، إنّما هي أيضًا مادة مثالية لقتل الخلايا السّرطانية.

بدأ فريق صيني موجّه من قبل باحثين من جامعة فودان -Fudan في شنغهاي، بدؤوا البحث وتحرّي الحبر الصيني Hu-Kaiwen المسمّى أيضًا (aka Hu-ink) بعدما وجدوا التشابه بينه وبين المركبات النانومترية الصنعية المستخدمة في علاج السرطان المستحدثة والتي تدعى العلاجات الضوئية الحراريّة photothermal therapy (PTT).

تتطلّب طريقة الـ PTT حقن مواد تحتوي هذه المركبات النانومترية ضمن الورم في الجسم، تُستهدف هذه المواد فيما بعد بالليزر. بمجرد أن يصدم الليزر محافظَ المواد النانومترية الموزّعة في الخلايا السرطانيّة، ترتفع حرارة هذه الخلايا وتتموّت.

تكمن صعوبات هذه الطريقة ذات الحدّين، في إيجاد المواد المناسبة والملائمة للحقن داخل الجسم.

تحرّى الباحثون عن أنماط من المواد النانومترية الصنعيّة بالبحث في PTT، بما في ذلك الأنابيب النانوية الكربونية -carbon nanotubes والغرافين -graphene، إلا أنهم وجدوها إما ذات سميّة، أو مكلفة، أو صعبة التصنيع.

بدا بالرّغم من هذا أن مواصفات الحبر الصيني الأسود قد تغطي كل الثغرات التي يبحث العلماء لملئها في انتقاء المواد المنتخبة للـ PTT : بدءًا من اللون المناسب لامتصاص الحرارة والضوء، الثباتية الجيدة في الماء، لا يشكّل عائق من حيث الكلفة والتصنيع، والأكثر أهميّة ألّا يسبّب سميّة للجسم.

حلّل الباحثون الحبر بغرض اختبار صحّة فرضياتهم، في نظام مبعثر مائي فوجدوا أن له ألفة لتكتلات الجسيمات الكربونيّة النّانوية، والتي من الممكن بوضعها عند إشعاعات الطيف الأحمر القريب، أن ترتفع درجتها حتى 55 درجة سلسيوس (ما يكافئ 131 درجة فهرنهايت) بمرور 5 دقائق فقط، والذي يعتبر امتصاصًا حراريًّا أعظم بكثير من مواد PTT الصنعيّة الأخرى. أظهر الحبر (بالإضافة إلى ما ذكر سابقًا) ثباتيّة كبيرة، ما يعني إمكانيّة احتفاظه بخصائصه لفترة طويلة من الزمن.

كما شرحوا في دراستهم: «وجدنا أن الخواص الضوئيّة الحراريّة للحبر الصيني بالكاد أظهرت تغيّرًا (لم تظهر تغيّرًا ملحوظًا) مع تزايد فترة التخزين إلى 90 يوم، وأضافوا: اكتشفنا أن الحبر الصيني Hu-ink ثابت الخصائص الضوئية الحرارية.»

وُجد خلال الفحوص المخبرية للحبر على أطباق أنّه متوافق حيويًّا مع الخلايا البشرية في ظروف طبيعية، عند رفع درجة الحرارة يُبدي تأثيرًا قاتلًا للخلايا السرطانية مُظهرًا فعالية أعظم عند تثبيت شدة الليزر ورفع تركيز الحبر.

كما أظهر من خلال فحوص مستقلة على فئران تجارب فعالية عالية، إذ أنه قضى على الخلايا السرطانية بنسبة أكبر من تلك التي تحققها طريقة علاج الـ PTT التقليدية، وبالمثل لم تظهر التجارب على الفئران المحقونة أي تأثيرات سمية.

وضّح الفريق: «لم تُستقصى أية أذية عضوية من حيث إمراضيات (علم أمراض) للأعضاء الرئيسة بما في ذلك الدماغ، القلب، الرئتين، الطحال، الكبد، والكلية، وأضاف: خلال مسار العلاج، لم يطرأ على الفئران أي تغير في الوزن وبالتالي لا يملك الحبر المأخوذ أي تأثير جانبي محدد، كما أظهر توافقًا حيويًّا جيدًا.»

يبقى موضوع فيما قد نلحظ بالمثل نتائج واعدة بالاختبارات على البشر سؤالًا مفتوحًا إلى حد الآن، إلا أن الفريق يؤكد أهمية تحري تأثير الحبر الصيني في التجارب السريرية.

قد ينتهي حبر Hu-Kaiwen ، في حال تقدمت التجارب السريرية في هذا المجال، إلى لعب الدور الأهم في مسيرة حياة البشر، ألا وهو إنقاذُها.
نشرت هذه الدراسة عند الجمعية الأميركية للكيمياء ACS Omega.


  • ترجمة: مريم عيسى
  • تدقيق: أسمى شعبان
  • تحرير: محمد سمور
  • المصدر