تشير دراسةٌ جديدةٌ في علم الأعصاب المتعلّق بالألم السريري إلى أنّ الإحساسَ بالتصلّب أو التيبُّس قد لا يعكس الحالةَ الفعليّةَ للعمود الفقريّ أو المفاصل.

إنّ هذه النتائجَ التي توصّل إليها الفريق في هذه الدراسة قد تمهّد الطريقَ لعلاجاتٍ جديدةٍ قد تساعد الأشخاصَ الذين يعانون من آلامٍ مزمنةٍ في أسفل الظهر.

إنّ آلامَ أسفل الظهر هي السبب الرئيسُ للإعاقة حول العالم، وتصيب حوالي 9.4% من سكان العالم.

قد لا يتمكّن الأشخاص الذين يعانون من آلام أسفل الظهر في بعض الأحيان من التخلّص من الألم، وفي الواقع تشير التقديرات إلى أنّ 20% من المصابين يتطوّر لديهم الألم إلى ألمٍ مزمنٍ. وهو الألم الذي لا يسكن لمدّة اثني عشر أسبوعًا أو أكثر.

ولكن هل يمكن أن يكونَ عدمُ الارتياح والتيبّس مسألةَ إدراكٍ فقط؟ وهل يمكن أن يكونَ الشعورُ بالألم لا يعني بالضرورة أنّ الجسمَ يعاني من الألم حقًّا؟ تشير لذلك دراسةٌ جديدةٌ نُشرت في مجلة Scientific Reports.

وترأّس الباحثون الدكتورة Tasha Stanton، وهي زميل باحث أقدم في كلية العلوم الصحيّة بجامعة جنوب أستراليا في أديلايد.

دراسة مشاعر آلام أسفل الظهر:

تبحث الدكتورة  Stantonفي علم الأعصاب وراءَ الألم السريريّ، ودافعُها لهذه الدراسة الجديدة نابعٌ من الأدلّة السابقة والتي تشير إلى أنّ الأشخاصَ الذين خضعوا لعمليّة بترٍ لأحد الأطراف يشعرون بالألم في تلك الأطراف والتي بُترت أصلًا، أو أنّ الشعورَ بالألم قد يتأثّر بالعديد من العوامل الحسيّة الأخرى كالمُحفّزات البصريّة أو السمعيّة.

جمعتِ الدكتورة وفريقها 15 شخصًا والذين أشاروا إلى أنّهم يعانون من أعراض آلام أسفل الظهر المزمنة بالإضافة إلى 15 مشاركًا آخرَ بأعمارٍ مطابقةٍ لأقرانهم بالمجموعة الأولى.

وقد أجرى الفريق ثلاثَ تجارب، استُخدم في التجربة الأولى جهازٌ يسلّط ضغطًا على العمود الفقريّ ويمكنه قياس التصلّب الناتج عنه.

وقد قارن الباحثون قراءاتِ هذا الجهاز مع درجة التصلّب التي شعر بها المشاركون الذين عبروا عنها باستخدام مقياس من «غير متصلّبٍ على الإطلاق» إلى «أكثر تصلّبٍ يمكن تخيّله».

وفي التجربة الثانية، قيل للمشاركين إنّهم سيتعرّضون لقوّةٍ، ثم يُطلب منهم تقدير مقدار تلك القوّة بدقّةٍ قدر الإمكان.

وأخيرًا، فإنّ التجربةَ الثالثةَ تهدف إلى دراسة ما إذا كان وجود أو عدم وجود الأصوات أثناءَ الإحساس بالضغط سيغيّر كيفيّةَ  إدراك تلك الصلابة او التيبّس.

هل الشعورُ بالتيبّس أو التصلّب هو ردُّ فعلٍ واستجابةٌ وقائيّةٌ ؟

أراد الباحثون تقييمَ هذه النقطة وذلك استنادًا إلى نتائج التجربتين الأولى والثانية، ممّا أدّى بهم إلى فرضيّة «إنّ الشعورَ بالتصلّب قد يمثّل بناءَ الإدراك الحسّيّ الوقائيّ».

تقول الدكتورة Tasha Stanton: «يبالغ الأشخاص المصابون بالتصلّب والآلام المزمنة في أسفل الظهر في تقدير مقدار القوّة المسلّطة على الظهر – كانوا أكثرَ حذرًا بالنسبة لظهورهم -، وإنّ كميّةَ المبالغة في تقدير هذه القوّة ترتبط بدرجة الشعور بالتصلّب في الظهر، فكلّما زاد الشعور بالتصلّب زادتِ المبالغة في تقدير القوّة، وهذا يشيرُ إلى أنّ الشعورَ بالتصلّب هو ردّ فعلٍ وقائيٍّ – من المرجح – لتجنّب الحركة».

وتضيف: «في النظريّة، يجب أن يكونَ العمود الفقريّ لدى الأشخاص الذين يعانون من تصلّبٍ في الظهر متصلّبًا أكثرَ من أولئك الذين لا يعانون منه، وقد وجدنا أنّ هذه ليست هي المسألة في الواقع، وبدلًا من ذلك فإنّ درجةَ حمايتهم لظهورهم هي أفضل عاملٍ في توقّع درجة شعورهم بتصلّبها».

وتشرح أيضًا نتائجَ التجربة الثالثة قائلةً: «وجدنا أنّ هذه المشاعر يمكن أن يتمَّ التلاعب بها باستخدام أصواتٍ مختلفةٍ، حيث كان الشعور بالصلابة أسوأَ مع صوت صرير الباب وأقلَّ مع أصوات رنينٍ لطيفةٍ».

وتضيف: «هذا يزيد من احتماليّة أن نتمكّنَ من استهداف التصلّب دونَ التركيز على المفصل نفسه ولكن باستخدام حواسٍّ أخرى»، معتبرةً أن النتائجَ تفتح آفاقًا علاجيّةً جديدةً لآلام الظهر المزمنة.

وتقول أيضًا: «يستخدم الدماغ المعلوماتِ من مصادرَ مختلفةٍ ومتعدّدةٍ بما في ذلك الصوت واللمس والرؤية، لخلق أحاسيسَ مثل الشعور بالتصلّب، وإذا استطعنا التلاعبَ بمصادر المعلومات هذه فإنّنا قد نكون قادرين على التلاعب بالشعور بالتصلّب، وهذا يفتح البابَ أمامَ إمكانيّاتٍ جديدةٍ للعلاج، وهذا أمرٌ مثيرٌ للإعجاب».

الخلاصة هي أنّ الأبحاثَ الجديدةَ أشارت إلى أنّ الشعورَ بالتيبّس في منطقة أسفل الظهر قد يكون نوعًا من الخداع الذي يقوم به الدماغ لحماية هذه المنطقة ومنع وقوع المزيد من الأذى.


  • ترجمة: بشار الجميلي
  • تدقيق: اسماعيل اليازجي
  • تحرير: احمد عزب

المصدر