الصين وروسيا والولايات المتحدة تخوض سباق تسلّح بالذكاء الاصطناعي


الصين، روسيا، والولايات المتحدة تتسابق عالميًا لتطوير (الذكاء الاصطناعي-AI) وتحديد المستقبل
كيف ستتمّ المنافسة، وكيف سيُغيّر السباق من الرهانات؟

ثورية، ليست مختلفة فحسب..

تدرك روسيا ورئيسها فلاديمير بوتين أنّ هيمنة العالم والذكاء الاصطناعي أمران لا يمكن فصلهما، صرّح بوتين في بثّ لفيديو مباشر حيث بدأت المدارس هذا الشهر «أنّ الذكاء الاصطناعي هو المستقبل، ليس لروسيا فقط، بل للبشرية جمعاء، ومَن يواكب هذا المجال سيُسيطر على العالم دون أدنى شك»

في الواقع بوتين ليس متطرفًا في أفكاره، إلا أنه يحاول التفوق في السباق الذي تخوضه روسيا والصين والولايات المتحدة، ليحظى بقوة عسكرية ذكية، إذ اعترفت كل دولةٍ منهم رسميًا بأهمية الآلات الذكية لمستقبل أمنها القومي، كما تنظر إلى تقنيات الذكاء الاصطناعي مثل الطائرات دون طيار وبرمجيات المعالجة الذكية على أنّها أدوات لتعزيز القوة العسكرية البشرية.

صرّح غريغوري ألين (رفيق أمني أمريكي جديد) لموقع WIRED «تتّفق روسيا وأمريكا والصين أنّ الذكاء الاصطناعي سيكون التكنولوجيا الرئيسية التي ستعزّز القوة الوطنية في المستقبل»

كما شارك في تأليف تقريرٍ صدر مؤخرًّا بتكليف من المخابرات الوطنية مضيفًا: «على غرار ما حدث مع التقنيات العسكرية السابقة، فإن آثار الذكاء الاصطناعي على الأمن القومي ستكون ثورية، ليست مختلفة فحسب، إذ ستضع الحكومات سياسات أو استراتيجيات استثنائية حول العالم استجابة لذلك، وربما جذرية وجوهرية، على غرار التي وُضعت في العقود الأولى للأسلحة النووية»

العداء الأول

أصدر مجلس الدولة الصيني إستراتيجية مُفصّلة في شهر يوليو، هدفها جعل البلاد «العدّاء الأول، ومركز الابتكار العالمي في الذكاء الاصطناعي بحلول عام 2030»

وضعت الحكومة سياسات تضمّنت تعهدات أو وعود للاستثمار في الذكاء الاصطناعي وما يرتبط بها من بحث وتطوير والتي سترفع من مستوى وقوة الدفاع القومي، وستحمي الأمن القومي.

تمتلك الصين حاليًا القوة، الدعم الحكومي، والموارد اللازمة لتشكل قوة ذكاء اصطناعي عالمية بحسب تقارير صدرت مؤخرًا من مؤسسة (جولدمان ساكس-Goldman Sachs).

بالإضافة إلى ذلك تمتلك خبرة في توجيه الذكاء الاصطناعي لإدارة سكانها، وهذا ما تتفوق فيه على الولايات المتحدة بناءً على نظامها المختلف في الحكم، إذ تستكشف الصين الآن إمكانية استخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي مثل (التعرف على الوجه-facial recognition) لتساعد في الحدّ من الجرائم قبل وقوعها بناءً على أنماط سلوكية، ممّا يعني امتلاك نظم الذكاء الاصطناعي الصينية خبرة مراقبة متخصصة وتوجيه سيُحوَّل بشكل جيد لتطبيقات عسكرية.

علاوةً على ذلك تربط إستراتيجية الصين تطورات الذكاء الاصطناعي التجارية بشكل مباشر مع تطبيقات دفاعية، وهي صفة أخرى تتأثر بحكومة الصين المركزية القوية، إذ يُدير محركُ البحث الرائد في الصين (بايدو-Baidu) مختبرَ تعليم آلي وطني، لتعزيز قدرة الصين التنافسية، كما تشكل جامعة (بيهانغ-Beihang) مركزًا لتطوير طائرات دون طيار، وجزءًا من مشروع التعليم الآلي الصيني، لا سيما أنّ وزارة التجارة الأمريكية منعت الجامعة من تصدير بعض المواد أو القطع بسبب الأمن القومي.

روسيا في طور التقدم

على الرغم من أنّ روسيا لا تزال تتبع الصين والولايات المتحدة في مجال الذكاء الاصطناعي، فقد أثار برنامج التحديث العسكري الذي بدأ عام 2008، توسعًا ضخمًا واستثمارات جديدة في الذكاء الاصطناعي، إذ وضعت اللجنة العسكرية الصناعية الروسية هدفًا ألا وهو جعل نسبة 30% من المعدات العسكرية روبوتية بحلول سنة 2025، لكنّ صناعات روسيا التقنية المحدودة مقارنةً مع الصين والولايات المتحدة تتطلّب منها وضع هذه الأهداف الطموحة وتحقيقها للبقاء في المنافسة، علاوة على ذلك تتمتع روسيا بأسلوب أكاديمي قوي في التكنولوجيا والعلوم، وانتشار فعال للتكنولوجيا التي تمتلكها.

الذكاء الاصطناعي في الولايات المتحدة

تشتهر الولايات المتحدة أنّها المركز العالمي لتطوير الذكاء الاصطناعي المتقدم، لكنّ هذا التطور كان يتركز ضمن القطاع الخاص، وفي الواقع كانت الحكومة متأخرة في استراتيجياتها وبحثها وتطويرها، استمر ذلك حتى شهر أكتوبر من عام 2016 حيث أصدر البيت الأبيض تقريرًا عن الذكاء الاصطناعي.

علاوة على ذلك ليس بمقدور الولايات المتحدة طلب تعاون من القطاع التقني الخاص مثلما تفعل الصين وروسيا، إذ يرتبط ما تتلقاه الحكومة الأمريكية من تعاون بالمناخ الرئيسي، ويشير الخبراء إلى أنّ الولايات المتحدة متأخرة عن الصين وروسيا في استخدام الذكاء الاصطناعي

يعود ذلك جزئيًا إلى اعتماد حكومات الدول الاستبدادية على الاستخبارات وقدرتها على كشف واستبعاد المخربين المحليين لضمان بقائها، وبذلك يمكنها أن تُطّبق التكنولوجيا بغضّ النظر عن الخصوصية أو الحقوق المدنية، بالإضافة إلى استخدام وكالة المخابرات المركزية الأمريكية «ذات المهمات الخارجية ظاهريًا لا محليًا» الذكاءَ الاصطناعي لجمع بيانات من حسابات مواقع التواصل الاجتماعي.

المحصلة النهائية

يختلف سباق الذكاء الاصطناعي الذي تخوضه روسيا وأمريكا والصين عن أي سباق تسلّح سابق، إذ تمتلك التكنولوجيا تطبيقات تجارية واضحة وفورية في هذا السباق، فنفسها التكنولوجيا التي تساعد (فيسبوك-Facebook) بالإشارة إليك تلقائيّا في صورة ما، تساعد الحكومة بالعثور على الجواسيس والمشتبه بهم، كما تتطلب السياراتُ ذاتية التحكم التقنيةَ التي تحتاجها الطائرات دون طيار والمركبات العسكرية، بناءً على ذلك تُجري الشركات الخاصة بحوثًا عسكرية فعالة سواء أرادت أم لا.

إنّ الأمر الإيجابي في خطاب بوتين المشؤوم اعترافَه بأنّ هدم مجال الذكاء الاصطناعي سيجعل العالم أكثر أمانًا, على غرار حجة الردع النووي، فإنْ امتلكنا أسلحة نووية لدى الطّرفين سيحتّم دمارهما معًا، لذا لن نستخدمها..

كما أشارت ورقة بحث ألين إلى أنّ الذكاء الاصطناعي سيغيّر الأمور بشكل جوهري، إذ لن يؤثر حجم الشعوب على قوتها الوطنية، فالدول الصغيرة التي ستملك ذكاءً اصطناعيًا «ستمتلك قوة أكبر من حجمها»

في المقابل لو دربنا نظم الذكاء الاصطناعي بشكل أخلاقي، ستتأكد بنفسها أنّ التعاون وتشارك الموارد يُشكّلان إستراتيجية مفيدة مثلى.


  • ترجمة: قصي أبوشامة
  • تدقيق: سهى يازجي
  • تحرير: زيد أبو الرب

المصدر