تقبل معظم العلماء بأن الكون بدأ بالانفجار الكبير، ولكن كيف لنا أن نعلم عن حقيقة شيء ما حدث منذ وقت طويل؟ فيما يلي ملخص لبعض الأدلة على نظرية الانفجار الكبير:
توسع الكون
عند النظر إلى السماء ليلاً يمكننا رؤية الكثير من النجوم في السماء والتي تنتمي إلى مجرتنا، ولكن يمكننا أيضاً رؤية بعض البقع الغامضة والتي لا يمكن رؤيتها بوضوح دون استعمال تلسكوب مناسب، وهذه المجرات مماثلة لمجرتنا، ولكنها أبعد بكثير من النجوم.
إذا ألقينا نظرة عن كثب على هذه المجرات، فسوف نتوقع أن بعضها سيكون متجهاَ صوبنا وبعضها متجهاَ بعيداً، لكن في الواقع فإن جميع هذه المجرات تقريباً تبتعد عن مجرتنا وعن بعضها بسرعات عالية جداً.
نحن نعلم بأن المجرات تتحرك بعيداً تحت تأثير ما يسمى (التحول إلى الأحمر) وهو مماثل لأصوات السيارات عندما تتجه نحونا فتكون أصواتها عالية التواتر، وتكون منخفضة التواتر عندما تتحرك بعيداً.
وبما أن معظم المجرات تتحرك بعيداً عنا، فإن الكون يتوسع حُكماً، (لكن هذا لا يعني أن الأرض في مركز الكون، فيمكننا تخيل الكون مثل الكعكة التي تنضج في فرن بحيث تكون كل نقطة في الكعكة تبتعد عن أي نقطة أخرى أينما كانت).
وبما أن الكون في حالة توسع فهذا يعني أنه كان أصغر وأكثر تراصاً، وإذا عدنا إلى الوراء في الزمن بالقدر الكافي سوف تكون مادة الكون كلها متجمعة في نقطة واحدة انفجرت إلى الخارج بما يسمى الانفجار الكبير والذي يمكننا معرفة وقت حدوثه بناءً على الحجم الحالي للكون وسرعة توسعه فيكون عمر الكون ما يعادل 14 مليار سنة.
رؤية شفق الانفجار الكبير
لا يمكن رؤيته بالعين المجردة، ولكن يمكن لبعض التلسكوبات لدينا أن تسهل علينا مشاهدته، لأنه في واقع الأمر فإن أعيننا لا ترى سوى جزء صغير من الضوء في الكون.
إضافةً إلى الضوء المرئي،هناك أنواع أخرى من الضوء، مثل الأشعة السينية والأشعة تحت الحمراء والأشعة فوق البنفسجية، إضافة إلى موجات الراديو والموجات الميكروية؛ والتي لديها أطوال أمواج أقصر أو أطول من الأطوال الموجية للضوء المرئي.
وبعد الانفجار الكبير فإن هذه الأضواء غمرت الكون كله بنورها الساطع بشكل لا يصدق، ومع توسع الكون فإن الضوء امتد معه حتى أن وصل الآن إلى الأمواج الميكروية الدقيقة.
تلسكوب الموجات الميكروية يمكنه رؤية هذا الضوء القديم المتشكل منذ بداية الكون. في الواقع إن النظر عبر تلسكوب الموجات الميكروية يُظهر لنا توهجاً يملأ السماء ليلاً ونهاراً – على عكس الضوء القادم من النجوم – وهذا التوهج نفسه نجده وقتما نظرنا إلى السماء وأينما كنا، ويسمى هذا التوهج <خلفية الموجات الميكروية الكونية>.
رؤية سحب الغاز في الكون المبكر
النظر بعيداً في الفضاء يشبه النظر إلى الوراء في الزمن، وذلك لأن الضوء الصادر من الأجسام البعيدة يحتاج وقتًا أطول للوصول إلينا من الضوء الصادر من الأجسام القريبة؛ فمثلاً إذا كان لدينا جسم يبعد عنا مسافة مليون سنة ضوئية فإننا نراه كما كان يبدو قبل مليون سنة مضت.
وتوجد الآن أنواع من التلسكوبات الحديثة التي يمكنها رؤية العديد من الأجسام التي تبعد عنا مليارات من السنين الضوئية بما يقارب زمن الانفجار الكبير.
إذا كان الانفجار الكبير قد حدث فإننا نتوقع بأن تلك السحب البعيدة التي لم تتحول بعد إلى نجوم أو مجرات ينبغي أن تكون مكونة من عناصر مختلفة جداً عن الكون الحديث، لأن معظم العناصر الكيميائية في هذا الكون مكونة ضمن النجوم والمجرات، وينبغي ألا تكون هذه السحب محتويةً على عناصر معقدة ويجب أن تكون عناصرها مقتصرة تقريباً على العناصر الأساسية من الهيدروجين والهليوم.
تم العثور مؤخراً في الكون البعيد على سحب غازية يبعد بعضها حوالي 12 مليار سنة ضوئية وحتى مع هذه المسافة الهائلة يمكننا معرفة مما هي مصنوعة عن طريق تقنية تدعى <التحليل الطيفي> للضوء الذي يمر عبر هذه السحب، والذي يبين لنا أن معظم هذه السحب مكونة من الهيدروجين والهيليوم وذلك تماماً كما تتنبأ نظرية الانفجار الكبير.
ماذا حدث قبل الانفجار الكبير؟
إذا كان هناك انفجار كبير، فماذا كان سبب حدوثه؟ وماذا كان يوجد قبل ذلك الوقت؟
هذه واحدة من أكبر الأسئلة التي تشغل العلم والعلماء في يومنا هذا، ويعتقد بعض العلماء أنه بدلاً من التوسع لمرة واحدة فإن الكون قد مر بعدة مراحل من التوسع والتقلص لمراتٍ عديدة.
وبالنسبة للآخرين فإن هذا السؤال لا يحتاج إلى إجابة، وقد اقترح ستيفن هوكينغ بأن فكرة الزمن قبل الانفجار الكبير مثل فكرة الشمال من نقطة القطب الشمالي؛ حيث يبدأ الزمن مع الانفجار الكبير ولم يكن قبله ما يسمى بالزمن لذلك لا يمكننا أن نتساءل عما كان يوجد قبله؛ وهذا هو الأمر بأبسط حال.
- ترجمة: حيدر علي ضغام
- تدقيق: محمد ابوقصيصة
- تحرير: أحمد عزب