تقنية جديدة تسمح بالتصوير ثلاثي الأبعاد لشكل الكروماتين وتنظيمه في النواة (النواة البنفسجية، أسفل الصورة على اليسار)، عن طريق دهنه بمعدن وتصويره بالمجهر الإلكتروني.

توضح الرسمة الوسطى بيانات صورة المجهر الإلكتروني، والرسمة الأمامية توضح تنظيم الكروماتين من بيانات المجهر الإلكتروني، أما الرسمة الخلفية فتوضح محيط الشكل لكثافة الكروماتين حيث يظهر كثيفًا عند اللون البرتقالي والأحمر، ورقيقًا عند اللون الأزرق والأخضر.

يمتد الحمض النووي الريبوزي منقوص الأوكسجين في كل خلايا جسمنا، ويمكن أن يصل إلى بلوتو، وهنا يأتي السؤال، كيف تقوم الخلايا الصغيرة بحزم مترين من الحمض في نواتها، وهي تطول جزءًا من الألف من المليمتر؟

إن الإجابة عن هذا السؤال اللغز مركز أساسي لفهمنا في تأثير الشكل ثلاثي الأبعاد للحمض النووي على بيولوجيا الجسم، بدءًا بكيف ينظم الجينوم عمل الخلايا، مرورًا بكيفية مرور الجينات من الآباء للأبناء.

قام بعض العلماء في معهد سالك، وجامعة كاليفورنيا في سان دييغو لأول مرة في سابقة لهم بتوفير صورة ثلاثية الأبعاد للكروماتين، وهو: اتحاد الحمض النووي مع البروتين داخل نواة خلية بشرية حية، وقد قام باحثو معهد سالك في هذه الدراسة التي تم وصفها بالقوية في مجلة (ساينس Science)في السابع والعشرين من يوليو من هذا العام، بالكشف عن صبغة جديدة للحمض النووي تقوم عند دمجها مع مجهر متطور في تقنية مزدوجة تعرف بـ ChromeEMT، بكشف مرئي دقيق ومفصل لشكل الكروماتين في الخلايا في حالتها المستقرة، وبالكشف عن شكل الكروماتين النووي في الخلايا الحية في حالة الانقسام.

يساعد هذا العمل على إعادة كتابة نموذج تنظيم الحمض النووي الموجود في الكتب التعليمية، وتغيير كيفية التعامل مع معالجة الأمراض.

يقول كلود أويشي، الأستاذ المساعد في معهد سالك، وعضو هيئة التدريس في معهد هاورد هيوجز وكبير مؤلفين الورقة العلمية: «إن من أكثر التحديات صعوبةً في الأحياء هو الكشف عن الترتيب الأعلى للحمض النووي داخل النواة وكيفية ربطه مع عمله في الجينوم»، ويضيف: «إنه لمن الأهمية البارزة، أن يكون تركيب الحمض النووي ذا صلة أحيائية وثيقة، تحدد عمل وحركة الجين».

منذ أن قام فرانسيس كريك وجيمس واتسون بتحديد الشكل الأولي للحمض النووي على أنه لولب مزدوج، قام العلماء بالتساؤل عن كيفية قيام الحمض النووي بالانتظام إلى مستوى أكبر من اللولب المزدوج، ليسمح بكامل طوله أن يتكوم في النواة لدرجة أن آلية النسخ الخاصة بالخلية تستطيع الوصول إليه في أماكن مختلفة من دورة نشاط الخلية، وتظهر الأشعة السينية والمجهر أن المستوى الأول من تنظيم الكروماتين يتضمن 147 قاعدة من الحمض النووي ملتفةً حول بروتينات؛ لتشكل جزيئات يبلغ قطرها حوالي 11 نانومترًا، تعرف هذه الجزيئات بالنيكليوسومات، والنيكليوسوم –مثل الخرز على الخيط– يظن أنها تقوم بالالتفاف إلى وحدات خيطية منفصلة، تتزايد في قطرها من 30، 120، 310 نانومتر وهكذا، حتى يتشكل الكروموسوم، والمشكلة أنه لم يقم أحد برؤية الكروماتين في هذه الوحدات المستقلة المتوسطة في الحجم في خلية لم يتم تكسيرها ومعالجة الحمض النووي الخاص بها بقسوة، لذلك بقي النموذج الموجود في الكتب التعليمية من التسلسل الهرمي للتنظيم الأعلى للكروماتين في الخلايا الحية غير مؤكد.

وقام فريق أويشي للتغلب على مشكلة رؤية الكروماتين في خلية سليمة، بالكشف عن مجموعة من الصبغات المرشحة، إذ وجدوا في نهاية الأمر صبغةً يمكن التلاعب بها بالضوء؛ لتقوم بمجموعة من التفاعلات الكيميائية المعقدة التي تقوم أساسًا بدهن سطح الحمض النووي بمعدن؛ ليُمكن تصوير الشكل الموضعي والترتيب الثلاثي الأبعاد لبولمر الحمض النووي في خلية حية.

اشترك الفريق مع الأستاذ مارك إليسمان خبير المجهر في جامعة كاليفورنيا في سان دييغو، أحد المؤلفين المشاركين للورقة العلمية، لاستغلال الشكل المطور من المجهر الإلكتروني، الذي يقوم بإمالة العينات في شعاع الإلكترونات مما يسمح بتكوين شكل العينات الثلاثي الأبعاد.

سمّى فريق أويشي التقنية التي تقوم بمزج صبغتهم المخصصة للكروماتين مع المجهر الإلكتروني بـ ChromeEMT (دمج الكروماتين مع المجهر الإلكتروني).

وقد استخدم الفريق تقنية ChromeEMT لتصوير وقياس الكروماتين في خلايا الإنسان الخاملة، وأثناء انقسام الخلايا (الانقسام الفتيلي) عندما يكون الحمض النووي مكتنزًا في أكثر أشكاله كثافة –الـ 23 زوجًا من الكروموسومات التي تعتبر الصورة الرمزية للجينوم البشري، والمدهش أنه لم يتم رؤية أي شكل من النموذج الأعلى للحمض النووي والكروماتين الموجود في الكتب التعليمية.

يقول هورنج، الباحث المشارك في معهد سالك والكاتب الرئيس للورقة: «نموذج الكتاب التعليمي هو رسمة كرتونية لسبب ما»، ويضيف: «إن الكروماتين الذي تم انتزاعه من النواة وتعريضه لعمليات معالجة في أنبوب اختبار لا يبدو مثل الكروماتين في خلية سليمة، لذا من المهم جدًا أن نكون قادرين على رؤيته داخل الخلية».

ما رآه فريق أويشي في كل من الخلية الخاملة والمنقسمة، كان كروماتين لم يشكل ترتيبه المسمى خرزًا على الحبل، أي: من الأشكال العليا ذات الـ 30، 120 و320 نانومتر، التي تم تنظيرها، عوضًا عن ذلك، شكل الكروماتين سلسلةً شبه مرنة، إذ قاموا بقياسها بمثابرة، ووجدوا عدة سلاسل طويلة متصلة تتراوح من 5 إلى 24 نانومتر، تنحني وتنثني؛ لتشكل مستويات مختلفة من التركيب والتكثف.

هذا الكشف يقترح أن كثافة حزم الكروماتين هو ما يحدد أي منطقة من الجينوم تكون نشطةً، وأي منطقة أخرى تكون مكبوتة.

وقام الفريق عن طريق تشكيلهم المجهر ثلاثي الأبعاد، بتحريك 250 نانومتر في 1000 نانومتر في 1000 نانومتر من حجم لفائف والتواءات الكروماتين، وقاموا بتصور كيف يمكن لجزيء مثل بولميراز الحمض النووي، الذي يقوم بنسخ الحمض النووي، ويوجهه عن طريق الرزم المختلفة الكثافة للكروماتين، مثل طائرة في لعبة فيديو تطير في سلسلة من الوديان الضيقة، لمكان محدد في الجينوم، هذا بجانب الرفع المحتمل لنموذج تنظيم الحمض النووي في الكتب التعليمية.

اقترحت نتيجة الفريق أن التحكم في الوصول للكروماتين قد تكون وسيلةً مفيدةً في الوقاية والتشخيص وعلاج الأمراض مثل السرطان.

يضيف أويشي: «نحن نعرض أن الكروماتين لا يجب أن يكون وحدات منفصلة من الترتيب الأعلى؛ كي يناسب النواة»، ويضيف: «إن كثافة الرُزمة هي التي قد تغيّر أو تحدّ من إمكانية الوصول للكروماتين، وتوفّر الهيكلية الأساسية التي من خلالها يمكن دمج مجموعات مختلفة من سلاسل الحمض النووي بتغييرات وتعديلات في الجسيمات النووية داخل النواة؛ لتقوم بضبطٍ في منتهى الدقة للنشاط الوظيفي وإمكانية الوصول لجيناتنا»، وسيكشف مزيد من العمل ما إذا كان شكل الكروماتين عامًا في كل أنواع الخلايا، أو الكائنات الحية فقط.


  • المترجم: محمد عبد الرحيم محمد بابكر.
  • المدقق: جعفر الجزيري.
  • تحرير: أميمة الدريدي
  • المصدر