سيشهد العالم كسوفًا كليًا في 21 آب القادم، وسيُشاهد في الولايات المتحدة الأمريكية من أوريغون حتى جورجيا.

هنالك سوء فهم عام يقول بأن الكسوف الكلّي هو ظاهرة نادرة الحدوث، لكن الحقيقة معاكسة إلى حدّ بعيد فهنالك فرصة لكسوف كلي يشاهد من بقعة ما على سطح الأرض كل 18 شهرًا، وهذا يعني مرتين كل ثلاث سنوات.

ولكن كم مرة يكون كسوف الشمس الكلّي مرئيًا من موقع محدد على الأرض؛فهذه قصة مختلفة تمامًا.

تفاصيل الظل في الكسوف الكلّي:

إن طول ظل القمر يبلغ حوالي 232.100 ميل أو 373.530 كم. والمسافة بين سطح الأرض وسطح القمر 234.900 ميل أو 378.030 كم.

وهذا يعني أنه عندما يمرّ القمر مباشرة من أمام الشمس سيظهر القرص القمري أصغر قليلًا من القرص الشمسي، وسيشهد المراقبون ما يسمى بالكسوف الحلقي، وهو عبارة عن حلقة من أشعة الشمس المحيطة بخيال القمر.

يحدث الكسوف الكلّي بالتأكيد لأن المسافة بين الأرض والقمر تتفاوت بين 217.730 ميل، 350.400 كم كحد أدنى. 247.930 ميل، 399.000 كم كحد أقصى. وذلك لأن مدار القمر بيضوي الشكل.

علم التنبؤ:

إن توقع تفاصيل كسوف كلّي يتطلب فكرة جيدة تمامًا عن حركة الشمس والقمر بالإضافة لمعرفة بُعد القمر بدقة وتحديد الإحداثيات الجغرافية، المعطيات النهائية لظروف الكسوف أصبحت ممكنة بعد الجهود التي قام بها بطليموس (حوالي عام 150 ميلادي) والرسوم البيانية التي عثر عليها ضمن مخطوطات القرون الوسطى والكتب الأولى في علم الفلك.

وبما أن المسافة نحو القمر غير ثابتة والكلّية أو مدى تغطية القمر للشمس تختلف بين كسوف وآخر؛ فإنها ستختلف حتى أثناء الكسوف نفسه لأن أجزاء سطح الأرض تقع على أبعاد مختلفة عن القمر، وأيضًا بسبب التأثيرات الهندسية على اعتبار أن ظل القمر يستقر بزاوية مائلة على سطح الأرض.

واحدة من أولى الخطوات هي تحديد علاقة ظل القمر مع الخطة الرئيسية التي تمر عبر مركز الأرض بشكل خط متعامد مع الشمس والقمر، مسار محور الظل في هذه الخطة يكون على شكل خط مستقيم عمودي، هذه الهندسة الخاصة والتي تتجسد في تداخل الشكل المخروطي لظل القمر المظلم مع الشكل الكروي للأرض يجب أن يتم العمل بها باستعمال إجراءات مطولة في علم المثلثات، تصبح العمليات الحسابية صعبة وطويلة بعد أخذ كل تلك العوامل في الحسبان، لكن الآن ومع تطور أجهزة الكمبيوتر الحديثة عالية السرعة أصبح من الممكن معالجة الأرقام بدون جهد يذكر، مما يجعل الحسابات أكثر سهولة.

في كتابهم الكلاسيكي (علم الفلك) (بوسطن 1926) أشار المؤلفون راسل (H.N. Russell) ودوغان (R.S. Dugan) وستيوارت (J.Q. Stewart): «بما أن مسار الكسوف الكلّي يكون ضيقًا على سطح الأرض بمتوسط حوالي 60-70 ميلًا، وجدنا أن الكسوف الكلّي الكامل يحدث على المدى الطويل مرة واحدة غير محددة بالضبط كل 360 عام».

ومؤخرًا قام البلجيكي جان ميوس (Jean Meeus) والمهتم بعلم الفلك الرياضي بإحصاء هذا الرقم باستخدام الميكروكمبيوتر (HP-85)، ووجد أن متوسط احتمال حدوث كسوف كلّي في أي نقطة على الأرض هو مرة غير محددة كل 375 عامًا، وهو رقم قريب لما توصل له المؤلفين المذكورين سابقًا.

بدون تتبع هذه الحسابات، هنالك طريقة أخرى للتأكّد من صلاحية هذه الأجوبة، في الجدول أدناه قائمة بـ25 مدينة، 23 منها في شمال أميركا بالإضافة لاثنتين: هونولولو في جزيرة أواهو في هاواي وهاميلتون عاصمة برمودا، وباستعمال برنامجين مصممين للبحث عن أي كسوف خلال قرون، بدأ البحث عن آخر كسوف كلّي في كل مدينة وبعد ذلك البحث عن موعد الكسوف الكلّي القادم.

لكن كبداية يجب لفت الانتباه إلى أن مدة الأربعة قرون هي متوسط إحصائي فقط، في الواقع فإنه وخلال مدة زمنية أقصر كثيرًا يمكن لمساري كسوفين أن يتقاطعا في مكان محدد، ولذلك لا يكون الانتظار طويلًا في بعض الحالات، في الحقيقة شهد ساحل المحيط الأطلسي لأنغولا، شمال لوبيتو على امتداد 40 ميلا كسوفًا كليًا في 21 حزيران 2001 وآخر في 4 كانون الأول 2002 أي خلال أقل من 18 شهرًا.

واكتشف ميوس مؤخرًا أن بعض النقاط على سطح الأرض من الممكن ألا ترى كسوفًا كليًا خلال 36 قرن مع أن ذلك نادر جدًا كما قال.

قائمة المدن:

نجمة واحدة (*) تدل على أن الحدّ الشمالي أو الجنوبي لظل القمر يغطي مدينة محددة، فقط جزء منها سيشهد كسوفًا كلّيًا، بينما يشهد الآخر كسوفًا جزئيًا.

نجمتان (**) تاريخ كان فيه التقويم المعتد حاليًا غير صالح.

وقد بلغ متوسط عدد السنوات 534 سنة وبالنظر إلى دراستنا الصغيرة نسبيًا فإن هذا الرقم قريب إلى حدّ معقول من المتوسط الإحصائي (أربعة قرون).

فرصة فاشلة:

كل من يحب مشاهدة الكسوف يجب أن يكون مدينًا لهؤلاء العلماء الذين قاموا بهذه الحسابات الشاملة، لولا ذلك لما كنا لنعرف أين يجب علينا التواجد لرصد الحدث الكبير، قدم الفلكي البروسي فريدريش بيسل (Friedrich Bessel) مجموعة من المعادلات الرياضية عام 1824 سهلت بشكل كبير الحسابات المتعلقة بموقع الشمس والقمر والأرض.

لسوء الحظ لم تكن إجراءات بيسل متوفرة في أواخر القرن الثامن عشر عندما قاد سامويل ويليامز (Samuel Williams) وهو أستاذ في جامعة هارفارد حملة إلى خليج بينوبسكوت في ولاية ماين لمراقبة كسوف الشمس الكلي في 27 أكتوبر 1780.

حدث هذا الكسوف خلال الحرب الثورية ولحسن الحظ منح البريطانيون الممر الآمن للبعثة على أن العلم يعلو فوق الخلافات السياسية، ولكن في النهاية كان كل ذلك بلا جدوى، حيث ارتكب ويليامز خطأ فادحًا في حساباته ووضع رجاله عن غير قصد خارج مسار الكسوف الكلّي.


  • ترجمة أسامة ونوس
  • تدقيق: دانه أبو فرحة
  • تحرير: أحمد عزب

المصدر