يبدو النفط جيد جدًا للبشرية – إذا استبعدنا كل الحروب والصراعات واستعباد المستهلك وانبعاثات ثاني أكسيد الكربون – فلقد عزز من وتيرة التنمية العالمية بسرعة فائقة، ولكن النفط محدود – فهو من المصادر غير القابلة للتجديد – وهذا يعني أنه سوف ينفد في النهاية.

ومما يجعل قضية الطاقة البديلة القضية الأهم والمركزية صراع البشرية طوال الوقت، ومن المتوقع أن بعض الأفكار البديلة ستنير العالم قريبًا مثل ميثانول نبات الثمام العصوي والديزيل الحيوي والرياح والطاقة الشمسية.

ولكن بعض العقبات الخاصة بكل فكرة من هذه الأفكار لازالت تحول دون إنتاج الطاقة من هذه المصادر بشكل واسع؛ لذا يستمر الباحثون بالنظر حولنا لعلهم يجدون طرقًا جديدة ليمدوا كوكبنا بالطاقة.

يجري بعض الباحثين بحثهم خلف كوكبنا إلى السماء ليلًا، فلقد اتضح أن هناك طريقة أننا يمكن أن تولد الكهرباء من القمر – وذلك بفضل المد والجزر الذي سببتهما جاذبية القمر الذي تتأثر به محيطات الأرض – فالأرض معلقة بين الشمس والقمر، فيبدو القمر بالنسبة للشمس كقزم، ولكن القمر أقرب بكثير إلى الأرض – حوالي 239000 ميلًا، مقارنة بمسافة 93 مليون ميلًا بين الشمس والأرض.

وعندما يتعلق الأمر بحركة المد والجزر هنا على الأرض فالقرب يتفوق على الحجم: القمر يمارس أكثر من ضعف قوة جاذبية الشمس على الأرض «المصدر: مكتب البحوث البحرية».

ولو إعتبرنا أن الماء الموجود على الأرض يمثل غلاف واحد مطاطي يغطي الكوكب، حينما يسحب القمر هذا الغلاف باتجاهه فانه يتمدد ليصبح أكثر نحافة ويتمدد على جانبيه، إن هذا يشبه تورمًا ويصبح الجذر أعلى، وبالتالي يصبح هذا الغلاف المائي أكثر نحافة في القمة وفي القاع، وهي المناطق التي يحدث فيها أقل جذر، وعلى الرغم من أن سحب القمر ثابت، فإن دوران الأرض على محورها هو الذي يسبب مناطق مختلفة للمد والجزر من العلو والانخفاض.

ولأنه يمكن التنبؤ بالمد والجزر على الأرض فإن بعض المناطق على الأرض يتم مدها بالطاقة بواسطة المد والجذر.

تسحب جاذبية القمر جسيمات الماء مما يخلق المد والجزر، وفي المقابل، هذه الحركة تخلق طاقة حركية يحملها الماء

للتوضيح: أي شيء يتحرك لديه طاقة حركية – سواء كان رياح أو كرة تتدحرج إلى أسفل تل – فلقد تمكن البشر من إلتقاط الطاقة الحركية من خلال طواحين الهواء ويحاول الباحثون الاستفادة من قوى المد والجزر من خلال تصميم مماثل لطاحونة الهواء.

التوربينات «تحت مائية» أو «المد والجزر» هي طريقة مبسطة لفهم التكنولوجيا المتطورة للطاقة، هي في الأساس طواحين الهواء مثبتة على قاع المحيط أو مجرى النهر، تدور الشفرات التي رٌتبت مثل مروحة الطائرة عن طريق التيار المائي الذي ينتجه المد والجزر، ثم تعلق هذه التوربينات على علبة تروس موصلة ميكانيكًا بمولد كهربائي، وفي النهاية تنتج الكهرباء التي تحملها الكابلات – أسلاك توصيل فائقة الضخامة – إلى الشاطئ بمجرد توصيلها بشبكة كهربائية، ويمكن توزيع الكهرباء على المستهلك «المصدر: نيوساينتيست».

على الرغم من أن التوربينات «تحت مائية» شديدة الشبه بطواحين الهواء، لكنها تتفوق ببعض المزايا على أبناء عمومتها فوق الأرض.

طواحين الهواء تتطلب قطعة أرض وخاصة مزارع الرياح – تجمع العشرات أومئات من طواحين الهواء، فلقد أصبح مستقبل استخدام الأراضي (كيفية تطوير الأرض وما تستخدمه) موضوعًا رئيسيًا للنقاش، مع 6 مليارات شخص على هذا الكوكب والعدد في زيادة، المساحات الخالية على الأرض أصبحت بمثابة مكافأة، ليس فقط للسكن، ولكن لإنتاج المحاصيل وأكثر من ذلك؛ فإنً التوربينات تحت مائية تتغلب على هذه المشكلة.

ميزة أخرى لالتقاط الطاقة التحت مائية هي أن المياه عالية الكثافة، فالمياه هي أكثر كثافة من الهواء، مما يعني أن نفس الكمية من الطاقة يمكن أن تنتج عن طريق التوربينات التحت مائية كطاحونة هوائية، ولكن بسرعات أبطأ ومن مساحات أقل، فبينما لا يمكن التنبؤ بكمية الرياح التي تمر فوق أي منطقة معينة من الأرض، يمكن الاعتماد على الطاقة الحركية لمناطق المد والجزر، وأيضًا يمكن التنبؤ بالتدفق بحيث يتم التعبير عن منطقة معينة بكمية كيلووات من الكهرباء التي يمكن أن تنتجها التوربينات في هذه المساحة.

لقد درس العلماء كمية طاقة المد والجزر في بركة ماء خلال فترات شهرية، حيث أن هناك نوعان من القياسات الرئيسية: متوسط سرعة ذروة الربيع الذي هو أعلى سرعة لحركة المد والجزر والتي يمكن العثور عليه في منطقة خلال شهر يناير، والنوع الثاني هو متوسط الدورة الدنيا وهو أدنى نقطة في سرعة المد والجزر في شهر في نفس المنطقة «المصدر: كربون ترثت».

يمكن أن تساعد هذه القياسات في تحديد أكبر وأقل سرعات المد والجزر تقريبا في بركة ماء خلال شهر.

إلى جانب المد والجزر، هناك خصائص أخرى تؤثر على سرعة الماء، فتحدد كيفية تحرك المياه، التضاريس المحيطة – مثلًا -، هل المنطقة صخرية أو رملية؟ ضيق منطقة المد والجزر أو وسعها يمكن أن تؤثر أيضا على سرعة الماء؛ فالقناة الضيقة تركز حركة المياه، مما يتسبب في تسريع الماء.

يمكن أن تؤخذ في الاعتبار حركة المد والجزر وخصائص المسطحات المائية على الورق، ولكن ليس حتى يتم إجراء اختبارات في العالم الحقيقي أن الفهم الفعلي لتأثير التوربينات المدية يمكن أن بيدأ، فنظريًا يمكن الأخذ في الاعتبار تأثير حركة المد والجذر وخصائص المسطحات المائية، ولكن الاختبارات الحقيقة في العالم الواقعي هي التي يمكن أن تجعلنا نفهم تأثير التوربينات.

باحثو علوم الماء لديهم طرق جيدة للسيطرة على حركة المياه في مناطق المد والجزر، لكن بعض العوامل لا تزال غير معروفة، إذ يخشى بعض الباحثين من أن البشر قد يدفعون تكنولوجيا التوربينات التحت مائية بسرعة كبيرة دون فهم كامل للأثر المحتمل للمد والجزر « المصدر: روتش»

ماذا سيحدث عندما ترتكز الكثير من التوربينات التحت مائية في مناطق المد والجزر؟

حينما لا يكون متاحًا إنتاج طاقة أو تكون هذه التوربينات قد دٌمرت، يمكن في هذه الحالة التقاطها ونقلها إلى استخدامات أخرى، مثل تلببية الاحتياجات الكهربائية، ولكن تذكر أن الطاقة الحركية التي تم إلتقاطها من المحيط لإنتاج الطاقة الكهربية كانت تخدم البيئة المائية – ربما بطريقة لم نفهمها تمامًا بعد.

أحد الأسباب التي تجعلنا نخشى الإنتقال إلى إنتاج طاقة توربينات المد والجزر بسرعة كبيرة هي أنها تكنولوجيا جذابة؛ فالتوربينات تحت المائية لا تنتج أي انبعاثات من ثاني أكسيد الكربون«CO2» تكنولوجيا حميدة

إن إنتاج طاقة التوربينيات بدائي، ببساطة التقاط بعض الطاقة الحركية التي وجدت في حركة المد والجزر وتحويلها إلى كهرباء.

هناك القليل من البيانات حول تأثير التوربينات التحت مائية على النظم الإيكولوجية البحرية، فيمكن لريش التربينة التي تدور بسرعة أن تحول مجموعة أسماك إلى كتلة من الصمغ بضربة واحدة، لكن الخبر السعيد لعشاق الأسماك في الوقت الحاضر أن التوربينات التحت مائية تدور ببطء – قد تدور مجموعة واحدة بسرعة تتراوج بين 10 إلى 20 لفة في الدقيقة «المصدر: نيوساينتيست» التوربينات التي تتحرك مسافة قدمين في الثانية لا تشكل الكثير من التهديد على الأسماك، ولكن ماذا عن توربينات الجيل التالي التي قد تدور بمعدل أسرع؟

إن عدم فهم التأثير البيئي للتوربينات يمر بطريقتين أيضا، فلا تزال هناك أسئلة حول نوع تأثير البيئة المائية على التكنولوجيا، وعلى سبيل المثال، هل يتراكم البرنقيل – طحالب الماء المالح – على التوربينات أوالعضو الدوار؟ هل سيؤدي ذلك إلى إبطائها أو حتى إيقافها؟

وللإجابة على هذه الأسئلة، تم إنشاء مشاريع تجريبية للتوربينات التحت مائية في جميع أنحاء العالم، فقد تم إنتاج الكهرباء لأول مرة في الجزء السفلي من قناة (كفالسوند – Kvalsund) في النرويج تتميز هذا التوربينات بشفرات طولها 33 قدمًا تدور بمعدل 7 دورات في الدقيقة وتقع على ارتفاع 66 قدمًا تقريبًا عند أعلى نقطة تحت سطح الماء، وفي سبتمبر 2003 تم توصيل مولد التوربينات بالشبكة الكهربائية لها في قرية «مرفيست» المحلية، والتي تنتج التوربينة الواحدة فيها 700 ألف كيلوواط / ساعة سنويًا، وتوفر الطاقة لمتوسط 35 منزلًا في المنطقة «المصدر: روتش».

وهناك مجموعة أخرى تقيم تأثير التوربينات على الحياة المائية، فقد نشرت شركة «فيردانت باور» خمسة توربينات بقدرة 35 كيلووات مع معدات لمراقبة الحياة المائية المحيطة بها، ويتم الكشف عن الأسماك وتعقبها في غضون 54 قدمًا (18 مترًا) من المعدات، ثم تٌسجل البيانات، وحتى الآن، لم ترتطم الأسماك بالتوربينات «المصدر: فيردانت».

وتشارك «فيردانت» أيضًا في مشروع في (نهر إيست – East River) في نيويورك، حيث تم تركيب ستة من توربينات المد والجزر ، وتنتج تلك 35 كيلووات في قناة مع التيارات التي تتدفق بمعدل يصل إلى 4 عقدة (حوالي 4.6 ميلاً في الساعة)، وتقوم التوربينات الست حاليا بإنتاج الكهرباء التي تعمل على تغذية محل بقالة ومرآب للسيارات في مكان قريب، وتخطط «فيردانت» لإضافة المزيد من التوربينات إلى القناة، والتي ينبغي أن تنتج ما يكفي من الكهرباء لتشغيل 4000 منزلًا «المصدر: بوبيولار ميكانيكس».

وتدرس المملكة المتحدة أيضًا إمكانية إنتاج الكهرباء من التوربينات المغمورة بالمياه، وقد زرعت شركة التوربينات البحرية الحالية توربينة مزدوجة ومدفوعة إلى أرضية بحر الشمال قبالة ساحل أيرلندا، إن هذه التوربينات ضخمة؛ فطول كل شفرة عبارة عن 60 قدمًا. وكلما دارت، انتجت 1.2 ميجاوات من الكهرباء «المصدر: نيوساينتيست».


  • ترجمة: مصطفى العدوي
  • تدقيق: أحمد عبد القادر
  • تحرير : رغدة عاصي
  • المصدر