ما هي معادلة دريك؟

هل هناك حياة في الكون؟

هذا هو السؤال الذي عذب البشرية منذ زمن بعيد قبل أن نعرف كم هو كبيرٌ الكون -قبل ظهور علم الفلك الحديث – بفضل تطور التلسكوبات الحديثة، وتقنيات الراديو الفلكية، والمراصد الفضائية، التي بذلت جهودًا كثيرةً على أمل إيجاد ذكاء غير أرضي. -extra-terrestrial intelligence (ETI)-

وحتى الأن البشرية هي الحضارة الذكية الوحيدة المعروفة في الكون.

وحتى نكتشف فعلًا حضارة فضائية، أفضل ما يمكننا فعله هو تخمين احتمالية وجودها.

وهنا تلعب معادلة دريك الشهيرة دورها والتي سميت نسبةً لعالم الفلك د. فرانك دريك Dr. Frank Drake

طُوِّرت في فترة الستينيات من القرن الماضي، تقدِّر هذه المعادلة العدد المحتمل للحضارات الممكن وجودها في الكون بالاعتماد على عدد من العوامل.

لمحة تاريخية:

خلال خمسينيات القرن الماضي، أصبح مفهوم استخدام تقنيات الراديو الفضائية للبحث عن إشارات غير أرضية مقبولًا بشكلٍ واسع في المجتمع العلمي.

واقتُرِحت فكرة الاستماع إلى اتصالات راديو غير أرضية منذ أواخر القرن التاسع عشر من قبل نيكولا تسلا، ولكن كانت هذه الجهود مهتمةً فقط بالبحث عن مؤشرات حياة على المريخ.

فرانك دريك يقف أمام معادلته الشهيرة المكتوبة على لوح أبيض

ثم في شهر أيلول من عام 1959، نشر جوسيب كوكوني وفيليب موريسون

(Giuseppe Cocconi and Philip Morrison) -اللذان كانا أستاذا فيزياء في جامعة كورنيل وقتها-مقالاً في مجلة (الطبيعة Nature) بعنوان “البحث عن اتصالات بين النجوم” وفيها ناقشا أن تلسكوبات الراديو أصبحت حساسةً بما فيه الكفاية لتلتقط إرسالات من نظم نجومٍ أخرى.

وناقشا بالتحديد أن هذه الرسائل قد تكون مرسلةً بطول موجة 21 سم (1420.4MHz) نفس طول موجة الراديو المنبعثة من الهيدروجين الطبيعي.

باعتبار أن الهيدروجين هو العنصر الأكثر انتشارًا في الكون، ناقشا أن الحضارات غير الأرضية سترى هذا كتردد منطقي لبث موجات راديو من الممكن التقاطها من قبل حضارات أخرى.

بعد سبعة أشهر من ذلك، أقام فرانك دريك أول دراسةٍ منظمة للبحث عن ذكاءٍ غير أرضي في المرصد الوطني لعلم الفلك الراديوي في غرين بانك، فرجينيا الغربية Green Bank, West Virginia.

عرفت باسم (مشروع أوزما) (Project Ozma) واعتمدت هذه الدراسة على قرص المرصد ذو القطر 25 مترا لمراقبة ايبسيلون ايريداني وتاو سيتي (Epsilon Eridani and Tau Ceti) -وهما نجمان قريبان يشبهان الشمس – وذلك على ترددات قريبة من 21 سم لمدة ست ساعات باليوم بين نيسان وتموز من عام 1960.

على الرغم من أنها لم تنجح، أثارت الدراسة اهتمام مجتمع العلماء والباحثين عن وجود ذكاءٍ غير أرضي.

وتبعها بوقت قصير بعد ذلك اجتماع في منشأة غرين بانك في 1961، حيث نوقشت مواضيع SETI والبحث عن إشارات راديو من مصدر غير أرضي.

وللتحضير لهذا الاجتماع، حضَّر دريك المعادلة التي حملت اسمه.

وكما قال دريك عن تحضير المعادلة: ” وكما خططت للاجتماع، أدركت قبل أيام قليلة أننا بحاجة إلى جدول أعمال. وهكذا كتبت كل الأشياء التي نحتاج معرفتها لنتوقع كم سيكون من الصعب ملاحظة حياة غير أرضية.

ونظرًا لهذا أصبح واضحًا أنه إذا ضربتها كلها ببعضها، ستحصل على رقم N الذي هو رقم الحضارات الممكن اكتشافها في مجرتنا. تم توجيه هذا على البحث الراديوي وليس للبحث عن أشكال حياة بدائية أو أساسية”

وتم إحياء ذكرى هذا الاجتماع الذي شمل أشخاص لامعين مثل كارل ساجان من خلال لوحة تذكارية ما زالت في صالة مرصد غرين بانك لليوم.

التلسكوب الراديوي: هاوارد تاتيل ذو الـ 26 مترا المستخدم في مشروع أوزما

الصيغة:

صيغة معادلة دريك هي كالتالي:  N=R* × ƒp × ne × ƒl × ƒi × ƒc × L

حيث:

N هو عدد الحضارات في مجرتنا التي من الممكن أن نتواصل معنا

*R هي متوسط نسبة تشكل النجوم في مجرتنا

ƒp هي الجزء من تلك النجوم التي تحوي كواكب

ne هي عدد الكواكب التي فعلا تدعم الحياة

ƒL هي عدد الكواكب التي ستتطور فيها الحياة

ƒi هي عدد الكواكب التي ستطور حياة ذكية

ƒc هي عدد الحضارات التي ستطور تقنيات بث

L هي المدة من الزمن التي ستبث فيها هذه الحضارات إشاراتها الى الفضاء

الحدود والنقد:

بشكل طبيعي، تعرضت معادلة دريك لبعض الانتقاد على مر السنين، لأن الكثير من القيم التي تحتويها مفروضة فرضًا.

وكذلك، فإن بعض القيم التي تعتمد عليها سهلة الحساب بعض الشيء مثل نسبة تشكل النجوم في درب التبانة.

هناك تقديريا 200-400 مليار نجم في مجرة درب التبانة، وتقول تقديرات حديثة أن هناك بين 1.65 ±0.19 و 3 نجوم تتشكل كل سنة.

باعتبار أن مجرتنا تمثل المتوسط، وأيضا بالأخذ بالاعتبار أن هنالك 2 تريليون مجرة في الكون المرئي (اعتمادا على بيانات مسبار هابل)، والذي يعني أن 1.5 إلى 6 تريليون نجم جديد يضاف إلى الكون كل سنة! ومع ذلك، تتعرض بعض القيم الأخرى لعملية تخمين كبيرة.

على سبيل المثال، تغيرت تقديرات عدد النجوم التي ستحوي نظام كواكب مع الزمن.

قُدِّر حالياً أن درب التبانة تحوي 100 مليار كوكب، الذي يوصلنا إلى أن 50% من نجومها لديها كواكبها الخاصة.

وأيضًا هذه النجوم التي لها عدة كواكب من المرجح أن واحدًا أو اثنان منها يقع في مجالها الصالح للعيش حيث يمكن للماء السائل أن يوجد على سطحها.

كما يوضح الفيديو التالي المجال الصالح للعيش للنجم:

والأن لنقترض أن 100% من الكواكب التي تقع في المجال القابل للعيش سوف تطور إحدى أشكال الحياة، وأن على الأقل 1% من هذه الكواكب التي تدعم الحياة ستكون قادرةً على تحويلها إلى أنواع ذكية، وأن 1% من الأخيرة سيكون قادر على الاتصال، وأنهم سيتمكنون من ذلك لفترة حوالي 10.000 سنة.

إذا مررنا هذه الأرقام بمعادلة دريك سننتهي بقيمة 10

بمعنى أخر، هنالك احتمالية 10 حضارات في مجرة درب التبانة قادرة في أي وقت على إرسال إشارات إلى الخارج والتي من الممكن أن نلتقطها.

لكن بالطبع القيم التي استخدمناها لأربع معاملات ƒl , ƒi , ƒc , L تم فرضها تمامًا.

دون أية بيانات حقيقية للانطلاق منها، وليس هناك أية طريقة حقيقية لمعرفة كم من الحضارات الفضائية التي فعلا موجودة هناك.

من الممكن أن تكون واحدة فقط في كل الكون (نحن)، أو الملايين بكل مجرة!

مفارقة فيرمي:

بغض النظر عن القيم المفروضة، يميل أكثر انتقاد أشير إليه لمعادلة دريك لتأكيد الحجة التي طرحت من قبل الفيزيائي إنريكو فيرمي (Enrico Fermi)، وعرف بمفارقة فيرمي.

ظهرت هذه الحجة سنة 1950 كنتيجة للنقاش بين فيرمي وبعض زملائه عندما كان يعمل في مختبر لوس ألاموس الوطني.

عندما ظهر موضوع UFOs و ETI كان سؤال فيرمي الشهير: “أين الجميع؟”.

لخَّص هذا السؤال البسيط الخلاف الذي وجد الحجج التي أكدت حجم وارتفاع احتمالية وجود حياة منبثقة في الكون مع النقص التام لدليل يثبت وجود هكذا حياة.

بالرغم من أن فيرمي لم يكن أول عالمٍ يسأل هذا السؤال، ارتبط اسمه بالسؤال لكثرة كتاباته عن الموضوع.

باختصار، تنص مفارقة فيرمي أن باعتبار العدد الهائل من النجوم في الكون (العديد منها أطول عمراً بمليارات السنين من نجمنا)، والاحتمالية الكبيرة أن معامل بسيط سيجعل كواكب قادرة على تأمين تطور لأجناس ذكية، وترجيح أن بعضها سيطور ألية سفر بين النجوم، والزمن الذي تحتاجه للسفر من جانب إلى أخر من مجرتنا (حتى بالسماح لسرعات شبه ضوئية)، فإن البشرية يجب أن تكون قد وجدت دليلًا ما على الحضارات الذكية حتى الأن.

بالطبع، هذا أظهر عدة فرضيات عن كيفية وجود حضارات متقدمة في كوننا ومازالت غير ملاحظة.

وقد شملوا احتمالية أن الحياة الذكية هي نادرة بشكل كبير، أو أن البشرية هي قدوم مبكر إلى الكون، أو أن الحياة الذكية غير موجودة (معروفة بـ تخمين هارت-تيبلر) أو أنهم بحالة من السبات، أو أننا نبحث ببساطة في المكان الخاطئ.

فرضية المصفاة الكبيرة:

لكن ربما أن أفضل تفسيرٍ معروف لماذا لما نجد أية إشارة عن حياةٍ ذكية هي فرضية المصفاة الكبيرة.

يبين هذا بما أنه لم تكن هناك حضارة غير أرضية حتى الأن، بغض النظر عن العدد الكبير للنجوم، فإن بعض الخطوات في العملية -بين تشكل الحياة وتحولها إلى حياة متقدمة تكنولوجيًا-لا بد أنها تعمل كمصفاة لتنقص القيمة النهائية.

وفقًا لهذه الرؤية، إما أنه من الصعب جدًّا للحياة الذكية أن تظهر، أو أن فترة حياة هكذا حضارات قصيرة، أو أن الوقت المتاح ليُظهروا وجودهم قصير.

وهنا أيضًا العديد من التفسيرات عرضت لشرح ما الشكل الذي قد تأخذه هذه المصفاة، والتي تشمل أحداث بمستوى الانقراض (Extinction Level Events (ELEs))، وعجز الحياة عن تشكيل بيئة مستقرة في فترتها، والدمار البيئي، وأن التكنلوجيا أصبحت مسعورةً تقتل صناعها.

(بعض ذلك نخشى أن يحدث لنا)

كما يناقش الفيديو التالي:

للأسف، فإن معادلة دريك تحملت لعقود ولنفس السبب التعرض للهجوم.

وحتى ذلك الوقت الذي تجد فيه البشرية دليلًا على حياة ذكية في الكون، أو طرحت احتمالية ذلك بناءً على دراسات لا تحصى والتي تفحص عن قرب في أنظمة نجمية أخرى، فنحن لن نتمكن من الإجابة على السؤال “أين الجميع؟”.

كما الحال مع أسرار كونية أخرى، فنحن مجبورون على توقع ما لا نعرفه بناءً على ما نعرفه (أو نعتقد أننا كذلك).

بينما يدرس علماء الفلك النجوم والكواكب بالتجهيزات الجديدة، ربما بالنهاية سيجدون مدى دقة معادلة دريك فعلاً، وإذا لم ترنا جهودنا الكونية والبحث عن كواكب خارج المجموعة الشمسية أي شيء، فإن الأمر هو أننا فقط نسبح في سطح الكون الواسع.

في السنوات والعقود القادمة، ستتوسع جهودنا لمعرفة المزيد عن الكواكب خارج المجموعة الشمسية لتشمل البحث عن غلافها الجوي والذي سيعتمد على تجهيزات الجيل القادم مثل تلسكوب جيمس ويب الفضائي ونظام التلسكوبات الأوروبي الفائق الضخامة.

وستقطع هذه الجهود طريقا طويلا نحو تحسين تقديراتنا عن إمكانية وجود عوالم مأهولة.

كل ما يمكننا فعله في الوقت الراهن هو النظر والاستماع والانتظار لنرى ماذا سيحدث.


  • ترجمة: يزن الشماس
  • تدقيق بدر الفراك
  • تحرير: أحمد عزب

المصدر