يحدث أحياناً أن يرفض المجتمع العلمي و الخبراء اكتشافات شكّلت فيما بعد قفزاتٍ علميّة و لا يعترف بها ، نقدم لكم في هذا المقال سبعة إنجازات علمية اضطرت لأن تأخذ طريقاً مُلتفاً إلى النجاح و الانتشار بسبب معارضة المجتمع العلمي لها، بعضها اختراعات علمية والأخرى اكتشافات.
كما يقول الفيزيائي الأميركي و الحائز على جائزة نوبل “Jack Steinberger” :”ليس من السهل جعل الناس يقبلون الأفكار الجديدة ، بل حتّى في بعض الأحيان من الصعب جداً إقناع أكثر الناس ذكاءً و انفتاحاً بالأفكار الجديدة”.
بعض المعلومات العلميّة التي تعتبر جوهريّة و أساسيّة في يومنا الحالي استغرق الأمر وقتاً طويلاً حتّى تمّت ملاحظتها و الاعتراف بها بسبب معاندة خبراء الدوريّات العلمية في الاعتراف بها و حتى بعض مكتشفي هذه المعلومات تمّ منحهم جائزة نوبل لأبحاثهم و دراساتهم بعد وقتٍ طويلٍ.
نموذج هيغز ، 1966
لم يلقَ النموذج النظري للعالم البريطاني بيتر هيغز انتشاراً سريعاً حيث رفضت الدوريّة الرائدة Physics Letters نشر نصّه مع التعليل بأنّه لا علاقة له بالفيزياء!! قبل أن تقوم دوريّة Physical Review Letters بنشره عام 1966.
في نموذجه القياسي شرح هيغز كيف أنّ اللبنات الأساسيّة للمادة تتفاعل مع بعضها تحت تأثير أربع قوى مهمة واليوم نعرف أن هذا من أهم الاكتشافات العلمية.
إحدى أهم التنبؤات التي قدمها هيغز هي وجود جسيم أولي منه أخذت باقي الجسيمات كتلتها ، هذا الجسيم الذي من الصعب تصديق وجوده تم تأكيد وجوده عام 2012 في مصادم الهايدرونات العملاق في CERN ، بعد ذلك بعامٍ فقط تمّ منح بيتر هيغز و زميله البلجيكي فرانسوا انجليرت جائزة نوبل.
الليزر ، 1960
في الثاني و العشرين من حزيران عام 1960 أرسل محررو “Physical Review Letters” إلى المهندس و الفيزيائي الأمريكي Theodore Maiman مخترع أول أجهزة الليزر العمليّة و القابلة للاستخدام على الإطلاق رفضاً يقولون فيه أنّ الناشر لم يعد مهتماً بالنصوص المتكررة حول تكنولوجيا المايزر Maser.
ساعده إعادة نشر هذه التقرير في دوريّة Nature البريطانية الرائدة بتاريخ السادس من آب 1960 على الحصول على براءة اختراع و تطوير الليزر الياقوتي وهو من أهم اختراعات علمية في النصف الثاني من القرن العشرين.
أجهزة الليزر منتشرةٌ بكثرة في يومنا الحالي ، فحزم الأشعة الضيقة و المُكثّفة هذه تُستعمل في قراءة الأقراص الليزرية و توجيه الصواريخ و إزالة الخرّاجات و تصير الأنسجة بدقة حتّى في إنتاج الفولاذ.
نظرية التكافل الداخلي Endosymbiotic Theory ، 1967
رُفضت الفرضية التي قدمتها باحثة البيولوجية التطوّرية الأميركية Lynn Margulis عام 1966 من قرابة خمس عشرة دوريّة علميّة و التي تقول بأنّ الجينوم في عضيات الخلية كالمتقدرات mitochondria و الصانعات اليخضورية chloroplasts هو بقايا كائنات قديمة وحيدة الخلية كالبكتيريا و التي اتحدت على مرّ العملية التطوّرية لتشكّل كائنات عديدة الخلايا و معقدة.
و سبب رفض هذه الفرضية هي شيوع فكرة أنّ المتقدرات و الصانعات اليخضورية لا تحوي DNA في ذلك الوقت ، و عليه كانت هذه النظرية حول أصل حقيقيات النوى ثوريّة في ذلك الوقت إلى حدٍ كبيرٍ.
و لكن كما يقول المثل “ما لا يقضي عليك ،يجعلك أقوى” ، قاومت Margulis رفض الدوريّات العلمية لفرضيتها بعناد و استطاعت إقناع دوريّة “Journal of Theoretical Biology” بنشرها بعد ذلك بعامٍ واحدٍ.
في الحقيقة أول من قال بنظرية التكافل الداخلي كان البيولوجي الروسي Constantin Mereschowksy في بدايات القرن العشرين ، لكن فرضية النشوء التعايشي غير الاعتيادية التي قدمتها Margulis شكّلت تحولاً مهماً في علم البيولوجية التطوّرية.
التصوير بالرنين المغناطيسي 1973
ما يعتبر اليوم إحدى أهم الأدوات التي لا يمكن التخلي عنها في تصوير بنية الأنسجة و الأعضاء بدقة عالية و هو جهاز التصوير بالرنين المغناطيسي لاقى رفضاً من خبراء دوريّة “Nature” أول الأمر بحجةِ أن النصوص المُرفقة بصور الرنين المغناطيسي اعتبرت مُبهمة و غير واضحة في البدء ، على الرغم من أنّها شرحت الفرق بين الماء الثقيل و الماء العادي بشكلٍ واضحٍ.
أثمر صبر المخترع و الكيميائي الأمريكي Paul Lauterbur ، فنشرت دوريّة Nature الاختراع عام 1973 بفضل إعادة صياغة النصوص .
كما تمّ منح جائزة نوبل للفيزيولوجيا و الطب له مناصفةً مع الفيزيائي البريطاني السير Paul Mansfield عام 2003.
فهذه الطريقة مكّنتنا من الحصول على صور ثلاثية الأبعاد لتشريح الجسم دون الحاجة إلى استعمال إشعاعٍ مؤينٍ ولذا تعد من أهم الاختراعات العلمية الطبية المعروفة.
تفاعل البوليميراز المتسلسل 1987
تفاعل البوليميراز المتسلسل Polymerase chain reaction أصبح طريقةً لا يمكن الاستغناء عنها في المخابر الطبية و البيولوجية الجزيئية لاستنساخ جزيئات الحمض النووي منقوص الأكسجين DNA.
رغم أهمية الطريقة عانى Kary Mullis مخترع هذه الطريقة من رفض دوريّتي Nature و Science لنشر أبحاثه.
رغم عدم ثقة محرري دوريّة Science بأهمية هذه الطريقة الثوريّة فقد اقترحوا عليه نشر الأبحاث في دوريّة أقل أهميةً و انتشاراً و تمّ نشر المقال عام 1987 في دوريّة Methods in Enzymology.
بعد ذلك بستة أعوام نال Kary Mullis بالاشتراك مع زميلة الكندي Michael Smith جائزة نوبل للكيمياء.
قوانين الوراثة لمندل ، 1866
على الرغم من أنّ الدراسات و الأبحاث في القرون الماضية لم تخضع للمراجعة من قبل مختصين إلّا أنّ الراهب و الباحث الطبيعي النمساوي غريغور مندل قاسى من معارضة شديدة لأبحاثه لسنوات طوال.
غريغور مندل مؤسس علم الوراثة الحديث و الذي وضع من خلال تجاربه أُسس قوانين الوراثة المعروفة في يومنا هذا و التي تعرف بقوانين مندل أيضاً.
عُدّت قوانينه حول توريث صفات الأبوين إلى الأبناء مناقضةً للفرضية الشائعة في تلك الفترة “شمولية التخلق” التي وضعها داروين.
نشرت مجلة علمية ألمانية أبحاثه عام 1866 ، تعدُ هذه المخطوطة المنشورة واحدة من ثلاثة أهم و أشهر الأعمال في تاريخ علم البيولوجيا.
إشعاع هوكينج ، 1974
عالم الكونيات “ستيفان هوكينج” هو أحد أشهر علماء العالم ، رغم ذلك لاقت أعماله النظريّة معارضةً إلى حدٍ ما (حتى أهم أعماله و هو إشعاع هوكينج و هو إشعاع يتسرب من الثقب الأسود و يؤدي إلى أن يفقد الثقب الأسود طاقته و كتلته تدريجياً).
على الرغم من أن هوكينغ قد دحض التوقّعات السابقة، في يناير من هذا العام، بأنّ الثقوب السوداء تبتلع المعلومات من الأجسام، إلا أنه قد خدش في توقّعاته مبدأ مهم من نظرية الكم.
“مجلة Nature” اعترضت في البداية على نشر المخطوط، إلا أنّها نشرته عام 1974، و لكنها اعترفت لاحقاً رسمياً بالخطأ التاريخي.
- إعداد: سيف البصري.
- تحرير: سهى يازجي.
- المصدر