يعتبر سرطان البروستات أحد أكثر السرطانات شيوعًا والتي تصيب الذكور ومن أكثرها إحداثًا للوفاة في حال عدم اكتشافه بمرحلة مبكرة.

ولهذا فالباحثون دائمًا ما كانوا مهتمين بالعوامل التي يُعتَقد بأنها مرتبطة أو مؤثرة على احتمالية الإصابة به، ومنها عدد مرات القذف وعدد الشركاء الجنسيين إذ لطالما كانت هناك تساؤلات مثل.

ما علاقة الجنس بسرطان البروستات؟ هل يؤثر نشاط الذكر الجنسي وعدد شركائه بطريقة أو بأخرى على احتمالية إصابته بسرطان البروستات؟ في هذا المقال سنأتي على ذكر بعض الآراء والدراسات المرتبطة بذلك.

عندما تناول الباحثون في الماضي هذه التساؤلات توصلوا إلى نظريات متضاربة كما تشرح (إليزابيث بلاتز- Elizabeth A. Platz)، وهي بروفيسور في علم الوبائيات في جامعة جونز هوبكنز إذ تقول: «افترض بعض الباحثين أن الذكور الذين يمارسون الجنس بشكل أكثر قد يكونون أكثر عرضة للإصابة بأمراض منتقلة بالجنس، وهذا ما قد يؤثر على البروستات مسببًا التهابًا وأضرارًا أخرى، مما يؤدي إلى ارتفاع احتمالية إصابتهم بسرطان البروستات».

واعتقد آخرون أن هؤلاء الذكور قد يملكون رغبة جنسية أعلى بسبب امتلاكهم لمستويات أعلى من الهرمونات الذكرية، وهذا بالتالي قد يرفع احتمالية تطويرهم لسرطان بروستات.

بينما افترض باحثون آخرون بأن هذا النشاط الجنسي قد يُقلِّل حقًا من تلك الاحتمالية لأن القذف المتكرر سيكون بمثابة تنظيف للبروستات مما يجعلها أقل تعرُّضًا للعوامل المسببة للسرطان أو الإنتان أو المواد الراكدة التي قد تؤدي للالتهاب».

ولم تصل الدراسات السابقة إلى خلاصة أكيدة في هذا الشأن، ولكنهم أشاروا بشكل غير مؤكد إلى أن الذكور ذوي النشاط الجنسي العالي أو الذين يملكون أمراضًا منتقلة بالجنس قد يكون لديهم احتمال أكبر لتطور سرطان بروستات.

ولكن بلاتز وزملاؤها في جامعة هارفارد والمعهد الوطني للسرطان لم يقتنعوا بما سبق لكون نمط أو نوع الدراسات السابقة مؤهب للانحياز، لذا أخذوا التساؤلات السابقة بعين الاعتبار كجزء من دراسة ضخمة قادها عالِم الوبائيات (مايكل ليتزمان- Michael Leitzmann) من جامعة هارفارد، تابعوا فيها حالة حوالي 30 ألف رجل، معظمهم كانوا من العرق الأبيض ومتوسطي العمر وعدد قليل منهم كانوا قد أصيبوا بمرض منتقل بالجنس في السابق.

حيث تقول بلاتز: «في عام 1992 طلبنا من الذكور غير المصابين بسرطان البروستات بأن يسجلوا عدد المرات النموذجي التي قذفوا بها شهريًا في العشرينات والأربعينات من عمرهم وخلال السنة الأخيرة الماضية-أي 1991-، ثم تابعوهم حتى عام 2000».

وخلال تلك المدة طوَّر بعض منهم سرطان بروستات، إلا أن ذلك لم يكن مرتبطًا بأي شكل مع عدد مررات القذف، بل على العكس وجد الباحثون أن خطر السرطان ينخفض عند الذكور الذين سجلوا معدلًا أعلى بعدد مرات القذف في الشهر».

وتكمل بلاتز قائلة: «بالمقارنة مع الذكور الذين سجلوا عدد مرات قذف أقل في جميع الأعمار، فالذكور الذين سجلوا عدد مرات قذف 21 أو أكثر كانوا قد امتلكوا حوالي ربع خطر الإصابة بسرطان البروستات».

وقد أضافت بلاتز أن خصائص معينة مهمة في هذه الدراسة تجعلها أكثر ثقة أو موضوعية مثل عدد المشاركين الهائل في الدراسة، وتسجيلهم لتواتر القذف لديهم قبل أن يُشخَّصوا بالسرطان، بالإضافة إلى أن الباحثين كانوا قادرين على استبعاد عوامل قد تشوش النتيجة أو تؤثر عليها كالأمراض المنتقلة بالجنس.

كما أقيمت دراسة ضخمة أخرى توصلت لنفس النتائج وفي هذا الصدد كانت قد أشارت بلاتز إلى أن الخطوة القادمة هي البحث عن السبب الذي يجعل تواتر القذف الأعلى عاملًا واقيًا، وقد يكون للحماية من الالتهاب دور في ذلك، وبالفعل وجدت دراسة نُشِرت في عام 2014 أن الالتهاب خاصة المزمن مرتبط بتطوير سرطان البروستات.

أما عن عدد الشركاء الجنسيين فمن خلال استبيانات تحليلية شارك بها أكثر من 3200 ذكر، توصل فيها باحثون كنديون إلى أن الذكور الذين تجاوز عدد شركائهم العشرين شريكًا خلال حياتهم قد حظيوا بانخفاض يقدر بحوالي 28% في نسبة احتمالية أن يُشخَّصوا يومًا ما بسرطان بروستات، ليس هذا فحسب بل أشارت النتائج إلى أن الرجال الذين ذكروا بأنهم لم يمارسوا الجنس أبدًا قد ازداد احتمال تشخيصهم بالسرطان للضعف مقارنةً بأولئك الذين مارسوه.

كما أن الذكور الذين تجاوز عدد شركائهم العشرين سجلوا انخفاضًا يقدر بحوالي 19% في تشخيصهم لأنماط عنيفة من سرطان البروستات كذلك.

وشملت هذه الاستبيانات رجالًا نصفهم تقريبًا كانوا قد شُخِّصوا بسرطان البروستات بين عامي 2005 و2009 والنصف الآخر كانوا مجموعة من الأصحاء للمقارنة، وقد نُشِرت الدراسة في دورية (وبائيات السرطان- Cancer Epidemiology) عام 2014.

وتعليقًا على الدراسة السابقة يقول الدكتور (ديفيد سامادي-David Samadi) أحد أهم الجراحين البوليين في الولايات المتحدة الأمريكية، بأنه لا يجب القفز إلى النهاية التي توصَّل إليها البحث بممارسة الجنس مع عدد كبير من الشركاء، فأهمية هذا البحث تكمن في رأيه في تعزيز نتائج الدراسات السابقة والتي تقول بأن تواتر القذف الأعلى، وليس عدد الشركاء، هو الذي يلعب دورًا في تخفيض احتمالية الإصابة بسرطان البروستات.

إلا أن الدراسة الكندية لم تتناول هذه النظرية على وجه التحديد، كما أنها لم تُثبت أن ممارسة الجنس بشكل أكبر أو مع شركاء أكثر يقي من خباثات البروستات بل هي فقط تطرح وجود صلة تستدعي التحقق والتقصي في دراسات أخرى في المستقبل.