يقول الفيزيائي بول ديفيز: الفرق الطفيف الوحيد بين النيوترون والبروتون يجعل مِنهما أسلحة خلق شامل.

كَتَب العالم (جاليليو-Galileo) أنّ كتاب الطبيعة “مكتوب بِلُغة الرياضيات”.

صحيح أنّ الأرقام تتغلغل بكل مكان في حياة العُلماء والمهندسين.

لكن ليست كُل الأرقام مُتساوية: إذ توجد أرقام أكثر تمييزًا عن الأخرى.

كرقم أعداد (طائر القاوند الضحّاك – Kookaburras) الذي يحظى باهتمام لعلماء الطيور، لكنّه قليل الأهمية بالنسبة للأمور الكونية.

تبدو بعض الأرقام أساسية لعمل الكون، ذلك لأنّها تُوضِّح مُعظم العمليات الأساسية بالطبيعة.

على رأس هذه القائمة هي كُتَل الجُزيئات دون الذرّية. تُعَد عشرات الجُزيئات معروفة للفيزيائيين، لكن أكثرها دراية به هي مُكوِّنات الذرّات: الإلكترونات، البروتونات والنيوترونات.

يبلّغ البروتون حوالي 1.836 من ثِقّل الإلكترون: لا أحد يعرف لِمْ اختارت الطبيعة ذلك الرقم تحديدًا.

يُعِدُّ النيوترون أثقل بشكل طفيف من البروتون، تقريبًا بنسبة 1% أو 1.00137841887 حسب أَدَقُّ القياسات.

لِمْ ذلك؟

هل كان قَصَد المُصمم الكوني الأكبر أن يمتلِك البروتون والنيوترون نفس الكُتلة لكن أضاف جزءًا قليلًا للنيوترون لمُجَرّد الإضافة؟

الاختلاف بين كُتلة البروتون والنيوترون طفيف لكن له آثار خطيرة، لأنّ الكُتلة هي نوع من الطاقة (تذَكّر قانون E=mc2).

يمتلِك النيوترون كُتلة (وبالتالي طاقة) أكبر من البروتون والإلكترون مجتمعَين.

هُناك مبدأ عام في الطبيعة بأنّ النُظُم الفيزيائية تميل للتواجد في أقل حالة للطاقة عندما تتواجد مُنفَرِدة.

كذلك، سوف يتحول بالطبع نيوترون مُنعزِل في وقتٍ قريب، 15 دقيقة كمُتوسِّط، تلقائيًا إلى إلكترون وبروتون، وهي عملية معروفة باسم (اضمحلال اشعاع بيتا – Beta Decay).

(هُناك جُسيم آخر داخل في العملية، يُسمّى (أنتينيوترينو-Antineutrino)، لكنّه بدون أهمية بالنسبة لنا لأنّه عديم الكُتلة تقريبًا).

السبب الوحيد في أنّ النيوترونات مازالت موجودة هو أنّ بعض النيوترونات رَبَطت نفسها بالبروتونات بعد دقائق قليلة من الانفجار العظيم الساخن.

تعمل قوة الترابط الشديدة بين النيوترون والبروتون على تغيير الاتّزان – ليس بِمقدار كبير، لكن بدرجة كافية لاستقرار النيوترونات.

بقيام المُصمم الأكبر بفِعل نفس الأمر لكن بالعكس، فأنّ تكون البروتونات أثقل من النيوترونات بنسبة 1%، يُمكن أن تحدُث كارثة.

ففي ظِل تِلك الظروف، سوف تتحول البروتونات المُنعزِلة إلى نيوترونات عوضًا عن حدوث العكس.

ستُحفظ بعض البروتونات بسبب ارتباطها بالنيوترونات.

لكن الهيدروجين، أبسط عُنصر كيميائي، لا يمتلك نيوترون للاستقرار؛ إذ تتكون ذرات الهيدروجين من مُجرد بروتون وإلكترون.

وعلية في العالم العكسي، لن يتواجد الهيدروجين، ولا أية نجوم مُستقِّرة ذات عُمر طويل، التي تستخدم الهيدروجين كوقود نووي.

يُمكن أيضًا ألّا تتكون عناصر ثقيلة مثل الكربون والأكسجين المُتَولِّد بداخل النجوم الكبيرة.

فبدون البروتونات لن يكن الماء ليوجد أو على الأغلب علم الأحياء.

لأصبح الكون مُختلفًا تمامًا.

تؤدي الحقيقة أنّ الكون الذي نعرِفه، بما في ذلك وجودنا به، يتوقّف بشكل دقيق جدًا على القيمة الُمحدّدَة للنسبة بين كتلة النيوترون والبروتون، إلى مُناقشة مُفعَمة بين العُلماء.

إذا ما كانت مُجرّد ضربة حظ كون قوانين الفيزياء نَتَجت بتلك الطريقة؟

أم هل يرمز ذلك الى شيء أكثر عُمقًا؟

يأبى العُلماء أن يُصدِّقوا الحظ، لذلك زاد الاهتمام بنظرية الأكوان المُتعدِدة التي يُعدّ كوننا، بنِسبتِه المذكورة سابقًا بين النيوترون والبروتون، مُجرّد كون من ضِمن الكثير من الأكوان.

حيثُ ستمتلك أكوان أُخرى نِسَب مُختلِفة وبالإمكان أن يحتوي جُزء ضئيل على ماء ونجوم تعمل على تشكيل ذرّات مثل الكربون، حيث يمكن أن تنشأ حياة، يُمكن أن توجد كائنات قادرة على الملاحظة لدراسة تِلك الحقيقة في ذلك الجزء الضئيل فقط.

حينها ليس مُدهِشًا أن نجد أنفسنا في كون فيه كُتلة النيوترون مُتّزنة كفاية للسماح بوجود الكيمياء المُعقّدة ووجودنا ككائنات مُفكِّرة ومُلاحِظة.

يعتمِد النقاش السابق على إمكانية أن تكون كُتلة كلًا من النيوترون والبروتون “مُعامِلات حُرة”، أي إمكانية كونها مُختلفة.

يبدو أنّها نفس القضية التي طرحت سابقًا في الخمسينيات، عندما نوقشت القيمة الحَرِجة لنسبة الكُتلة للمرة الأولى.

مع ذلك، نحن نعلم الآن أنّ النيوترونات والبروتونات ليست جُسيمات أوليّة في الواقع (على خِلاف الإلكترونات).

عوضًا عن ذلك، فهي أجسام مُركّبة من جُسيمات أصغر بداخِلها معروفة باسم (الكواركات – Quarks).

هذه العناصر دون المُستوى الذري لها كُتلتها الخاصة بها.

هُناك أيضًا كميّة ضخمة من الطاقة داخل النيوترونات والبروتونات نتيجة للقوة الهائلة التي تربط الكواركات معًا، ويُساهم ذلك في إجمالي الكُتلة أيضًا (E=mc2 مرة أخرى!).

هذا التعقيد الهيكلي يجعل من الأمر أكثر من مستحيل لاستنباط قِيَم دقيقة لكتلة كلًا من البروتون والنيوترون من خِلال تحليل مُكَوِّناتِهِما – فما بالك باستنتاج ما يتطلّبه الأمر بالنسبة لمُساهمة كُتلة هذا الكوارك للانتقال بما فيه الكفاية لإحداث اضطراب في النسبة الحاسمة بين كُتلة النيوترون للبروتون.

حتى الآن، 1.00137841887 هُو مُجرد “أحد هذه الأرقام” التي وضعتها الطبيعة بدون سبب يُدرِكه الإنسان.

إذا انعدمت هذه القيمة لوهلة بسيطة، لم يكن ليوجد بشر – جاليليو أو غيره – حتى لمُحاولة الفِهم.


  • ترجمة: بسام محمد عبد الفتاح
  • تدقيق: خليل حسن
  • تحرير: طارق الشعر
  • المصدر