في مُنتَصف الليل، الوقت الذي كان مُعظمُ السكانِ نيام، اشتعَل حريقٌ مُدمّرٌ في (برج غرينفيل – Grenfell Tower) في لندن، استجابت فِرقُ الطوارئ بسرعة وقوّة: حيث حضر إلى الموقع أكثر من مئتيّ رجل إطفاء، مع وصول المُساندة بعد ستِ دقائقٍ من أولى نداءات النجدة، وأكّدت خدمات الطوارئ بأن 12 شخصًا قد لقوا مصرعَهم، وما زال هنالك الكثير في عداد المفقودين بالإضافة لإصابة العشرات.

ولكنَّ هنالك سؤالٌ يدور بين الناس؛ ما الذي أدّى لانتشار الحريق بهذه السرعة الكبيرة؟ لماذا كان من الصعب جدًا على السكّان داخل البرج من الهرب؟

مما لا شكّ فيه، وفي الوقتِ المناسب ستكشفُ التحقيقات عن كامل التفاصيل التي كانت سببًا لهذه الكارثة.

ولكن من وجهةِ نظرٍ هندسيّة، فهناك عدد من العوامل في تصميم البرج ذو الأربعِ والعشرين طابقًا والتي من المُحتمل أن تكون قد أسهمت في سرعة انتشار الحريق وحجمه.

إنَّ القواعد التصميميّة في مُعظم أنحاء العالم تحتوي على مُتطلّبات التصميم المُفّصلة للسلامة من الحرائق مثل طُرق الإخلاء، تصميم وتقسيم المبنى للحماية من الحرائق، ولكن هذا البرج قد بُنيَ في عام 1974، ولم تكُن حينها القواعد التصميميّة واضحةً ومتطوّرةً كما هي عليه الآن.

الإخلاء والتقّسيم:

يُعدُّ طريق الإخلاء أحدَ أهمِّ العناصر في تصميم البناء وذلك عندما يتعلّقُ الأمر بالسلامة من الحريق، وينبغي لهذا المسار أن يسمحَ للمتواجدين بالهرب من المبنى بأسرعِ ما يمكن، مع حمايتهم من الدخان واللهب.

في بعض المباني الشاهقة تكون فيها سلالمٌ مُثبّتةٌ خارجيًّا، وذلك لتجنّب أن يَعلقَ الناسُ في الممرات ولتوفير الهواء النقيّ لهم أثناء الهروب، في حين تشمل خياراتٌ أخرى على تركيب مراوحَ عاليةِ القدرة داخل المباني، لتنقيّةِ مسار الإخلاء من الدخان في حالة نشوب حريق، كما هو الحال في أطول برجِ في العالم (برج خليفة – Burj Khalifa) في دبي.

نشرت مدوّنةٌ في تشرين الثاني 2016 أن المُقيمين لم يكونوا راضينَ عن تصميم السلامة من الحريق لطريق الهروب، وكما يُشيرُ التصميم أدناه، ليس هنالك سوى مجموعةٍ واحدة من سلالم النجاة، وسيحتاج المُحققون لتحديد أيًا منها كانت متاحة.

وهنالك استراتيجيّاتٌ رئيسيّة أخرى تكمنُ في تصميمِ حُجراتٍ للحماية من الحرائق؛ وهذا يستلزمُ وضعَ حواجزٍ في المبنى كالجدران والأبواب المُقاومة للحرائق، لحصر الحريق في منطقة محليّة، أو على الأقل للحدّ من الإنتشار السريع له.

يتم تصميم هذه الحُجرات من قبل المهندسين المعماريين على أساس توظيف المبنى، ولذلك نرى أن المباني السكنيّة تختلف استراتيجيّة تصميمها للحجرات عن المباني التجاريّة.

تشملُ بعض المباني الحاليّة تدابير تصميم خاصة للحرائق؛ مثل قاعاتِ إيواءٍ للقاطنين في الطوابق العُليا، والذين قد يواجهون صعوبةً في الهروب للطوابق السُفلى، وهنالكَ أيضًا أساليب فعّالة للحماية من الحرائق مثل استخدام رشّاشات المياه.

وبالرغم من أنَ قرارًا برلمانيًّا كان قد اتُخذَ عام 2009 عقِب حريق (لانكال هاوس – Lakanal House) في لندن والذي توفّي على أثره 6 أشخاص، والذي أفضى بضرورة تركيب أنظمة رش في جميع الأبراج المملكة المُتحدة، إلا أنّه ليس من الواضح أن هذه التدابير قد نُفّذت في برج غرينفيل.

كما وزعمَت مجموعة من السكّان المحليين أن تحذيراتهم بشأن عدم وجود تدابير سلامة من الحرائق لم تلقى آذانًا صاغيّة.

مواد البناء المُستخدمة:

يعتمد مستوى خطر الحريق في أيّ مبنى أيضًا على تصميمه الإنشائي، أي على قدرة مواده من مقاومة الحريق، حيث يختلف تلقّي درجات الحرارة في كل تصميم وذلك باختلاف مواده، فعلى سبيل المثال، يتطلّب تصميم المُنشآت المعدنيّة وجودَ عناصر إنشائيّة رئيسيّة كالـ (جوائز، كمرة –beams) أو أعمدة تتحمّل الحريق لمدّة ساعة أو ساعتين مع مساعدة مواد حماية للحرائق كالطلاء المُنتفخ الذي يتضخّم عند تسخينه لحماية المادة الموجودة تحته.

ووفقًا للتقارير، فإنَّ العناصر الإنشائيّة الرئيسيّة في برج غرينفيل هي خرسانيّةٌ على الأغلب؛ وهي من المواد التي لها مقاومة عالية على الحرائق، في حين أن المواد الأخرى يمكن أن تُصابَ بـ (الانبعاج –buckle ) في درجات الحرارة العاليّة، أما الهياكل الخرسانيّة يمكنها أن تساعدَ على منع انهيار المبنى في حالة نشوب الحريق، فضلًا عن كونها الأكثر أمانًا لاستخدام طائرات الهليكوبتر والتي يمكنها أن تُفرغ ما يصل لحدود 9842 ليترًا من المياه في وقتٍ واحد لإطفاء الحريق.

وكان هناك أيضًا تقاريرٌ تتعلّق بالإكساء تُضاف كجزءٍ من مبلغِ 8.7 مليون جنيه استرليني الذي رُصِدَ لعمليّة الترميم عام 2016، حيث كانت المواد الإكساء المستخدمة في بادئ الأمر هي الألمنيوم، والتي لا تملك مقاومة للحريق، فضلًا عن أن له ناقليَّةً كبيرة للحرارة وبالتالي فإنّ هذا الإكساء نفسه سيسخن بسرعة كبيرة، ويتساقط مانعًا الحريق من الانتقال عبر النوافذ إلى الوسط الخارجي من طابق إلى آخر.

مُعظم المباني القديمة في الحقيقة لا تتوافق مع أحدث القواعد التصميميّة للسلامة من الحرائق، لذلك فمن الضروري تحدّيثها واتخاذ التدابير عن طريق تركيب مرشّات المياه وأجهزة الإنذار من الحرائق وإضافة المزيد من سلالم النجاة.

وعلى الرغم من أنَّ المتضررين قد يضطرّون للانتظار لبعض الوقت قبل أن تصبح أسباب الحريق واضحةً، يستطيع أصحاب العقارات والمجالس المحليّة العمل حالًا للمساعدة بمنع حدوث كارثة بهذا الحجم من جديد.


  • ترجمة: رامي الحرك
  • تدقيق: رؤى درخباني
  • تحرير: يمام اليوسف

المصدر