انتشر منذ أيام خبر قطع العديد من الدول العربية لعلاقاتها الديبلوماسية مع قطر وقيامها بإغلاق الحدود البرية مع الإمارة الصغيرة، إضافة لمجالاتها الجوية والبحرية. أثار هذا القرار ذعرًا في الأسواق، فاكتظت المحلات التجارية في قطر بزبائن أصابهم الهلع مع بروز شبح أزمة اقتصادية ومعيشية. بعيدًا عن السياسة، سنقدم لكم قراءة اقتصادية حيادية للوضع القائم مع تحليل تردداته على اقتصادات الدول المعنية.
ستكلّف هذه الأزمة المستجدة كل من قطر وجيرانها الخليجيين مليارات الدولارات؛ لأنها وبكل بساطة ستبطئ التجارة وتخفف من جذب تلك الدول للمستثمرين، كما أنها ستصعّب الاستدانة في منطقة تعاني أصلًا بسبب أسعار النفط المنخفضة.
بفضل صندوقها السيادي للاستثمار والبالغة قيمته حوالي 335 مليار دولار، يبدو أن قطر ستتمكن من تفادي أزمة اقتصادية كبرى، فموانئها الحديثة تستطيع مواصلة تصدير الغاز المسال، كما أنها مجهّزة لتعويض النقص في الواردات الغذائية الذي سيتسبب به إغلاق الحدود البرية مع المملكة العربية السعودية، لكن هذا لا يعني أن قطاعات أخرى من الاقتصاد القطري لن تعاني وبشدة بسبب الحصار.
سنبدأ تدريجيًا بتحليل القطاعات الأكثر تأثرًا:

– الأمن الغذائي:
تستورد قطر معظم المنتجات الغذائية عبر الحدود البرية مع السعودية وخاصة الحليب ومشتقاته، وبالتالي من الطبيعي أن يؤثّر إغلاق الحدود على قدرة قطر على الاستيراد، لكن البدائل موجودة وخاصة من السوق الإيرانية القادرة على تعويض الفارق بحرًا.

– الملاحة الجوية والخطوط الجوية القطرية:
وضعت قطر شركة طيرانها الوطنية كنقطة انطلاق في مسعاها لبناء قطاعٍ سياحي متقدم في الإمارة، كما طوّرت مطار الدوحة ليكون أحد أهم محاور الطيران في المنطقة، فهو يعتبر صلة وصلٍ مهمة بين آسيا وأوروبا، لذلك فمن الطبيعي أن يكون هذا القطاع أحد أكبر الخاسرين من قرار المقاطعة. تمرّ معظم الرحلات الجوية المنطلقة من الدوحة إلى شمال أوروبا وأمريكا عبر إيران والعراق وهي لن تتأثر، لكن خطوط الطيران المتجهة نحو جنوب أوروبا وأفريقيا كانت تمر بالأجواء السعودية وقد أصبح لزامًا عليها تغيير مسارها، ما يعني طرقًا أطول وتكلفة أعلى للمسافرين، ما سيفقد الخطوط الجوية القطرية تنافسيتها في وجه منافساتها وخاصة طيران الإمارات. لن يقتصر التأثير على هذا الحدّ، فباقي الرحلات المتجهة إلى آسيا سيفرض عليها تغيير في الجداول لتتماشى مع الجداول الزمنية الجديدة، دون أن ننسى أن قطر خسرت أسواقًا مهمة في مصر والإمارات لخطوطها، الجوية فهل تستطيع خطوطها الجوية الصمود؟ ربما بإمكان الحكومة القطرية عبر الدعم المالي تفادي الخسارة على المدى القصير، لكن إذا طالت الأزمة فالمستقبل يبدو قاتمًا.

– قطاع البناء وحلم استضافة كأس العالم:
ربما يكون هذا القطاع الأكثر أهمية بالنسبة لقطر، فمن أجل استكمال البنى التحتية اللازمة لاستضافة الحدث الرياضي الأبرز عالميًا؛ عمدت الإمارة الخليجية للاستدانة كي تستورد مواد البناء الضرورية لإتمام المشاريع عبر الحدود السعودية التي أقفلت. هذا الموضوع متشعّب وشائك، فشبح تخفيض التصنيف الائتماني يلوح بالأفق ما يعني تكلفة أكبر للدين، كما أن إيجاد البديل للنقل البري عبر البحر سيضاعف من تكلفة المواد الأولية المستوردة، ما يضع السلطات القطرية بين مطرقة تأخير المشاريع على أمل انتهاء الأزمة قريبًا وسندان التكلفة الإضافية إذا كانت تريد الاستمرار بنفس الوتيرة. وقد صرح مصدر مسؤول بالفيفا بأنهم على تواصل مستمر مع قطر لمراقبة الوضع وتقييمه.
لن يقتصر تأثر مشروع استضافة كأس العالم بكلفة التجهيز فحسب، بل سيحرم إقفال الحدود قطر من ملايين الزوار الذين كانوا يخططون لدخول الإمارة عبر البر، ما يشكّل خطرًا حقيقيًا على جميع الخطط المستقبلية، ليبقى الحلم القطري رهنًا باستمرار الأزمة من عدمه.

– التجارة والقطاع المصرفي:
بما أن دول الخليج العربي تعتمد بشكل كبير على صادراتها من النفط والغاز، فإن تعاملاتها التجارية مع بعضها البعض تبقى محدودة، وهي مقتصرة على الغذاء الذي ذكرناه سابقًا، إضافة لاستيراد قطر للمعادن من الإمارات العربية المتحدة وتصديرها للغاز المسال لنفس الوجهة. فهل تتسبب الأزمة بتوقف التبادل بين الدولتين وبالتالي تحرم الإمارات من الغاز القطري الذي تعتمد عليه بشكل كبير، كما تحرم قطر من المعادن الإماراتية؟ سيكون لمثل هذا الأمر تأثير كبير على الدولتين، تأثير يمكن تفاديه لكن الثمن لن يكون زهيدًا.
فيما يختص بالقطاع المصرفي، فالمقاطعة الخليجية والمصرية للمصارف القطرية ستؤثّر بشكل كبير على قدرة تلك المصارف على القيام بنشاطاتها كاملة، ما انعكس على ثقة المستثمرين في الأسواق القطرية التي انخفض مؤشرها بأكثر من 7% يوم الإثنين الماضي، مترافقًا مع انخفاض في أسواق المال السعودية والإماراتية وإن كان بنسبة أقل.
فلننتقل الآن للعمالة الأجنبية في قطر، فتلك اليد العاملة جذبتها الرواتب المغرية للعمل في السوق القطري، ومع ارتفاع نسبة التضخم، قد يجد بعض هؤلاء أن العمل هناك لم يعد بنفس الجاذبية؛ فيبدأون بالبحث عن بدائل. أما العمالة المصرية وقوامها أكثر من 180 ألف عامل فوضعها على المحكّ، لأن هؤلاء يشكلون أهمية كبرى بالنسبة لمصر عبر تحويلاتهم المالية التي تعتبر شريانًا حيويًا للاقتصاد المصري، كما أنهم أساسيون للاقتصاد القطري، لأن خسارتهم ستشكّل أزمة كبرى بالنسبة لقطر، ليبقى السؤال هنا برسم سياسيي البلدين ومدى استعدادهم لضبط الأزمة أو دفعها نحو التصعيد.
لا شكّ أن المستقبل ضبابي، قد تستطيع قطر تحمّل أزمة قصيرة الأمد لكنه سيكون من الصعب عليها الاستمرار على المدى الطويل، استمرار سيؤذي جميع الأطراف، فهل تنتهي الأزمة قريبًا لينتهي عض الأصابع؟

تدقيق: دانة أبو فرحة
المصدر الأول
المصدر الثاني