أظهرت دراسة حديثة إن الاختبار القياسي الحالي لالتهابات المسالك البولية يفشل في الكشف عن البكتيريا المتسببة به في خُمس حالات الإصابة على الأقل، ما يحول دون حصول الكثير من المرضى على العلاج اللازم.

تُشخَص نحو 150 مليون حالة إصابة بالتهابات المسالك البولية في جميع أنحاء العالم كل عام، معظم الحالات تصيب النساء اللواتي تتسبب بنية أجسامهن في جعلهن أكثر عرضة للبكتيريا الضارة التي تصعد إلى المثانة.

إذا سبق أن أصبت بالتهاب المسالك البولية، فأنت تعلم كم هو أمر مزعج.

ويزداد الأمر سوءًا إذا ذهبت إلى الطبيب ولديك كل أعراض الإصابة بالالتهاب (مثل الحاجة المتكررة للتبوّل مع عدم القدرة على إفراغ المثانة، وشعور بألم وحُرقة أثناء التبوّل) لكن الاختبار لا يكشف عن وجود بكتيريا، وما من شيء يمكن أن يفعله الطبيب لك.

أدى تكرار حدوث ذلك مع نحو ربع الحالات إلى ظهور تشخيص «متلازمة الإحليل» المُثار حولها الكثير من الجدل، وأشار بعض الباحثين إلى أنالسبب قد يكون نفسي بدني.

ويقول «ستيفان هيتينز» الطبيب والباحث في جامعة غنت في بلجيكا:

«يراجع الطبيب نسبة كبيرة من النساء اللواتي ظهرت عليهن أعراض التهاب المسالك البولية، لتأتي نتيجة اختبار الالتهاب البكتيري سلبية، فيبلغن بعدم إصابتهن بالعدوى ويُتركَن دون علاج».

وفي محاولة لمعرفة ما إذا كان اللوم يقع على الاختبار في هذا الأمر أم لا، جمع الباحثون عينات بول 308 مشاركات؛ 220 سيدة منهن شكون من أعراض التهاب مسالك بولية دون مضاعفات، بينما لم تظهر على 86 سيدة أي أعراض (المجموعة الضابطة).

التهاب المسالك البولية غير المصحوب بمضاعفات يعني أن المريض يعاني فقط من أعراض الالتهاب ولا وجود لأي اضطراب أو مرض آخر قد يعرّضه لمزيد من الالتهابات المتكررة.

خضعت كل العينات للاختبار القياسي، الذي يتضمن غمر بعض الآغار في البول، ثم استنباته لرؤية ما إذا بدأت أي بكتيريا بالتكاثر أم لا.

أجرى الباحثين أيضًا اختبارًا يفوق بدقته الاختبار الأول بكثير يدعى «تفاعل البوليميراز المتسلسل الكمي» الذي يمكنه أن يكشف عن أدق كميات الحمض النووي الريبي منزوع الأكسجين للبكتيريا.

وكشف الاختبار القياسي عن وجود بكتيريا في 80.9% من حالات السيدات اللواتي ظهرت عليهن أعراض التهاب المسالك البولية، لكن نتائج اختبار تفاعل البوليميراز المتسلسل الكمي عصفت بنتائج الاختبار القياسي، إذ توصلت إلى وجود بكتيريا الإشريكية الكولونية في 95.9% من العينات ذاتها، وبكتيريا المكورات العنقودية المترممة في 8.6% منها.

وبدمج نتائج الاختبار القياسي واختبار تفاعل البوليميراز المتسلسل الكمي، توصّل الباحثون إلى وجود التهاب في 98.2% من السيدات اللواتي ظهرت عليهن أعراض التهاب المسالك البولية.

وكتب هؤلاء الباحثون: «تشير هذه النتائج إلى أن معظم السيدات اللواتي يعانين من شكاوى عادية في الجهاز البولي، ما زلن مصابات ببكتيريا الإشريكية الكولونية على الرغم من النتيجة السلبية عند الفحص».

إلا أن الباحثين غير متأكدين في الوقت الراهن من سبب عدم نمو العينات البكتيرية في بعض الحالات في مزارع الاختبار القياسي.

وصرّح «هيتينز لهانا ديفلين» من صحيفة الجارديان قائلًا: «لم تكن لدى علماء الأحياء الدقيقة في مؤسستنا أي فكرة، وتفاجؤوا أن اختباراتهم ليست بالدقة التي كانوا يظنون».

والمثير للاهتمام أن الاختبارين كشفا أيضًا عن بكتيريا الإشريكية الكولونية في عينات المجموعة الضابطة بنسب تتراوح بين 10.5% في الاختبار القياسي و11.6% في اختبار تفاعل البوليميراز المتسلسل الكمي.

لكن لم تكن هذه النتيجة صادمة؛ إذ إننا نعرف الآن أن البول ليس معقمًا تمامًا.

ما يهم هو ما إذا كانت هذه البكتيريا تتسبب في ظهور بعض الأعراض أم لا.

يقول هيتينز: «تدعم نتائجنا الأبحاث السابقة التي تشير إلى أن الاختبار القياسي قد لا يفيد في التهابات المسالك البولية غير المصحوبة بمضاعفات، لكن ربما ما يزال ثمة دور لاختبارات مزارع البول التقليدية في حال فشل العلاج أو ظهرت علامات وأعراض لالتهاب مسالك بولية مصحوبة بمضاعفات».

تفتح هذه النتائج الباب أمام الكثير من الأسئلة حول أفضل سبل العلاج أمام شخص يعاني من أعراض التهاب المسالك البولية.

كتب فريق الدراسة:

«بدلًا من استنفاد الوقت والطاقة لإثبات الإصابة بالتهاب مسالك بولية غير مصحوب بمضاعفات، يمكن للأطباء الاعتماد على الأعراض المعتادة والتركيز على الاهتمام بشكاوى المريض والتعامل معها».

وهذا يعني أن أي شخص يذهب إلى الطبيب وهو يعاني من أعراض التهاب المسالك البولية يجب إعطاؤه مضادات حيوية، لكن ذلك يفرض للأسف معضلة جديدة تمامًا.

فما زالت مقاومة المضادات الحيوية من المخاوف الآخذة في التزايد، والتهاب المسالك البولية أحد أكثر الشكاوى التي يحصل فيها المريض على وصفة مضادات حيوية.

يأمل الباحثون في التحقق من صحة النتائج بإجراء مزيد من الدراسات لتحديد ما إذا كانت السيدات اللواتي تظهر عليهن أعراض التهاب المسالك البولية يمكن أن يستفدن من المضادات الحيوية رغم نتيجة فحوصاتهن السلبية.

وهذا سؤال جيد، إذ إننا نعلم أن التهابات المسالك البولية يمكن أن تشفى في بعض الأحيان من تلقاء نفسها خلال بضعة أيام شريطة شرب الكثير من السوائل (باستثناء عصير التوت البري، فضلًا عن عدم حبس البول إطلاقًا).

لكن في حالة وجود شك، يستحق الأمر دائمًا الحصول على رأي ثانٍ.

وفي تطور آخر واعد، يعمل العلماء على البحث عن سبل لتخليص المثانة من البكتيريا المسببة للالتهابات دون أي مضادات حيوية على الإطلاق.

لكن أيًا كان النتيجة بشأن العلاج، يمكننا على الأقل التخلص للأبد من أسطورة «متلازمة الإحليل» والتوقف أخيرًا عن إخبار السيدات أن الأعراض المزعجة التي يعانين منها ليست سوى وهم في رؤوسهن.

نُشر هذا البحث في دورية «كلينيكال مايكروبايولوجي آند إنفيكشين».


  • ترجمة: أميرة علي عبد الصادق
  • تدقيق: الاء أبو شحوت
  • تحرير: ناجية الأحمد
  • المصدر