لقد كانت الدوائر الشكلَ الأمثلَ للمُصممين والفنّانيين لآلاف السنين.

مِن الشمس، والقمر، والكواكب إلى العيونِ التي تُعطينا البصر، نجدُ الشكلَ الدائريّ في كُلِ مكان في العالم الطبيعي.

ولكن يُمكننا أيضًا أن نراهُ في العالم المادّي والذي هو من صُنعِ البشر؛ بِدءًا من العجلات والقُبَب إلى الشِعارات والرسومِ البيانيّة.

إنه شكلٌ مُنتشرٌ تمامًا.

وفي الكتاب الجديد المُسمّى «كتابُ الدوائر» يبيُّنُ فيهِ مُصمم البيانات (مانويل ليما – Manuel Lima) سبب حُبِ الناس للشكل الدائريّ لهذا الحد، وذلك بالإستنادِ للتاريخِ والعلم التطوّري.

واستخدام أبحاثه لإنشاء تصنيفٍ لما يُقارِب 300 صورة من الدوائر والتي يعود تاريخُها منذ آلاف السنين وحتّى يومِنا هذا.

وفي الوقت الذي لا تكادُ تكونُ فيه الصورُ شاملةً، فإنها تشكِّل حجةً مُقنعةً حول كيفيّة ترسُّخ هذا الشكل في العقل البشري.

وأعطى (Lima) بعض التفسيرات المُقنِعة بهذا الخصوص.

يُعدُّ كتابُ الدوائر ثالثَ كُتبِ (Lima)، وقد كتب أيضًا عن تاريخِ (المُخططات الشجريّة – Tree Diagrams) وتمثيل المعلومات الشبكيّة مما يجعلُها نتيجةَ عشر سنواتٍ من البحث في الإستعارات البصريّة التي استخدَمها البشر للتعبيرِ عن المعلومات على مدى آلاف السنين.

ويعتقدُ (Lima) أن امتلاك مُصممي البياناتِ المُعاصرة لأسسٍ تاريخيّة هو عنصرٌ ضروريّ في تحديد عمل المرء في الوقت المُناسب.

رمزُ (باي – π) عند رسمه

يشرحُ (Lima) أنَّ النقوشَ الدائريّةَ الأولى ترجِعُ إلى حوالي 40 ألف سنة مضَت، وذلك عندما كان البشرُ القُدامى ينحِتونَ علاماتٍ دائريّةٍ والتي تُدعى النقوش الصخريّة.

ويقول:
«ليس واضحًا ما كانوا يُحاولون تحقيقه، ولكن بعضَ أقدمِ النقوشِ تأخذُ شكل دوائرٍ مُتحدةِ المركز، لولبٍ وشكل العجَلة، وترى ذلك في مناطقَ مُختلفةٍ من العالم، وفي مناطقٍ مُختلِفةٌ زمنيًا، ويمكنكَ أن ترى أنَّ هنالك بعضًا من السحرِ نوعًا ما».

خريطة الحزن لـ (مارك شيفارد) “Mark R Shepherd, Map of Sorrow, 2012”
قبل عشرة آلافِ سنة، كانت (الدائرةُ) قد تسلّلت إلى كُلِ مجالٍ من مجالاتِ المعرفة البشريّة، من الهندسة المعماريّة والتخطيط السُكّانيّ إلى عِلم اللغة والأشياء.

واليوم، لا تزالُ الشكلَ المُهيمن في عالم تصميم المعلومات.

ولكن مع ذلك، فهذا لا يُفسّر وجودِها الكلّي.

ويشيرُ (Lima) إلى العديد من النظريّات العلميّة حولَ ميلِ البشرِ للدوائر.

ثلاثةُ نظريّاتٍ من العِلم:
نحنُ نعلمُ أن البشرَ تنجذِبُ إلى الأشكالِ المُنحنية أكثر مما عليه الحال في الأشكالِ ذاتِ الزوايا، وهو ما تدعَمُه عِدةُ دراساتٍ حديثة.

ويعتقد (Lima) أن هذا منطقيّ من منظورٍ تطوّري فقال:
«إنه يعودُ إلى جذورٍ بدائيّة في الطبيعة، حيثُ أن مُعظم الأشكالِ مُنحنية، و أكثرُ ليونةً وتوفّر بعض الأمان، على عكسِ الأشكالِ ذات الزوايا، كأسنان الحيوانات والشكلُ الحادُّ من الصخرة، كُلُّها دلالاتٌ على وجود الخطر».

نظريّةٌ أخرى تقول، أنّ البشرَ قاموا بربطِ الأشكال الهندسيّة مع العواطف، وأنَّ الدوائرَ تتوافقُ مع السعادة.

أجرى عالمُ النفسِ (جون باسيلي – John N. Bassili ) تجربةً عام 1978، حيثُ لوّنَ فيها وجوه المُشاركين بالأسود، ثم أضاف نقاطً متوهّجة.

عندما طلب من المشاركين أن يُؤدّوا تعبيرات عن السعادة، فإن هذه النقاط ستأخذُ شكلًا مُنحنيًا، صاعدًا ومفتوحًا، في حين أنَّ تعبيرات الغضب أخذت شكلًا زاويًّا ونزولًا، مع شكلِ الوجه الغاضب والذي يُسبب للوزة الحلقِ حالةً من الخوف.

وفي سياقِ بحثِه، يرمزُ الشكلُ الدائريّ بشكلٍ مُجرّد إلى السعادة، في حين أنّ المثلثُ المُدبب يُمثّل الغضب.

نظريّةُ (Lima) الأخيرة لها عِلاقةٌ بالشكل المُنحني للعين البشريّة، والتي تحرُف العالم قليلًا على حوافِ الرؤية، على غرارِ الانحرافات التي تتم في الكُرةِ البلّوريّة أو عدسةِ عين السمكة، إن لم يكُن مُبالغًا فيه جدًا.

ويقول: « تميلُ الأشكالُ الدائريّة إلى تكملة البناء الماديّ للعين، فالدوائرُ تتناسب بشكلٍ جيّدٍ مع الجهاز البصريّ».

يمضي (Lima) في الكتاب متعتدًّا بنظريّاته، للفرز والتصنيف من خلال مئات الصور من الدوائر، جاعِلًا من حِجّته حول وجودِها التاريخيّ مِثالًا.

تُعدُّ هذه الدروس التاريخيّة هي الأكثر إثارةً للإهتمام، عندما تقترنُ الصور الدائريّة مع عصورٍ، أماكن، وسياقاتٍ مُختلفةٍ تمامًا.

في إحدى الحالات، يتمُ وضع صورةٍ للقِبة التي تعود للقرن الثامن عشر لكتدرائيّة (سوبيرغا – Superga) في ايطاليا، جنبًا إلى جنب مع صورةٍ لـ (Compact Muon Solenoid) وهي أداةٌ علميّة تكشف الجسيمات المُشتركة في اصطدامات البروتون عاليّة السرعة.

ومن ناحيةٍ أخرى، توجدُ صورةٌ مُجمّعةٌ لِلقُطبِ الشمالي لكوكبِ المُشتري، التقتطها مركبةٌ فضائيّة تابعةٌ لناسا عام 2000، بجوار مشروع تفاعليّ يستخدم الدائرةً لإظهار ميولَ توجَهات تغطية نيويورك تايمز الصحفيّة على مدى 30 سنة.

وفي نهايةِ المطاف، يُعتبر هذا الكتاب بمثابةِ تصحيحٍ لميل المصممين لرؤية أنفسهم في طليعةَ كلِّ شيء.

ويقول (Lima) : «هذه محاولةٌ لإظهار أنَّ تصوّر البيانات هو التصحيحُ الأقدمُ والأطول بكثير من ذاك الذي اعتمدتُه الناس، وأنَّ هنالك ميلٌ للتفكير باعتبار ذلك التصحيح الجديد يرقى لتلبيّة مطالب القرن الحادي والعشرين.

وهذا هو السبب لحاجتنا للنظر إلى التاريخ بعمق .»


  • ترجمة: رامي الحرك
  • تدقيق: أسمى شعبان
  • تحرير : رغدة عاصي

المصدر