لأول مرة في تاريخ العلم الحديث، وجد العلماء نهرا كاملا مختفيا في غضون أيام.

تسمي الظاهرة باسم قرصنة النهر – حيث يتم اعتراض تدفق أحد الأنهار بواسطة تدفق آخر.

الأدلة التاريخية تشير إلى أن حدوث هذه العملية يستغرق آلاف السنين، ولكن في هذه الحالة، حدث الأمر لنهر سليمس Slims الذي تغذيه مجلدة كاسكاولش Kaskawulsh في كندا في أربعة أيام فقط، الإطار الزمني الذي يصفه الباحثون بأنه “لحظي من الناحية الجيولوجية، ومن المرجح أن يكون دائمًا”.

 

يقول عالم الجيولوجيا دان شوجار Dan Shugar من جامعة واشنطن تاكوما: ” الجيولوجيون رأوا القرصنة النهرية من قبل، لكن أحدا لم يوثق حدوثه في عصرنا.”

ويتابع: “كان الناس ينظرون إلى السجل الجيولوجي – قبل آلاف أو ملايين السنين – وليس القرن الحادي والعشرين، حيث يحدث الأمر تحت أنوفنا”.

سافر شوجار وزملاؤه الباحثون إلى نهر سليمس في رحلة عمل ميداني في يوكون في أغسطس الماضي، ولكن عندما وصلوا وجدوا أن سليمس – الذي كان متوسط عرض مجراه حوالي 480 متر قبلا – قد اختفى كليًا.

يقول شوجار: “كان هناك بالكاد أي تدفق على الإطلاق، وكان في الأساس بحيرة طويلة، نحيفة”.

ويتابع: “كانت المياه خادعة، لأنك تسير في رواسب نهرية قديمة قادرة على سحبك بداخلها، ويوما بعد يوم كنا نرى مستوى المياه يتناقص”.

وأشارت مقاييس الأنهار إلى أن مستويات المياه قد انخفضت انخفاضا حادا بين 26 و 29 أيار / مايو 2016.

ولمعرفة أين ذهبت جميع المياه، قام الفريق بمسح المنطقة باستخدام طائرات بدون طيار وطائرة هليكوبتر، حتى صار الجاني في هذه الحادثة من القرصنة النهرية مكشوفًا.

على مدى 300-350 سنة الماضية، كان نهر سليمس يغذي من المياه الصخرية التي تجري شمالا من واحدة من أكبر الأنهار الجليدية في كندا، مجلدة كاسكاولش.

ولكن مع تآكل المجلدة في السنوات الأخيرة بسبب الاحترار المناخي، شهدت المجلدة فترة انصهار مكثف، تمكنت من حفر قناة جديدة في الجليد، لتحول المسار جنوبا عبر نهر كاسكاولش.

وما يعنيه هذا هو أنه بدلا من أن ينتهي المطاف في بحر بيرينغ عن طريق بحيرة كلوين، فإن مياه الانصهار غيرت اتجاهها نحو الجنوب الشرقي لتصل في النهاية إلى المحيط الهادي.

 

إنه تحول هائل، ليس فقط لأنها المرة الأولى التي تحدث فيها القرصنة النهرية بهذه السرعة، ولكن لأنها الحالة الأولى التي يعتقد العلماء أنها حدثت بسبب تغير المناخ الناجم عن عوامل بشرية.

يقول جون كلاغ John Clague من جامعة سيمون فريزر الكندية: “إن هذا الحدث يتسم بالخصوصية، نظرا للوضع الجغرافي الغريب الذي حدث فيه.”

ثم يتابع: “ولكنه بمعنى أوسع، يسلط الضوء على التغيرات الضخمة التي تشهدها الأنهار الجليدية في جميع أنحاء العالم بسبب تغير المناخ “.

على الرغم من أن المناطق المحيطة بنهر سليمس ليست مكتظة بالسكان، إلا أن الباحثين يقولون إن آثار إعادة التوجيه ستكون لها عواقب وخيمة على النظم الإيكولوجية الطبيعية.

ويمكن أن تؤثر على إمدادات المياه في المستقبل في المنطقة.

في حديثها لنيو يورك تايمز، تقول عالمة الجيولوجيا راشيل م. هيدلي من جامعة ويسكونسن باركسيد والتي لم تكنن جزءًا من البحث:

“رغم أن نهرًا جليديًا يغير مساره في يوكون Yukon قد لا يبدو وكأنه أمر هام، فإن ذوبان المجلدات هو مصدر للمياه لكثير من البشر.”

ثم تتابع: “كما أن الرواسب والمواد المغذية التي تحملها الأنهار الجليدية يمكن أن تؤثر على البيئات الطبيعية البرية والبحرية، وكذلك الزراعة”.

نظرا لموقع كاسكاولش الخاص، يرجح الفريق أن انصهار الأنهار الجليدية الأخرى لن ينتج بالضرورة حالات مماثلة من سرقة الأنهار، ولكنه أمر يمكن أن يحدث.

وعلى أية حال، فإن هذه الظاهرة تعد تذكيرًا قويًا آخر – في حال أننا مازلنا نحتاج واحدًا – أن تداعيات الاحترار العالمي يمكن أن تنتج تطورات دراماتيكية وصعبة التنبؤ بها.

 

يقول شوجار فى بيان صحفى: “حتى اليوم، يتركز الكثير من العمل العلمى المحيط بالمجلدات وتغير المناخ على ارتفاع مستوى سطح البحر”.

ثم يتابع: “تبين دراستنا أنه قد تكون هناك آثار أخرى غير متوقعة، وغير مرغوبة، من تآكل المجلدات”.

تم نشر الاكتشافات في نشرة ناتشر جوسينس Nature Geoscience.


ترجمة :أحمد الغندور
تدقيق: إبراهيم صيام

المصدر