كأي شخص متعلّم تعرّض لألف باء العلوم الحياتية في مراحله الدراسية، لن تخفى عليك أهمية البروتينات العظيمة، بالإضافة لكونها مركبات عضوية معقدة التركيب، فهي أيضاً أساسية في تركيب ووظيفة كل الخلايا الحية، بل حتى الفيروسات.
يتكون البروتين من عدد من الأحماض الأمينية، التي تعتبر وحدة البناء الأساسية في تركيبه.
للبروتين أهمية عظيمة لصحة الجسم من كل النواحي، بدءا من أهميته في بناء الأنسجة، مرورًا بكل وظائفها الضرورية المتنوعة في الجسم كالاستجابة المناعية، نقل المواد، تكوين الإنزيمات وغيرها الكثير.
ربط البروتينات في أذهاننا بالأطعمة اللذيذة المتنوعة في نظامنا الغذائي، كاللحوم والبيض، مرورا بالتونا والحليب يزيد من تعظيمنا لهذا المركب متعدد الوظائف.
و كما أنّ العلم يستمر دائما بمفاجئتنا، نطالع دراسة جديدة قادمة من منظمة بيتسون للأبحاث السرطانية في المملكة المتحدة، ترسم لنا علاقة مثيرة للاهتمام بين بعض الأحماض الأمينية في البروتين وعلاج السرطان.
وجد الباحثون أنّ استبعاد الأحماض الأمينية جليسين وسيرين “glycine and serine” من النظام الغذائي للفئران في المختبر أدى إلى إبطاء نمو كل من السرطان الليمفاوي وسرطان الأمعاء، حيث أنّ استبعاد السيرين والجليسين يجعل بعض الخلايا السرطانية أسرع تأثراً ببعض المواد الكيميائية الخلوية القاتلة مثل ال ROS.
وكما يزيد العلاج الكيماوي والعلاج بالأشعة من نسبة الROS داخل الخلايا، فإن هذه الدراسة ترجح أنّ التحكم بالنظام الغذائي للمريض سيجعل العلاجين التقليديين -الكيماوي والعلاج بالأشعة- أكثر فعالية.
حيث أنّ ما قبل البحث الجيّد لن يكون كما بعده، فان الخطوة القادمة ستتمثل في إقامة تجارب سريرية مع مرضى السرطان، من أجل تقييم مدى جدوى وأمان نوع كهذا من العلاج.
بالطبع لن يكون الأمر ببساطة التوقف عن تناول بعض الأطعمة المنزلية وتناول الأخرى، ولن يرتبط بالضرورة بوجبات الغداء أو تلبية الولائم العائلية.
حيث أنّ البروتينات كما ذكرنا أساسية وضرورية للبقاء، لذا فإن التحكم بوجود أحماض أمينية معينة ستكون عملية دقيقة ومنظمة وخاضعة لمتابعة الطبيب المختص.
كما ذكرنا، فالخلايا الحية تحتاج إلى الأحماض الأمينية لصناعة البروتينات الضرورية، فالخلايا السليمة لديها القدرة على صناعة كميات كافية من حمضي (جليسين وسيرين) المستهدفين، إلا أنّ الخلايا السرطانية تعتمد بشدة على نظامنا الغذائي لتحصيل هذين المركبين.
مع كل هذه النتائج المثيرة، فقد وجدت الدراسة أنّ تأثير النظام الغذائي في نمو السرطان وعلاجه سيكون أقل فاعلية بالسرطانات المرتبطة بطفرات في جين KRAS كما في سرطانات البنكرياس، ذلك أنّ الجين المعطل يعزز قدرة الخلايا السرطانية لصنع هذين الحمضين بنفسها.
ربما ستساعدنا مثل هذه النتيجة في تمييز أنواع السرطانات التي ستستجيب لتعديلات على النظام الغذائي من غيرها.
متشوقون بالفعل لمتابعة نتائج هذه الدراسة بعد تطبيقها على المرضى، ومتشوقون أكثر لمتابعة كل جديد فيما يخص جهود الباحثين في كسب حربنا ضد السرطان، ومن يدري، قد يأتي الوقت الذي سنسخر به من عجزنا أمام السرطان، بل لعله قريب.
إعداد: أنسام غازي
تدقيق: إبراهيم صيام
تحرير: يمام اليوسف